السقوط الأخلاقي والحل التربوي للأزمة

تتعرض المجتمعات دون استثناء لضربات موجعة في أخلاقها وسلوكها، في البيت والشارع والمدارس والجامعات، في الدول الإسلامية وغير الإسلامية، أزمة لم نكن نسمع عنها بهذه الصورة المتوحشة، حتى خلفت استقطابا عنيفا بين أبناء الوطن الواحد والبيت الواحد والبلدة الواحدة.

وفي هذه الدراسة يتعرض الدكتور خالد بن سعود البليهد - عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة- إلى أزمة الأخلاق التي ضربت جنبات الأمة فأصابت سلوكياتها وسلوكيات شعوبها وأجيالها القادمة، حتى أصبحت أمواج متلاطمة من الصراع التنافسي غير الأخلاقي، يقول في دراسته:-

«إن الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة من محاسن هذا الدين وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال: «وخالق الناس بخلق حسن» رواه الترمذي وقال الله عز وجل: {... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا...}.

إن الأخلاق الحسنة هي أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق.

والمتأمل في أحوال أمة الإسلام يلحظ ضعفا شديدا في الجانب الأخلاقي وتظهر هذه الأزمة الأخلاقية في الميادين الآتية:

(1) محيط الأسرة: فالأولاد إلا ما شاء الله لا يحترمون أباهم ولا يقدرون أمهم وكثيرا ما يعصون أوامرهما، ومن المؤسف أن كثيرا من الأولاد سلبيون يتنصلون عن المسؤولية دائما لا يهمهم إلا اللهو وقضاء الشهوات من مطعم جيد وملبس حسن وكماليات!

(2) التعليم: من الملاحظ جفاء كثير من الطلاب للمعلمين وقلة احترامهم حتى ذهبت هيبة المعلم لدى طلابه.

(3) المناسبات الاجتماعية: فالصغار والأولاد لم يتربوا على تقدير الكبار في الولائم والمناسبات وتراهم يجلسون في مقدمة المجلس ويزاحمون الكبار ويتحدثون في كل موضوع ولو كان لا يناسبهم ويقاطعونهم في الحديث ولا يشاركون في خدمتهم وغير ذلك من مظاهر قلة الاحترام من ترك الاستئذان والسلام وتقديم الكبير.

(4) الصحبة والصداقة: ومما يلاحظ أيضا أن كثيرا من الشباب والفتيات لا يحسن آداب الصحبة ولا يحترم حقوق الصداقة ويبني علاقاته في الغالب على مجرد المصالح المادية أو الشهرة، وقل من الأصحاب من يحفظ الود والوفاء

(5) العلاقة الزوجية: يلاحظ انتشار عادات سيئة وسلوكيات خاطئة في بعض البيوت. كأن يكون الرجل فظا غليظا مع زوجته، كثير الشك والغيرة، قاسيًا في تصرفاته، متسلطًا في قراراته، لا يراعي رغبات المرأة واهتماماتها، بخيلا مقترا على أهله، سبابا بذيء اللسان داخل بيته، فإن خرج ولقي الأصحاب هش وبش!

وقد تكون المرأة سفيهة كافرة للعشير، تفسد المال وتذيع السر ولا تحفظ الود، وتضيع الولد، ولا تحترم الزوج ولا تقيم له وزنا، تهمل هيئتها ولباسها، فإذا خرجت للنساء تزينت واعتنت بمظهرها.

(6) بيئة العمل: ومما يلاحظ سوء خلق بعض العاملين، فبعضهم يحمل الحقد على زميله لموقف شخصي تافه وينصب له العداوة، بل ربما يحسده إذا رآه نجح في عمله.

(7) الأسواق: بعض التجار تراه يكذب في وصف سلعته ويروجها بالأيمان الكاذبة ويغش المشتري ويسوم ويبيع على أخيه التاجر حسدا منه ولا يلتزم بشروط البيع من الضمان وغيره ويغلب عليه الجشع والبخل في تعامله مع الآخرين، وقل من التجار من يراعي حدود الله فكثر الغش في زماننا وقلت الأمانة.

(8) الإعلام: بعض العاملين في مجال الإعلام يفتقدون أخلاقيات هذه المهنة الخطيرة من الشفافية والوضوح والصدق والأمانة في نقل الأخبار وتحقيق الأهداف السامية من توعية المتلقي ونشر الثقافة الإسلامية والعربية، وتوضيح الحقائق وعرض الأحداث عرضا مطابقا للواقع دون تدخل فيه، ومن المؤسف أن تكون الإثارة هدفا في العمل الإعلامي.

 (9) وسائل الاتصالات: بعض الناس يسيء استخدام وسائل الاتصال ويستعملها في أمور سيئة ومقاصد خبيثة تؤذي المسلمين وتنغص عيشهم؛ كاستخدام الهاتف في معاكسة البنات وإيذاء البيوت العفيفة، واستخدام الإنترنت في إشاعة الخلاعة والإباحية.

(10) الطب: بعض الأطباء هداهم الله لا يحترم مهنة الطب ولا يلتزم بأخلاقيات الطبيب المسلم، فتراه متكبرا على غيره ينظر إلى المريض نظرة دونية فيها ازدراء ولا يعطى المريض الاهتمام والاحترام اللائق به ولا يعطيه فرصة كافية لبث شكواه، بل ربما قصر في الكشوفات والتشخيص للمرض.

أسباب الأزمة الأخلاقية:

  • ضعف التدين في نفوس المسلمين.
  • التصور الخاطئ لشرائع الإسلام وأحكامه وروحه.
  • غياب القدوة الصالحة في كثير من المجالات.
  • طغيان الجانب المادي والاهتمامات الدنيوية في العلاقات والأعمال.
  • قلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تعنى بالجانب الأخلاقي.
  • قلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات.
  • عدم سن أنظمة وقوانين تحافظ على المبادئ والقيم الأخلاقية العامة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم