قم حي ذكراه العزيزة إنها ... للقلب مثل الري للظمآن
واهتف بدعوتك الكريمة عاليا ... رغم الأعادي، رغم كل جبان
واحمل مصـابيح الهداية واتخذ ... من نورها نورا لـكل أوان
واصبر إذا نزلت حمـاك نوائب ... أوما علمت تقلب الأزمان؟
يا مرشدي ذكراك مرت بيننا ... والقلب من ذكراك في خفقان
بهذه الكلمات صدع بها الشاعر العراقي وليد الأعظمي معبرا عن ذكرى استشهاد الإمام البنا والتي تمر علينا حليا الذكرى 71 لاستشهاده، وهي الذكري التي ما زالت محفورة في وجدان الجميع.
حسن البنا الذي عاش نيفًا وأربعين سنة، استطاع أن يغير شكل الأرض برسالته التي استمدها من القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي هتف بها في الأصل الثاني من الأصول العشرين حينما قال: «القرآن الكريم، والسنة المطهرة، مرجعُ كل مسلم في تعرّف أحكام الإسلام».
عاش حسن البنا بين الزعماء زعيما، وبين العلماء عالما، وبين الفقهاء فقيها، وبين المصلحين مصلحا، وبين المجاهدين مجاهدا، حتى ارتقت روحه إلى ربها شهيدة.
لقد جاهد حسن البنا بفكره وعمله على جميع الجبهات المعادية للإسلام والداعية لتثبيط الأمة؛ فحارب المستعمرين كما حارب المتخاذلين، كما وقف في وجه المتنطعين والمنحلين على السواء، حتى جاءت كلمات أحد ضباط الشرطة والذي كتب تقريرا عن حسن البنا ودعوته لرؤسائه بقوله: «إن كثيرًا من الذين لم تنفع معه وسائل التأديب البوليسية ولم تردعهم عن ارتكاب بعض الزلات، قد أفلحت معهم الوسائل الروحية التي تؤثر به جماعة الإخوان على نفوسهم، فصاروا مضرب المثل في الاستقامة والصلاح، وإنه يقترح أن تشجع الحكومة وتعمل على تعميم فروع هذه الجماعة في البلاد حتى يستتب الأمن ويعم الصلاح».
البنا والاحتلال
دعا الإمام البنا كل طوائف المجتمع لمقاومة المحتل الغربي، وأن السبيل لنيل الحرية هي الجهاد لطرد المحتلين، ولذا كانت جماعة الإخوان المسلمين من ألد أعداء الانجليز في مصر والوطن الإسلامي، وهو ما جعل الإمام البنا ينادي بالوحدة للتصدي للمحتل، ويدعو إلى بناء الوعي الشعبي الحقيقي الذي لا يقوم على مجرد شعارات أو فورات حماسية ولكن أن تتحول العاطفة إلى إجراء عملي واقعي يقاوم المحتل، ويحقق الاستقلال معنويًا وفكريًا واجتماعيًا واقتصاديًا، لقد حرص الإمام في خطته ووسائله أن يقاوم الاحتلال في مظاهره داخل النفوس والأفكار والعادات، وكان من مظاهر ذلك تحفيز الأمة لمقاطعة المنتجات الإنجليزية وصور الثقافة الغربية.
كما كان له رؤية عميقة بشأن تحقيق الاستقلال الاقتصادي ليسير هذا الهدف مع تحقيق الاستقلال من الاحتلال العسكري، ولهذا كان جهاده لتمصير الشركات وتشجيع المنتج الوطني، وإنشاء الصناعات الوطنية.
البنا وقضايا معاصرة
كان للإمام البنا نظرة ثاقبة في القضايا الدائرة حول المحتل الغربي والصهيونية، فدعا الجميع للتصدي لهذه المخططات مثل الدفاع عن فلسطين والتي جعلها القضية الأولى في أهداف الإخوان؛ حيث استشعر كونها بلدا اسلامية، وبها مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها الحدود الشرقية للأمن القومي المصري فقال: «إن فلسطين هي خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقي ولا قضية الأمة العربية وحدها»
كما اهتم بقضية توطين سيناء والتي تسعى الصهاينة حاليا لوضعها ضمن صفقة القرن فقال: «إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونا من الأفدنة أي ضعف مساحة الأرض المنزرعة فى مصر، وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعا من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثا، ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سينا من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة وهى عظيمة القابلية للزراعة».
فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود.
أما عن نهر النيل الذي يضيع الآن من المصريين فقد حذر الإمام البنا من التفريط فيه فيقول: «ونريد بعد ذلك أن نؤمن حدودنا الجنوبية بأن نحفظ حقوقنا في الإريتريا ثم زيلع ومصوع وهرر وأعالي النيل.. تلك المناطق التي اختلط بتربتها دم الفاتح المصري، وعمرتها اليد المصرية، ورفرف فى سمائها العلم المصري الخفاق. ثم اغتصبت من جسم الوطن ظلمًا وعدوانًا، وليس هناك اتفاق دولي أو وضع قانوني يجعل الحق فيها لغير مصر، وإن أبى علينا ذلك الناس، ومن واجبنا ألا نتلقى حدود بلدنا عن غيرنا، وأن نرجع فى ذلك إلى تاريخنا، ولنرى أي ثمن غال دفعناه من الدماء والأرواح فى سبيل تأمين حدودنا، لا لمطامع استعمارية، ولا لمغانم جغرافية، ولكن لضرورات حيوية لا محيص منها، ولا معدى عنها، والفرصة الآن سانحة لتطالب مصر برد ما أخذ منها فى غفلة من الزمن وإهمال من الحكومات، وذلك ما نطلب لوادي النيل –أولًا.
إن مصر إذا كانت تحتاج السودان لتطمئن على ماء النيل وهو حياتها، فإن السودان أحوج ما يكون إلى مصر فى كل مقومات الحياة كذلك، وكلاهما جزء يتمم الآخر ولا شك».
لقد شارك حسن البنا الأمة هموما، فكان ضميرها الحي الذي ظل ينبض طيلة حياته، حتى تكاثر عليه الأعداء ليسكتوا هذا الضمير فقتلوه في 12 فبراير 1949م أمام جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، وظنوا أنهم بذلك قد استكوا هذا الضمير إلا أنهم تفاجئوا بملايين الضمائر تنبض بما نادى به حسن البنا.
.