يجب أن تكون التربية الإسلامية للأولاد شاملة ومتوازنة حتى ينشأ الطفل نشأة صالحة، إذا لا يقتصر الأمر على العقيدة والأخلاق فقط، بل أيضًا في السلوكيات المنضبطة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ومنها السلوك الاقتصادي في الإنفاق والكسب والادخار والاستثمار، وكذلك في وقت الرخاء والكساد، وفي المكره والمنشط، وفي السلم والحرب.
وفى هذه الدراسة، يرى الدكتور حسين شحاتة، أن هذا المنهج التربوي الشامل يعد الطفل منذ نعومة أظافره على أن الإسلام دين شامل، وفيه اقتصاد وسياسة وإدارة وتربية ونحو ذلك، وفي الدراسة التي بين أيدينا سوف نركز على الجوانب التربوية الإسلامية لأولادنا في مجال المعاملات الاقتصادية: المشروع الواجب أن يكون، والمنهي عنه شرعا.
وجوب التربية الاقتصادية الإسلامية للأولاد
لقد تضمنت الشريعة الإسلامية أسس التربية الاقتصادية بصفة عامة، ولقد اهتم سلفنا الصالح بذلك، بل كانوا يدربون الأولاد منذ صغرهم على كيفية الكسب وكيفية الإنفاق، وكيفية إدارة الأعمال، فكانوا يؤسسون النشء على القيم الإيمانية والأخلاقية، وفوق هذا الأساس تكون النواحي الأخرى، ومنها الاقتصادية، وكان هناك تفاعل بين هذه النواحي جميعا، بما تكون حصيلته الشخصية الإسلامية المتكاملة إيمانيا وسلوكيا واقتصاديا، وهذا ما سوف نوضحه في الصفحات التالية.
التربية الإيمانية للأولاد وأثرها على سلوكهم الاقتصادي
يجب أن نغرس في معتقدات أبنائنا منذ الصغر بعض المفاهيم الإيمانية ذات الطابع الاقتصادي، منها على سبيل المثال:
- أن المال الذي معنا ملك لله؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الذي رزقنا إياه.
- أن هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية، ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة في سجلاتنا شيئًا لا يرضاه الله.
- أن هناك آخرة سوف نقف فيها أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبنا عن هذا المال، من أين اكتسب وفيما أنفق؟
وهذه المفاهيم الإيمانية الاقتصادية تنمي عند الأولاد منذ الصغر: الرقابة الذاتية، والخشية من الله والخوف من المساءلة في الآخرة.. فإذا شب الولد على هذه القيم وطبقها في جوانب حياته كان فردا مستقيما منضبطا بشرع الله في كل معاملاته، ومنها الاقتصادية، ويعتمد عليه فيما بعد لإدارة اقتصاد بيته واقتصاد بلده على أسس إيمانية.
التربية السلوكية الاقتصادية الإسلامية للأولاد
سوف ينجم عن التربية الإيمانية والتربية الأخلاقية لأولادنا سلوكات اقتصادية سليمة تحقق البركة والرضا والإشباع المادي والمعنوي، وزيادة الأرزاق، ويمكن تلخيص هذه السلوكيات في الآتي:
- الاعتدال في النفقات وتجنب الإسراف والتقتير: لذا يجب عدم المغالاة في قيمة مصروف الجيب الذى نمنحه لأولادنا؛ حتى لا نشجعهم على الإسراف.
- الإنفاق حسب السعة والمقدرة: وتدريب الأولاد على الادخار، ونزودهم بالوسائل والأساليب المشجعة على ذلك، ومن ناحية أخرى يجب أن نربيهم على القناعة والتقشف وقت الأزمات.
- ادخار الفائض لوقت الحاجة والفقر: فمن الأهمية أن نربي أولادنا على أن الله سبحانه وتعالى هو الباسط والمقدر للأرزاق، أحيانا يكون هناك سعة في الرزق، وأحيانا يكون هناك ضيق في الرزق.
- استثمار المدخرات وفق شرع الله عز وجل، بعيدا عن الربا والخبائث: من الأهمية أن نفهم أولادنا منذ الصغر أن فوائد البنوك والمصارف والقروض هي عين الربا المحرم شرعا، وأن البديل هو استثمار الأموال عن طريق المصارف الإسلامية، وأن من يتعامل بالربا ملعون من الله ورسوله، ويمحق الله رزقه ويعلن عليه الحرب.
- ترتيب النفقات وفق الأولويات الإسلامية: وهي الضروريات، فالحاجيات، فالتحسينات، فعندما يطلب الولد شيئًا في مجال الكماليات، وهو في نفس الوقت محتاج إلى شيء آخر في مجال الضروريات.. فإننا حينها نعطي الأولوية للضروريات ثم يلي ذلك الحاجيات فالكماليات، ونشرح له المبرر لذلك.
- الصبر والتقشف وعدم الضجر وقت الأزمات: يجب أن نفهم أولادنا أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في تضييق الأرزاق، ومنها التربية على الصبر والرضا والقناعة.
- الكسب الحلال الطيب: يجب أن ينشأ الولد الصغير على الكسب الحلال الطيب من عمل يده خلال فترات الإجازات، وهذا يتطلب من والديه وإخوته الكبار تدريبه على بعض الأعمال التي تناسب سنه، ويتعلم مهنة، سواء مهنة والده أو أي مهنة أخرى، كما يجب أن نفهمه بأن العمل عبادة وشرف وقيمة، واليد العليا خير من اليد السفلى.
- الشورى في أمور البيت: ومنها المالية، يجب أن نربي أولادنا منذ الصغر على كيفية المساهمة بآرائهم في النفقات، ونشعرهم بالمسؤولية، بل ننصح بأن ندربهم على كيفية إدارة ميزانية البيت، إن تربية الأولاد على هذه السلوكات الاقتصادية الإسلامية يقود إلى إعداد أجيال قادرة على إدارة اقتصاد البيت والشركة والمؤسسة والدولة.
.