الآثار النفسية للمعصية

نقصد بها المعوقات التي تعوق الروح عن الصعود، وتخلد النفس في سفاسف الأمور وهي متعددة المظاهر: تلك الحالات التعسة التي تلحق بالمسلم همومًا وغمومًا، وأحلامًا مزعجة لا تكاد تفارقه ليلة، هذا الفتور الذي يصيبه في أكثر الأحايين بحيث يصبح هامدا ذابلا في الطاعات، ذاك الكسل الذي يلازمه عند الصلاة، ذلك الحرمان من الإحساس بالقيم الإسلامية، هذا الافتقار إلى الربانية في معاملاته، هذا الاحتساب المفقود لدى ممارسة الشعائر الدينية والأعمال العادية، هذه الغفلة التي لازمته، الغفلة عن المراقبة والعجز عن الخشوع حتى إذا انتهى من الصلاة نسى السورة التي قرأها! يقرأ القرآن ولا يتجاوز شفتيه ولا يستطيع معاينة الحسنات الجزيلة ولا الشعور بالدرجات المرفوعة، ولا الخطايا المنحطة عند خطوات المسجد أو انتظار الصلاة، لا يذكر الله تعالى إلا قليلا، وإذا ذكره يومًا لا يحس بعظمة المذكور الذي شرفه بذكره، وذكره في ملأ أفضل.

يحسن أن يسأل هذا المسلم لماذا تحول كذلك؟ ولاشك إن هذه حالات شقاء وتصرفات ذل تصدر من النفس بسبب اتباع الهوى الذي يجعل الفرد في أحوال مسكنة وندامة وحسرة لا تزول إلا بصدق الإنابة والتوبة النصوح، وإلا يظل مثل الذي (...أخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ...) (الأعراف: 176).

إما كون هذه الحالات تصدر بسبب اتباع الهوى، لأن جميعها جور، والجور يجلبه هوى النفس، وقد حذرنا الله منه حفاظا على العدل في المجتمع المسلم (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ...) (النساء: 135) (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (ص: 26).

إنه لهوى النفس الذي أمرنا بمخالفته (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) (النازعات: 40) هو الهوى الذي ألجم عقله وروحه وفكره.

إن مخالفة هذه المعصية، كما قال عنها سيد قطب رحمه الله: هو نقطة الارتكاز في دائرة الطاعة، فالهوى هو الدافع القوي لكل طغيان وكل معصية، وهو أساس البلوى وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى، فالجهل سهل علاجه، ولكن الهوى بعد العلم هو آفة النفس التي تحتاج إلى جهاد شاق طويل الأجل لعلاجها.

إن هذه المعصية لإله يعبده الغافل بغير شعور (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان: 43)، لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصور غضب الله تعالى وبغضه للهوى فقال: «ما تحت أديم السماء إله يعبد من دون الله عز وجل أبغض إلى الله عز وجل من الهوى».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم