شاء الله أن يمن على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم برحلة مباركة طيبة هي الإسراء والمعراج، والإسراء: فهي رحلة أرضية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، أما المعراج: فهي رحلة سماوية تمت بقدرة الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السموات العلا ثم إلى سدرة المنتهى ثم اللقاء بجبار السموات والأرض سبحانه.
وينبغي العلم أن الإسراء والمعراج كان بالجسد والروح معًا، واستدل العلماء على ذلك بقول رب العزة سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} والتسبيح هو تنزيه الله عن النقص والعجز وهذا لا يتأتى إلا بالعظائم، ولو كان الأمر منامًا لما كان مستعظمًا ثم بقوله تعالى: {بِعَبْدِهِ}، والعبد يطلق على مجموع الجسد والروح.
وفي هذه الدراسة، يستعرض الباحث هاشم محمد علي، صفة الاسراء والمعراج، والدروس والعبر المستفادة منهما:
- درس في النبوات: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إمامًا له دلالتان.. هي:
- أولا: وحدة الأنبياء في دعوتهم فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله عز وجل.
- ثانيًا: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إمامًا لها دليل ولها دلالة أن النبوة والرسالة قد انقطعت فلا نبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- درس للدعاة إلى الله تعالى، عاد النبي صلى الله عليه وسلم من رحلته الميمونة المباركة أراد أن يخرج للناس حتى يبلغهم فتشبثت به أم هانئ بنت أبي طالب تقول له: يا رسول الله إني أخشى أن يكذبك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: «والله لأحدثنهموه». (سأخبرهم وإن كذبوني) درس للدعاة إلى الله عز وجل أن يبلغوا أمانة الله تعالى رضي الناس أم غضبوا، وإذا كان أنبياء الله عز وجل يتهمون بالكذب والسحر والجنون، فليس في ذلك غرابة بعد أن يتهم الدعاة إلى الله في واقعنا بالتطرف والإرهاب والرجعية والتأخر.
- درس في بناء الرجال، والرجال لا يمكن بناؤهم إلا من خلال المواقف، عندما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الإسراء والمعراج طفق القوم بين مصفق وبين واضع يده على رأسه تعجبًا يقول ابن كثير: (وارتد ناس ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم) فالأمر يحتاج إلى يقين بقدرة الله، ويقين بصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمحنة تفرز حقائق الرجال فأفرزت هذا النموذج الذي لم يستطع أن يستوعب الأمر لضعف إيمانه، وأفرزت رجالًا كأبي بكر الصديق.
- درس في معية الله عز وجل لأنبيائه وأوليائه، طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصف لها بيت المقدس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه ليلًا ولم يكن قد رآه من قبل، يقول صلى الله عليه وسلم: (فأصابني كرب لم أصب بمثله قط)، أي أن الأمر سيفضح أي النبي صلى الله عليه وسلم سوف يتهم بالكذب، ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه يقول صلى الله عليه وسلم: فجلى الله لي بيت المقدس فصرت انظر إليه وأصفه لهم بابًا بابًا وموضعًا موضعًا.
- درس لكل صاحب هم، ألا يلتفت قلبه إلا إلى الله عز وجل ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد يحمل هم الدنيا كلها، رجل واحد يحمل أمانة تنوء بها الجبال، ماتت زوجه السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يأوي إليها عند تعبه، مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه، ذهب إلى ثقيف، ولكنها ردته ردًا سيئًا فلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط وأخذ يناجي ربه: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، إلهي أنت رب المستضعفين، أنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل على غضبك أو أن تحل به عقوبتك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله».
- درس في الجهاد، رأى النبي صلى الله عليه وسلم البيت المعمور وهو بمنزلة الكعبة في السماء، تحجه الملائكة هناك، وعلم أيضا أنه {وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ}، {وَمَا يَعۡلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ}.
فلماذا إذًا فرض الله علينا الجهاد؟ وهو القادر بكلمة كن فيمكن أن يبدل الحال غير الحال ولله عز وجل جنود الأرض والسماء؟ يريد الله تعالى ألا يتنزل نصره على كسالى يبخلون على الله بأنفسهم، إن الله تعالى يحب أن يرى الدماء تراق لأجله ويحب الله تعالى أن يرى الأموال تبذل لأجله.
- درس في الصحوة الإسلامية، فمكة هي رمز الإسلام بدين الله عز وجل وبيت المقدس هو رمز لحال المسلمين، فما يجري في تلك الأرض هو علامة صحوة المسلمين أو غفلتهم، وجذوة الجهاد التي انطلقت من هناك دليل على أن أمر الغيرة ما زال في الأمة وأنه ما زال فيها جيل، وأنه ما زالت فيها الرغبة في أن تعود إلى الله عز وجل، أن تعود إلى زعامة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبيت الله عز وجل لا يتحرر إلا على أيد متوضأة طاهرة كريمة، أما الأيدي التي يحمل أصحابها أفكارًا منحرفة وعقائد فاسدة وعلمانية كافرة، مثل هذه الأيدي لا يبارك الله فيها وحاشى الله أن يكتب لها النصر والتأييد مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتقاتلن اليهود فيختبأ اليهودي وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله».
.