حث الإسلام على تقوية الروابط بين المسلمين في كل ناحية من نواحي حياتهم الاجتماعية والأخلاقية والعقدية وغيرها، ومن أهم هذه النواحي: صلة الأرحام، والإحسان إلى ذوي القربى والأيتام؛ لما يترتب على ذلك من آثار عقدية واجتماعية.
وفى هذه الدراسة، يرى الباحث د. محمد بن عبد الله الحلواني - كلية الآداب والعلوم الإسلامية - جامعة الملك عبد العزيز، أن صلة الرحم ثمرة طيبة لما يحمله الإنسان من فكر، وما يعتقده من معتقد، وما يدين به من دين، وفي المقابل فإن قطيعة الرحم إنما هو سلوك ناتج عن الخلل في المعتقد، وضعف في الإيمان.
فضائل صلة الرحم
أوجب رب العزة والجلال لذوي القربى حقوقا فقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}، ورغب نبينا محمد ﷺ عموم المسلمين في صلة أرحامهم بما بين للناس من الأجر الكبير والجزاء العظيم في الدنيا والآخرة.
فأما الجزاء العاجل في الدنيا فهو لمن يؤدي حقوق أرحامه وذوى قرباه، ويتمثل ذلك في أن الله تعالى يثمر له أمواله، فيربح تجارته إن كان تاجرا، وينجح صناعته إن كان صانعا، ويبارك في زراعته إن كان مزارعا، ويبارك في أولاده وذريته إن كان عائلا.
فصلة الرحم تستدر الرزق، وتستنزل الرحمة، وتبارك في العمر، وتوثق عري المحبة والتالف، وتصفي القلوب من كدرة التحاقد والتحاسد، وتجعل أفراد الأسرة الواحدة إخوانا متحابين متضامنين، وتلك قوة في بناء المجتمع ووحدته.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- النبي ﷺ قال: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر».
صلة الرحم تكون بمداومة مودتهم، ونصحهم في كل شؤونهم، والبداءة بهم في الدعوة والضيافة قبل غيرهم، وإيثارهم في الإحسان والصدقة والهبة على من سواهم، وتكون بالمال، والعون على الحاجة، ودفع الضرر، وطلاقه الوجه، والدعاء لهم.
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: المعنى الجامع لصلة الرحم: «هو إيصال ما أمكن مِن الخير، ودفع ما أمكن مِن الشر بحسَب الطاقة، وهذا إنما يستمرُّ إذا كان أهل الرحم أهلَ استقامة، فإن كانوا كفارًا أو فجارًا فمقاطعتهم في الله هي صلتُهم بشرط بذل الجهد في وعظهم، ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلُّفهم عن الحق، ولا يسقط مع ذلك صلتُهم بالدعاء لهم بظهر الغيبِ أن يعودوا إلى الطريق المُثلى». [فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 433].
والواصل لرحمه يجد الكثير من الآثار الاجتماعية المكتسبة في صلة الرحم، فمن ذلك: أن الواصل يخالط أقاربه وأرحامه في عسرهم ويسرهم، في منشطهم ومكرههم، في حلهم وترحالهم، وبذلك يتحلى بالأخلاق الحسنة، ويكتسب خبرات اجتماعية متنوعة.
ويكتسب الواصل لرحمه القدرات الإيجابية، والدربة الاجتماعية والسلوكية، فيعمل جاهدا على أن يكون قدوة حسنة في جميع أعماله وتصرفاته وأخلاقياته مع جميع أقاربه بل ومع غيرهم، مع البعد التام عن الانتصار للنفس؛ وألا يكون في سلوكه ثغرات تفقده ثقتهم.
والواصل لرحمه يتعود العفو والتجاوز عن حقوقه الذاتية تجاههم؛ بل يحاول أن يتناسها تمامًا. ويتعود طول النفس، وسعة البال معهم، فالطريق طويل، والصبر جميل، ويتدرع بالفأل الحسن، ويفتح لنفسه باب الأمل، فقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وهو يدعو قومه.
ويتعود الواصل لرحمه الاهتمام البالغ -وقبل كل شيء– يكسب محبة أرحامه بجميع الطرق التي ترضي الله عز وجل، والتزام الأسلوب الحسن والكلام الطيب، والابتسامة، والبشاشة عند لقيامهم والدعاء لهم.
الواصل لرحمه يتمرس في صلته لأرحامه الاحتساب في ذلك كله، والإخلاص فيه لله تعالى، دون انتظار الشكر والثناء من أحد منهم، بل عن الإعداد النفسي.
خطورة قطع الرحم على العقيدة والمجتمع
ولقاطع الرحم عقوبة تعدل في شدتها شدة جريمته؛ لما يترتب على قطع الرحم من تقطيع لأواصر المجتمع، وتفكيك لعراه، وخلخلة لبنيانه، وانفراط لعقده لذا؛ فقد جاءت الآيات القرآن الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تبين العقوبة الشديدة المترتبة على قطع الرحم، وهى عقوبة ذات مرحلتين:_
الأولى: عقوبة معجلة في الدنيا.
والثانية: عقوبة مؤجلة في الآخرة.
فأما العقوبة الدنيوية المعجلة فهي شديدة؛ لأن قطع الرحم كبيرة من الكبائر، وذنب من الذنوب التي يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا قبل الآخرة، فعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة: من البغي وقطيعة الرحم».
وهذه العقوبة العاجلة تتمثل في عدم قبول الأعمال الصالحة؛ إذ ترد على صاحبها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم».
وأما العقوبة الأخروية المؤجلة فهي أعظم عقوبة يعاقب بها إنسان قط، وهي الحرمان من الجنة، عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أنه سمع النبي ﷺ يقول: «لا يدخل الجنة قاطع». قال سفيان: يعني قاطع رحم.
وعن سعيد بن زيد -رضي الله عنه- رسول الله ﷺ أنه قال: «إن من أربى الربا الاستطالة في عرض مسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة».
وقطيعة الرحم من علامات الساعة الصغرى، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة».
.