Business

الأهمية التربوية لتقدير الذات

يعد تقدير الذات هدفا تربويًا تحرص التربية الحديثة على تحقيقه في الناشئة. وتقدير الذات هو الحكم الذي تصدره الذات على نفسها، وهو دعامة أساسية للشخصية على مستوى رصيدها المعرفي وكيانها الوجداني ونشاطها السلوكي، بل أكثر من ذلك، فنوع التقدير إيجابيًا أو سلبيًا للذات يؤثر على حاضرها ومستقبلها، واختياراتها وقراراتها، ونجاحها أو فشلها.

وفي هذه الدراسة، يحاول الباحث الزبير مهداد، البحث عن السبيل الذي يوصل الفرد إلى تحقيق توازن نفسي وتكيف اجتماعي ونجاح، حتى يحظى بتقدير غيره، ويحتل في جماعته المكانة التي يطمح إليها. وهذا بطبيعة الحال مرتبط بالصورة التي ينشئها الفرد عن ذاته في شموليتها، فيسعى جاهدا إلى البحث عما يمنحه القوة، وما يعزز لديه تقديره لذاته.

 

التكريم الإلهي للإنسان

إن الإسلام يقر بكرامة الإنسان، ومظاهر التكريم الإلهي للإنسان كثيرة، منها: الخلق في أحسن تقويم، والتأهيل بالعقل والعلم والقدرات الذاتية، ثم تسخير الكون له؛ حتى يتهيأ لتحمل مسؤوليته باعتباره مكلفًا، ويتحمل أعباء التكليف بأداء واجبه في إثراء الحياة الدنيا بعطائه ومساهماته.

قال ابن كثير: «يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم، وتكريمه إياهم، في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها. كما قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، أي: يمشي قائمًا منتصبًا، ويأكل بيديه، وجعل له سمعًا وبصرًا وفؤادًا، يفقه بذلك كله، وينتفع به. ويفرق بين الأشياء. ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية». ويورد ابن كثير شهادات أخرى تفيد بأن من أهم دلائل تكريم الله عز وجل للإنسان أنه خلقه بيديه، بخلاف غيره من المخلوقات التي قال لها سبحانه وتعالى كن فكانت.

آيات كثيرة في القرآن الكريم تدلنا على مظاهر التكريم المختلفة وترشد إليها، منها قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70). يقول القرطبي في تفسيره: «كرمنا: أي جعلنا لهم كرمًا وشرفًا، وهذا الكرم نفي النقصان لا كرم المال».

ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن خصه بالذكاء والتفكير وعلمه دون سائر المخلوقات. قال تعالى: (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) (الرحمن: 1 – 4). وقال أيضًا في كتابه الكريم: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) (البقرة: 31). فالعلم سابق على الجهل. والمعرفة الإنسانية بدأت بتعليم الله سبحانه وتعالى الإنسان.

والتكريم مرتبط بالإيمان، لأن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ثم رده أسفل سافلين (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (التين: 6). أبقى عباده المؤمنين العاملين الصالحين مكرمين، خصهم بالمكانة العلية، ولم يرددهم إلى أسفل.

 

التربية تتأسس على قاعدة التكريم

وهذا المنطلق هو الذي تتأسس عليه العلاقة التي تربط المربي بالمتعلم، والتي تقتضي تعاملا يتأسس على احترام الناشئ وتقديره، حتى يتشرب الناشئ هذا الاحترام ويصبح مقدرا لذاته. وابن خلدون الذي أكد في مقدمته أن من غايات التربية مساعدة الناشئ على الاندماج الاجتماعي وتحقيق النمو السليم لشخصيته، مبينا أن شرط ذلك هو قيام العلاقة التربوية على احترام ذات المتعلم وكرامته، مذكرًا بمخاطر الشدة على المتعلم وآثارها في عرقلة نموه السليم واضطراب شخصيته.

وابن حزم في كتابه (مداواة النفوس) أحصى عددا من صفات وسمات الشخصية السوية، ناصا على أن تقدير الذات هو أهمها ومحورها، وحددها في قبول الفرد لذاته واحترامه لها، والشعور بالرضا عن حياته؛ وهذا الشعور شرط تحقيق السعادة الفردية.

 

كيف نحقق تقدير الذات؟

فتقدير الذات مهم جدا من حيث إنه هو البوابة لكل أنواع النجاحات الأخرى المنشودة، فطرق النجاح مهما كانت سهلة وقريبة، لا يمكن أن يسلكها الفرد إذا كان لا يولي اعتبارا لذاته، أو كان تقييمه وتقديره لها ضعيفا، فلن ينجح في سلوك سبل النجاح لأنه يرى نفسه غير قادر وغير أهل وغير مستحق لذلك النجاح.

وتقدير الذات يكتسبه الناشئ من التنشئة التي خضع لها منذ طفولته في الأسرة، ومن التربية المدرسية وتجاربه وفعالياته ضمن الحياة المدرسية والاجتماعية، وعلاقاته بغيره من الراشدين والأقران، هذه الحياة التي تعرضه لمواقف وتستدعي استجابته وردود فعله. فمرحلة الطفولة مهمة جدا في تكوين نظرته إلى ذاته وتقديره أو تبخيسه لها.

فالعمودان اللذان يتأسس عليهما تقدير الفرد لذاته هما:

  1. النظرة إلى الجسد: ففي مرحلتي الطفولة والمراهقة بالخصوص يجب أن يستشعر الفرد، ذكرا كان أو أنثى، أنه مخلوق في أجمل صورة وأحسن تقويم.
  2. النظرة إلى المهارات والإنجاز: يجب أن يستشعر الناشئ أن كل الخيارات متاحة له ليرتقي بإنجازه ويحقق أحلامه، فذاته تحتوي على كنوز من المهارات والقدرات يكفي أن يتعرفها ويطورها. كما ينبغي في جميع الحالات تقدير إنجازه وعدم تبخيسه، فالإنجاز الجيد يستحق التنويه والشكر والتشجيع، والإنجاز الرديء أو الضعيف ينبغي مساعدة الناشئ على تطويره وتحسينه، والفرص قائمة دوما لأجل ذلك. والمبادرة بيد الأسرة والمربين لتحقيق ذلك حتي بلوغ النجاح.

فالعلاقة مع الناشئ، وعلاقات الناشئ بأقرانه، يجب أن تراعي ما سبق، حتى يشعر بأنه مقبول، وأن حياته مقدسة، وعرضه مصون، وأمنه ثمين، وأنه قادر على تحقيق الإنجاز الجيد، والمساهمة بدوره في إغناء الحياة وتطوير واقعه والتحكم فيه. فيؤسس لعلاقاته مع أقرانه على الندية والتعاون والتكامل والاحترام المتبادل، وليس على الخنوع والرضوخ واستجداء العطف والشفقة، ويكون انتماؤه لجماعته موضع تقدير. فسلوكيات كثيرة يظهرها أبناؤنا وبناتنا في تفاعلهم الاجتماعي، كالانزواء والعنف والتلعثم خلال الحديث، أو الكذب، وغياب روح المبادرة ورفض تحمل المسؤوليات، والإحساس بالعجز عن تحقيق الإنجاز الجيد، واسترخاص الحياة والعرض وغير ذلك، إنما تعد علامات لتقدير سيئ للذات وتبخيسها.

إن التقدير الإيجابي للذات شرط أساسي لتحقيق التوازن النفسي والشعور بالرضا، فهو يترجم الكرامة التي خص بها الله تعالى عباده، ويدل على القيمة التي نمنحها لناشئتنا والمحبة التي نسبغها عليهم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم