لم تعد التربية عملًا ارتجاليًا بل أصبحت علمًا وفنًا يدرس في كليات التربية، حيث التقدم الهائل في وسائل الاتصالات الذي ألغى الفواصل وقرب المسافات، وأصبح العالم كقرية صغيرة تتأثر بكل ما يحدث في العالم وكل تقدم في العلم والتكنولوجيا.
وكان على التربية أن تواكب كل هذا التقدم والتغير حتى ننجب أبناء وأجيالا قادرة على مسايرة التقدم الهائل في شتى شؤون الحياة، وخاصة أن التربية أداة المجتمع في صنع أفراده حيث يقع كثير من الآباء والأمهات في أخطاء شائعة عند القيام بأدوارهم تجاه أبنائهم.. ظنا منهم أن كل ما يقومون به من قسوة وتشدد أحيانًا يسهم في تنشئة الأبناء وتربيتهم.
ويكشف لنا د. ياسر نصر -مدرس الأمراض النفسية والاستشاري التربوي- عن بعض هذه الأخطاء الشائعة لنتلاقاها، ونحن نربي أبناءنا فيقول: إن أهم هذه الأخطاء الشائعة هي:
- فرض الأوامر على الطفل طوال اليوم
وهذا الخطأ نابع من فكرة السلطة والديكتاتورية فنجد الأمهات يصدرن أوامر للطفل ولا يتركن له حرية الاختيار في أي شيء فتقول الأم: (قم.. نم.. البس) هكذا طوال اليوم.
والنتيجة أن الطفل يتظاهر بأنه لا يسمع شيئا وبالتالي لا يستجيب، لذلك ينبغي إعطاء حرية للطفل بحيث يتمكن من الاختيار والشعور بشخصيته حتى لا نفقده الثقة في نفسه ونشعره بالعجز.
- عدم الاتفاق على نهج تربوي موحد بين الوالدين
هذا الخطأ هو نتيجة التضاد في المفاهيم بين الاثنين مما يؤثر على نفسية الطفل بشكل كبير؛ لأنه لا يعرف من منهما على صواب، الأم أم الأب، وهو ما يجعله ينجذب لأحدهما دون الآخر، ويؤثر على احترامه وثقته فيه خصوصا إذا تمت المشاجرات أمامه، لذلك يجب الاتفاق على منهج تربوي واضح بين الوالدين، وحتى إذا تعارضا في موقع معين ينبغي أن يصدق أحدهما على قرار الآخر ومعروف أن الصدق هو مصلحة الصغير.
- التفرقة في المعاملة بين الأبناء
وهي كارثة على الرغم من نفي معظم الآباء والأمهات لهذه التفرقة إلا أن أبناء كثيرين يشعرون بها، والمطلوب هو التوازن والعدالة عند قدوم الطفل الثاني الذي غالبًا ما يكون أكثر هدوءًا وجاذبًا للانتباه نتيجة اكتساب الأبوين لخبرة في التربية، ومن هنا تبدأ التفرقة سواء المعنوية أو المادية، وهذا من شأنه أن يشعر الأبناء بالغيرة حيث صورها القرآن الكريم أبلغ صورة في قصة سيدنا يوسف عندما تهامس إخوة يوسف قائلين: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينَا مِنَّا}، {ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ}؛ وذلك لظنهم أن أباهم يفضل يوسف عليهم، ولنأخذ من ذلك العبرة.
وهي طريقة غير عادلة في التربية؛ لأن الفروق بين الأولاد ستبقى موجودة، وتلك سمة من سمات عظمة الخالق، أن هناك اختلافا بين البشر في الطول ولون البشرة والذكاء وغير ذلك، ولكل إنسان قدراته، وتؤدي المقارنة إلى زرع المرارة بين الإخوة والحط من قدرات الأقل تقديرًا، وقول الأم: «أنا أقارن لكي أحفز» غير صحيح من خلال الواقع العلمي، وإنما تكون المقارنة من خلال سرد قصص الأشخاص النابغين والعلماء وبطريقة هادئة من دون انفعال، حتى لا تترك أثرا سيئًا في نفوس الأبناء.
- عدم إشباع حاجة الطفل للرحمة والحب والحنان
هناك من يتعاملون مع أبنائهم بقسوة وعنف كأنهم عسكريون أو ماكينات، ويتم توبيخهم ونقدهم في كل صغيرة وكبيرة، هذا الخطأ يترك في نفس الطفل آثارًا سيئة كثيرة، ومنها أن الطفل يفقد الثقة في نفسه ويقلل من قيمة ذاته؛ لذلك يجب أن تكون هناك دائمًا مساحة من المرح والترويح مع التعامل الهادئ المطمئن بحب وحنان ليسود التفاهم بين الجميع.
يؤثر إهمال الأبناء على الأسرة بأكملها ويجعل الطفل يشعر بالغيرة من أقرانه الذين يحظون باهتمام والديهم، وينعكس ذلك على تصرفاته التي تتسم بالعدوانية في مدرسته ليلفت الانتباه له، حتى وإن كان عن طريق العدوان أو أي طريق غير مشروع، فينبغي إشباع الحب والحنان وإشعار الطفل بأنه محبوب ومرغوب فيه ونغذي الأمل لديه.
هذا الخطأ يجعل الطفل يشعر دائمًا بأنه لا بد أن يكور محور اهتمام الجميع ويتوقع من كل الناس نفس المعاملة، وبالطبع هذا لا يحدث مما يجعل انفعالاته طفولية ويتأخر نضجه الاجتماعي والانفعالي، وتقل قدرته على تحمل المسؤولية ويعتمد على الآخرين في تصريف شؤونه ويتقولب.
- عدم بشاشة وجه الأم والأب في المنزل
وهو خطأ غاية في الخطورة، ويقع فيه كثير من الآباء والأمهات لاعتقادهم أن علامات الشدة المرسومة على الوجه عامل مهم لتربية الأبناء، حتى إذا حاول الطفل أن يغير سلوكه نحو الأفضل، فإنه يجد نفس رد الفعل فيتوقف عن المحاولة وهنا تظهر الفجوة التي تجعل الأطفال يكرهون والديهم حتى لو وفرا لهم كل احتياجاتهم.
.