Business

دور الأم في تربية أبنائها على تعظيم رمضان

في هذه الدراسة، توجه الباحثة سحر شعير رسالة إلى الأم العظيمة، صانعة النفوس المؤمنة، القيّمة على غرس بذور الإيمان فيها، ومن جعلها الله تعالى حارسة على البيوت المسلمة لتقيمي منها – بإخلاصك واستقامتك- لبنة قوية في صرح المجتمع الإسلامي الكبير.

فمن أشرف منك عملًا؟ ومن أحظى منك بالأجر والقبول إذا اتقيت الله عزّ وجلّ؟ إليكِ أختي المسلمة أوجّه حديثًا خاصًا في زمان خاص ميزه الله تعالى بالبركات والخيرات، في شهر رمضان المبارك.

وفي رمضان هذا العام.. نريد أن نركز حديثنا حول تربية الأبناء. بل تربية الأسرة بأكملها على تعظيم الشهر الجليل.. وإحياء روح العبودية لله تعالى فيه بالتزام أوامره ونواهيه، وتعظيم شعائره كما يحب ويرضى.

ولا يخفى أن تربية الأبناء على هذه المعاني يعود بدرجة كبيرة إلى مقدار تمثلهم لها داخل الكيان الأسري الذي تربوا فيه، فإليك هذه السطور حول هذا المعنى الهام وخطوات عملية للوصول إليه.

 

كيف تربين أسرتك على تعظيم شعائر الله؟

تتأثر الأسرة بتوجيه الأم تأثرًا كبيرًا وخاصة الصغار، فإنهم لا يدركون معاني الصواب والخطأ إلا من خلال تصرفات القدوة التي توجههم، وفي رمضان تفتقد كثير من الأسر إلى التطبيق الكامل الصحيح لمعنى تعظيم الشعائر، وإعطاء هذا الموسم الإيماني حقه من التزام الأوامر، واجتناب النواهي.

قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32)، ورد في معنى {شَعَائِرَ اللهِ} أنها: المعالم الظاهرة من دينه، التي جعل الله تبارك وتعالى بعضها مكانيًا، وجعل بعضها زمانيا، ومن ذلك الأشهر الحرم وشهر رمضان، فإن الله قد فضله وشرفه كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وكفى بذلك شرفًا وفخرًا.

وتعظيم الشعائر لا يكون بالإقبال على الطاعات والاستزادة منها فقط، ولكن بتجنب ما حرم الله تعالى في هذه الأوقات والأماكن لأنها تختص بالعبادات أكثر من غيرها؛ ولذلك يكون ارتكاب المعصية فيها أشد قبحًا وأعظم وزرًا من ارتكابها في غيرها من الأوقات والأماكن.

وغير خاف على المسلمين عامة وعلى المربين خاصة الحرب المعلنة من الآلة الإعلامية بهدف إفساد الشعائر لا تعظيمها. وتحويل الشهر الكريم من موسم زاخر بالعبادات إلى أكبر موسم يروج فيه أهل الباطل (الفن) لبضاعتهم؛ الأمر الذي يختزل معنى تعظيم الشهر الكريم في أذهان الكثيرين في صورة انفعالات عاطفية، وأداء للعبادات فقط.

أما المعنى المقصود شرعًا لتعظيم الشهر من صيانة الجوارح عن ارتكاب ما يغضب الله تعالى فهدفهم هو إبعاده عن الأذهان تماما.. قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء».

 

وتربية الأبناء على تعظيم الحرمات في رمضان وغيره تتطلب من الأم الواعية عدة أمور، مثل:

  • التمهيد للأبناء قبل دخول رمضان، وكثرة الحديث عن فضل هذا الشهر العظيم، وما يمكن أن يناله المسلم من خير فيه من مغفرة الذنوب: وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه)، و«من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» (متفق عليه)، ومضاعفة الأجر: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به» متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم.
  • إشعار الأبناء بعظمة وجلال المناسبة الدينية التي يقبلون عليها، ومن ثمّ تعريفهم بمعنى تعظيم الشعائر، وهو الإقبال على الطاعات اغتنامًا للأجر المضاعف، والابتعاد التام عن السيئات اتقاءًا للوزر المضاعف أيضًا.
  • كذلك من تعظيم الشعائر في رمضان الاستعداد للتفرغ للعبادة فيه قبل قدومه، فيلاحظ الأبناء أمهم وهي تعتني بتنظيم الوقت، وترتيب الأولويات، وتستعد لرمضان قبل دخوله بإتمام أكبر قدر ممكن من المهام الأسرية المطلوبة في هذا الشهر الكريم، مثل: شراء ملابس العيد، وإعداد الكعك وحلوى العيد، والقيام بحملة النظافة الشاملة للمنزل..، وسيكون الأثر أقوى في نفس الأبناء إذا جعلتهم الأم يشاركونها في تلك المهام، في جوّ أسريّ يسوده الفرح والاستبشار بقدوم شهر رمضان الحبيب.
  • تصحيح أفكار الأبناء وبناء نظرة سليمة لديهم تجاه كل ما من شأنه أن يخدش حرمات الشهر الكريم، وأظهر من يفعل ذلك هو الإعلام الفاسد بهذا الحشد الهائل من البرامج والمواد الهابطة المليئة بالخلاعة، والتي تجمع بين الهبوط الثقافي والانحلال الأخلاقي. حيث إن تأسيس الفكر السليم تجاه الفساد يسهل استغناء الأبناء عن مشاهدته، ويجعلهم يستعلون على مقاصده الفاسدة. أما إجبارهم على عدم المشاهدة دون توضيح الأسباب؛ فغالبًا لا يأتي بنتيجة حقيقية، وتظل هذه البرامج بزخرفها وبهرجتها كالحلوى المعلقة في السقف ينتظرون أول فرصة سانحة ليتلقفوها في غفلة من الوالدين! وشأن الشاشات أن تكون تحت إدارة الوالدين ورقابتهم وبذلك تتحول من معول هدم إلى وسيلة من الوسائل الإيجابية في التربية خاصة فيما يخدم الجانب المعرفي والثقافي للأبناء.
  • من تعظيم الشعائر أيضًا في رمضان صيانة اللسان عن آفاته كلها، وخصوصًا الغيبة، لأن هذه المعصية تجرح الصيام وتفرغه من مضمون التقوى، وعظيم الأجر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري في الصوم وفي الأدب، ورواه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.

وفضيلة حفظ اللسان من الفضائل التي لا ترتكز في النفس إلا بالقدوة الحسنة، وبمتابعة الأبناء ودوام التواصل معهم بحيث يسمح هذا التواصل للأم بمعرفة نوعية الأحاديث التي يتداولها الأبناء، ومقدار مراعاتهم لحفظ اللسان والانضباط فيها من عدمه؛ ومن ثم يتهيأ لها التوجيه المباشر والزجر إذا لزم الأمر فيما يخص انضباط اللسان، وفي رمضان يكون من اليسير على الأم توجيه أبنائها إلى زيادة الحرص والانتباه إلى ضبط اللسان والاحتراز من آفاته حتى لا يفسد صومهم بذلك.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم