يحكى الحاج عباس السيسي عن فترة ما بعد خروجه من السجن الحربى، وعمله وإخوانه على نشر دعوة الاخوان بين الناس من جديد، وإزالة ما علق بالأذهان من شبهات الإعلام المضللة.
فيقول: "وبدأت في مرحلة (الفهم) في جلسات في منزلي تستمر ليلاً ونهاراً وقد تستمر أحياناً إلى منتصف الليل وقد يزيد العدد في الجلسة إلى خمسة وعشرين، وكانت هذه الجلسات وما يدور فيها بعيدة كل البعد عن الطعن والتجريح ولكنها فقط للتصحيح والتوضيح، تصحيح الأحداث التي زورتها وسائل الإعلام وتوضيح مواقف الإخوان منها، ثم شرح دعوة الإخوان منهجهم ووسائلهم وخاصة الأحداث التاريخية الهامة التي تشغل بال الناس جميعاً، فكنت أعرض تاريخ جماعة الإخوان منذ بدأت دعوتهم عام 1928 إلى يومنا هذا، مستشهداً بالواقع من التاريخ الإسلامي وسير الصحابة والتابعين، ثم ألفت أنظارهم إلى بعض فقرات من رسائل الإمام الشهيد حسن البنا التي يتابع بها مسيرة الجهاد، وكنت ألاحظ استغراباً ودهشة تبدو على وجوه الجميع، فإن الحقيقة الصادقة الناطقة بالحق كانت بعيدة عن أذهانهم، بل إن عكس هذه الحقائق هي التي كانت راسخة بما كانت تذيعه وسائل الإعلام المسموعة والمرئية وصحافة وكتب ومجلات من سموم وسهام ضد جماعة الإخوان بما يدينها بالإجرام، والله تعالى يعلم أن الإخوان بريئون براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
وكنت بعد ذلك أترك لكل شخص أن يعيش بين نفسه وضميره ويقارن على ضوء ما سمعه من رسائل الإمام حسن البنا التي طبعت قبل هذه الأحداث بعشرات السنين. كنت حين أتحدث إلى الشباب، لا أحاول في ختام حديثي أن أطلب منهم إجابة لاستشف صدى حديثي معهم، فإن هذا ليس من الحكمة، حيث أن الطريق لا يزال طويلاً، فمهمتي الآن تقتصر فقط على تصحيح الأفكار والمفاهيم الخاطئة التي ترسبت في أذهان هذا الجيل الذي عزلته الدولة عن جماعة الإخوان المسلمين بوضعهم في السجون عشرين عاماً، ليحولوا بينهم وبين البلاغ.
كان من الذين يواظبون على حضور هذه الجلسات طالب جامعي، أراه يجلس يستمع في أدب وصمت واستمر على ذلك فترة طويلة، وذات يوم طلب أن يقابلني على انفراد، وجلس أمامي يتحدث بصوت هادئ متهدج، قال إنه كان عضواً في منظمات الشباب، وكان يقرأ الكتب التي تهاجم جماعة الإخوان، وكان يصدق كل ما يقال عنهم، ورغم أن والده أعطاه فكرة طيبة عن الإخوان إلا أنه كان مصراً على كراهيته لهم، وقال ورغم أني عضو نشيط في منظمات الشباب فلم أسمع منك تلميحاً ضدهم في الوقت الذي يحذروني من تواجدي معك. وأنا اليوم بعد ما فهمت حقيقة الدعوة أشعر بالندم العميق والأسف الشديد لهذا الماضي الذي أدركت بعد ذلك أنه وصمة في حياتي وأرجو أن يغفر لي ربي ما تقدم من ذنبي، كنت أستمع للأخ الحبيب ودموعي تسبق دموعه، يارب لك الحمد أن سعادتي بهذا اللقاء تعدل الماضي كله، لقد انتصرت الدعوة بهذا القلب إن هذا القلب عزاء كبير بعد محنة طاحنة قاسية، لقد كانت لحظات ربانية مشرقة تشد العزائم وتقوي الهمم وتثبت الأقدام على الطريق، ومضى الشباب في طريق الدعوة بخطى ثابتة واعية أسأل الله تعالى له الثبات على الحق.
.