نحن أمة مجاهدة أبدا وأمة هذا شأنها لابد أن ينمو عند كل فرد فيها الحس الأمني فيعرف ماذا يقول وماذا يجب أن يكتم وعلى من يجب أن يكتم.
ولابد أن يعتاد الفرد على أن تكون له أسراره الخاصة التي لا يبوح بها لأحد، ولابد أن يعتاد الفرد على أنه مؤتمن على أسرار طلابه وعلى أسرار المسلمين، مفرقا بين ما يجوز وما لا يجوز، يتحفظ حيث ينبغي التحفظ ويسكت حيث ينبغي السكوت ويسهب حيث ينبغي الإسهاب.
ويجب على كل مسلم – وهو في حق الدعاة أوجب – أن يحفظ لسانه ولا يغفل عنه، وليتذكر قوله r لمعاذ: (وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا حصائد ألسنتهم) أخرجه الترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي r ما النجاة ؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) أخرجه الشيخان.
معنى كتمان السر
هو حفظ للأمانة كما قال r: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) رواه أبو داود والترمذي، وقيل (إنما يتجالس المتجالسون بالأمانة فلا يحل لأحد أن يفشي على صاحبه ما يكره).
شواهد من القرآن والسنة
وقد وردت شواهد كثيرة في القرآن والسنة على أهمية الحذر واتخاذ الأسباب للحفاظ على الأسرار الخاصة بالفرد والمدرسة.
- ففي القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا( [النساء: 71]، )وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ( [النساء: 102].
أما في السيرة فنذكر بعض هذه الشواهد:
أ- قوله r: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان) رواه الطبراني والعقيلي وابن عدى.
ب- وحديث أنس الذي أخرجه البخاري يقول: (أتانا رسول الله r ونحن صبيان فسلم علينا وأرسلني في حاجة وجلس في الطريق ينتظرني حتى رجعت إليه، قال: فأبطأت على أم سليم، قالت ما حبسك؟ فقلت بعثني النبي في حاجة. قال: ما هي ؟ قلت: أنها سر، قالت: فاحفظ سر رسول الله).
ج- ليلة العقبة: خرج عدد من المسلمين من الأنصار في موسم مع قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله العقبة، فلما مضى ثلث الليل اجتمعوا في الشعب عند العقبة، يقول كعب بن مالك: نمنا تلك الليلة في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله نتسلل تسلل القطا متخفين واحدا واحدا في ظلام الليل.
د- أبو ذر الغفاري: (قدم أبو ذر إلى مكة حين سمع بعثة النبي r وكانت الدعوة في مراحلها الأولى، وخشي أبو ذر أذى قريش فسأل رجلا عند الكعبة عن رسول الله r ثم تبين أنه الإمام علي بن أبي طالب، فقال له: اتبعني فإن رأيتني في الطريق كأنني أصلح نعلي فانصرف فإن هناك من يرقبنا). (سيرة ابن هشام).
فوائد كتمان السر
1- الدلالة على فضل صاحبه وكرم أخلاقه، فكما لا خير في آنية لا تمسك ما فيها، كذلك لا خير في الإنسان إذا لم يملك سره وقيل (صدور الأحرار قبور الأسرار).
2- الاستعانة على حصول المقاصد، ففي الحديث (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) الطبراني وابن عدى والعقيلي.
3- للكتمان أثره في تحقيق السلامة والاطمئنان والاستقرار:
كما في قوله تعالى: ) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ( [النساء: 83].
4- للكتمان أثره في تحقيق النصر في أي معركة أو إنجاز الأعمال التي تتطلب ذلك:
(خرج رسول الله r في السنة الخامسة من الهجرة من المدينة المنورة ومعه عدد من المسلمين يكمن بهم نهارا ويسير ليلا حتى وصل إلى دومة الجندل وأعانهم الكتمان على مباغتة القبائل والنصر عليهم- رغم الفارق بين عدد المسلمين القليل وعدد عدوهم الكثير (سيرة ابن هشام).
(في غزوة بدر عندما لقيه شيخ من العرب فسأله r عن جيش قريش وجيش المسلمين معا- زيادة في الكتمان – والاحتياط وعندما أخبره الشيخ، قال ممن أنتم، فقال الرسول r: نحن من ماء، ثم انصرف بعد أن عرف مكان جيش العدو ودون أن يعرف الشيخ من هو) (سيرة ابن هشام).
5- توثيق الصلة بين الطلاب:
فإذا وجد الطالب أن أسراره مصانة بين زملائه وأن أحدهم لو اطلع على سره ستره إن كان هناك عيبا، فهذا أدعى إلى شدة الالتحام وتوثيق الصلة وزيادة الثقة بين أفراد الصف.
مضار إفشاء الأسرار وعدم الكتمان
1- ومفاسد إفشاء السر كثيرة، أخطرها أنه خيانة للأمانة وقد نزلت الآية الكريمة ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( [الأنفال: 27]، في أبي لبابة حين أفشى سر رسول الله إلى بني قريظة.
- وقال الحسن: وإن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
كما قال معاوية: إفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه أضرار، ولؤم إذا لم يكن فيه أضرار.
2- إفشاء السر يعود بالضرر على من زل به لسانه ولما أفشى يوسف عليه السلام سره في رؤياه بمشهد امرأة أبيه أخبرت إخوته فحل به ما حل، وقيل (كم من إظهار سر أراق دم صاحبه وصرفه عن بلوغ أمله ولو كتمه أمن سطوته).
3- إفشاء سر الطلاب يؤدي إلى ضياع الثقة بينهم ويتعارض مع دواعي الأخوة، وقد أباح الإمام الغزالي لمستودع السر، الكذب حفاظا على سر أخيه فقال: (لمستودع السر أن ينكره وإن كان كاذبا ليس الصدق واجبا في كل مقام، وكما يجب للرجل أن يخفي عيوب نفسه وأسراره، فكذلك يجب أن يخفي عيوب أخيه المسلم وأسراره، قال: وإن احتاج للكذب، فله أن يفعل ذلك في حق أخيه، فإنه بمنـزلته وهما شخص واحد لا يختلفان إلا بالبدن).
4- إذا تعود الطالب على عدم كتمان الأسرار وحفظ لسانه، فقد يؤدي إلى أضرار كثيرة عند وقوعه في أيدي الأعداء.
ضوابط خاصة بنقل أمور شخصية
الأصل في أسرار الطلاب أنها مصانة لا يصح تداولها بين الأفراد عامة فلا يجوز أن ينقل أمر شخصي خاص بأحد الطلاب إذا طلب أن يكون سرا إلا إذا كان هناك ضرر يقع على المدرسة أو آخرين، فيلزم إبلاغ ذلك إلى المستوى الأعلى بعد إعلام الطالب صاحب المشكلة.
الجانب العملي
- تدريب عملي على ممارسة كتمان السر.
.