إنّ تنظيم الهجرة واستقبال اللاجئين الفارّين بدينهم من شتى البقاع ليس بالعمل الهيّن، وفي عصرنا الحاضر تعد هذه الحال مشكلة تحتاج إلى الحل السريع!
وصادف إبّان الهجرة أن كانت المدينة موبوءة (بحمّى) الملاريا، فلم تمض أيام حتى مرض بها أبو بكر، وبلال، واستوخم الصحابة جوّ المهجر الذي آواهم، ثم أخذت تستيقظ غرائز الحنين إلى الوطن المفقود.
وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يصبّر الصحابة على احتمال الشدائد، ويطالبهم بالمزيد من الجدّ والتضحية لنصرة الإسلام، وقال: «لا يصبر على لأواء المدينة وشدّتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة، ولا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه»، وهذا ضرب من جمع القلوب على المهجر الجديد، حتى تطيب به، وتنفر من مغادرته.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا قدم النبيّ عليه الصلاة والسلام المدينة؛ وعك أبو بكر وبلال، فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول:
كلّ امرئ مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه، يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد، وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنّة؟ ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟
قالت: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «اللهم حبّب إلينا المدينة، كحبّنا مكة أو أشد، اللهم وصحّحها، وبارك لنا في مدّها وصاعها، وانقل حمّاها، واجعلها بالجحفة».
وعن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكّة من البركة».
وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بأوّل الثّمر قال: «اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، بركة مع بركة، اللهم إنّ إبراهيم عبدك ونبيّك وخليلك، وإنّي عبدك ونبيّك، وإنّه دعاك لمكّة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكّة، ومثله معه» ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان.
بهذا التشويق والإقبال ارتفع الروح المعنوي بين المسلمين، واتّجهت القوى الفتية إلى البناء، متناسية الماضي وما يضمّ من ذكريات.
الواجبات العملية لكل من هاجر اضطرارا من بلده في كل زمان:
- التعايش والاندماج مع أرض هجرته
- أن يقاوم الحنين للوطن بالانشغال بمتطلبات المقام الجديد
- ترتيب الأوضاع في أرض المهجر
- إعطاء أرض المهجر نصيبها من الدعاء بالبركة والإصلاح والإلحاح على الله والتضرع إليه أن يصلحها ويلقي قبولها في قلوبنا
- تفقد أحوال المهاجرين الآخرين والقيام على شئونهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية
- الدعوة والإصلاح بين أهل الأرض التي هاجر إليها ونشر الدعوة بينهم
- لتكن سلوكياتنا دليلا طيبا على قوامة منهجنا ونجاعة رسالتنا وعدالة قضيتنا
- أن تكون عيوننا على الوطن الذى هاجرنا منه لإصلاحه وتحين الفرص إلى ذلك وليس لمجرد العودة إليه على أية حال.
.