تحويل القبلة.. تربية تتجاوز حدود الشكليات

{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}.. لم يكن هناك بُدٌّ من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه؛ كي يتميز هو ويتخصص بتصوره ومنهجه واتجاهه، فهذا التميز تلبية للشعور بالامتياز والتفرد؛ كما أنه بدوره ينشئ شعورًا بالامتياز والتفرد!

  ولم يكن هذا تعصبًا ولا تمسكًا بمجرد شكليات، وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات، كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة، وهذه البواعث هي التي تفرق قومًا عن قوم، وعقلية عن عقلية، وتصورًا عن تصور، وضميرًا عن ضمير، وخلقًا عن خلق، واتجاهًا في الحياة كلها عن اتجاه.

>> هكذا يربي الله الأمة الوسط <<

   يقول ابن كثير: «وكأن الله يريد أن يقول للجماعة المؤمنة: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم؛ لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداءَ على الأمم؛ فأنتم الأمة الوسط في التصور والاعتقاد، وفي التفكير والشعور وفي التنظيم والتنسيق، والارتباطات والعلاقات، وفي المكان في سرة الأرض وأوسط بقاعها».

   وكم كان هؤلاء الصحابة- رضي الله عنهم- عنوانًا مشرفًا لتمام التربية وعمق الفهم؛ عندما جاءهم خبر تحويل القبلة. انظر في صحيح البخاري عن البراء، أن النبي ﷺ صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا- أو سبعة عشر شهرًا- وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي ﷺ فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع النبي ﷺ قِبل مكة؛ فداروا كما هم قِبل البيت. 

لقد تحولوا وهم في هيئة الركوع من قبلة بيت المقدس إلى اتجاه البيت الحرام، لقد علمونا- رضي الله عنهم- كيف نستقبل أوامر وتعاليم الإسلام.

نعيش معًا هذه المعاني في مواد الملف:

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم