يربى الإسلام الفرد على التوازن الاستهلاكي.. ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، وذم الإسلام التبذير والإسراف ونفّر منه الناس ووضع المبذرين في نفس إطار الشياطين.. فقال القرآن: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...}، وحث الإسلام على قيم الإنفاق في سبيل الله وعلى الفقراء والمساكين، وحث على الاقتصاد والادخار.. خذ من غناك لفقرك.. وما عال من اقتصد. وبينما الإسلام يربى الفرد على التوسط والاعتدال وإعلاء قيم الإنفاق والعمل على قيم الاستهلاك والشراء؛ نجد في المقابل الإعلانات التجارية التي تطارد الناس وتستغل الأطفال والشباب بصورة أكبر تدفعهم نحو مزيد من الشراء بمبررات أو غير مبررات حقيقية.
وتُؤثر الإعلانات التجارية خاصة المتلفزة على مختلف شرائح المجتمع إلا أن تأثيراتها على الأطفال والشباب تتفوق في خطورتها على باقي الشرائح، إذ أنه في الغالب لا يخضع النص الإعلاني للرقابة كما تخضع البرامج الاجتماعية والدراما، وفى الغرب تمثل مؤسسات التربية في المجتمع أو تلك المهتمة بالبناء الصحي والنفسي للأطفال والشباب حائط صدٍّ لتقليل آثار تلك الإعلانات، إذ تبث الإعلانات قيمًا سلبية تجعل من الفرد كائنًا غريزيًا مستهلكًا لا كائنًا منتجًا نافعًا، وقد يرمم النظام التعليمي والتربوي في المجتمعات المتقدمة ما يهدمه الإعلان التجاري في شخصية الطفل والمراهق بنسبة معقولة حيث تعمل تلك المؤسسات على الحض على قيم النفع والعمل المنتج والتطوع واكتساب مهارات العمل، في حين تبقى تلك الشريحتين المهمتين في التكوين الاجتماعي في الدول الأقل تقدما فريسة سهلة لتلك الإعلانات دون وجود أي رادع أو وعي أو مقاومة تبذل لتقليل تأثيراتها السلبية مما يصيب مستقبل تلك المجتمعات في مقتل.
وقد كشفت دراسة علمية قدمت في كلية الإعلام جامعة القاهرة، أن 100% من الإعلانات الموجهة للشباب من الجنسين تمتلئ بالإثارة في الشكل والمضمون.
وأثبتت نتائج هذه الدراسة أن 68% من إجمالي الإعلانات التي خضعت للدراسة تحمل قيمًا سلبية للمشاهد، وهي: الشراهة، والتبذير، والتفاخر، والمباهاة، والعنف من خلال إعلانات الأفلام.
وفي دراسات مشابهة حول تأثير الإعلانات التلفازية على قيم وسلوكيات الأطفال، جرى التأكيد على أن الأطفال دون السابعة الذين يشاهدون الكثير من إعلانات التلفاز يكتسبون عادات سلوكية ذميمة مثل الطمع والإلحاح في طلب السلع المعلن عنها.
والإعلانات في التلفزيون تتسم بعوامل الجذب والانتباه وتسيطر على عقول المشاهدين كبارًا كانوا أم صغارًا. وقد أثبتت الأبحاث الإعلامية أثر الإعلان التجاري على الأطفال من النواحي المعرفية والسلوكية والعاطفية مما يلقي بأعباء نفسية واقتصادية على الأسرة بأكملها.
وتستعين شركات الإعلان بمتخصصين في سيكولوجية الطفولة لصناعة الإعلانات التي تستهدف الطفل في مراحل مبكرة، فالطفل لا يستطيع التفكير بشكل منطقي إلا بعد عمر السبع سنوات، وبوصول الطفل إلى هذا العمر يكون قد تربّى على أسلوب حياة يعتمد على الهوس بالاستهلاك، وهو ما يعتبر عملًا منافيًا للأخلاق يوظف المعرفة العلمية في صنع الإعلان، والتأثير النفسي على الأطفال الصغار مما قد يضر بنموهم العقلي على المدى القريب والبعيد، ويخلق لديهم أنماطًا استهلاكية ضارة.
وتقول الدكتوره خولة مناصرة على موقع شئون أسرية، إن الإعلانات تشجع الأطفال على إقناع آبائهم والضغط عليهم بأساليب مختلفة كالبكاء والصراخ والإحراج لشراء المنتجات المعروضة في الإعلانات التجارية، ويصر الطفل على شراء المنتج سواء أكان مفيدًا أم لا، حيث تدفع الإعلانات المبهرجة التي يبثها التلفزيون الأطفال إلى حمى التسوق.
وتضيف أنه غالبًا ما يفقد الأطفال القدرة على العيش من دون المتعة المادية. فلا يجد متعته إلا من خلال الشراء، وبالكاد يمكنهم ملاحظة مصادر البهجة والفرح الحقيقية في الحياة، كما ينجذب الأطفال عادة للحصول على مزيد من المنتجات ذات العلامات التجارية المكلفة، ويتجاهلون المنتجات المفيدة وغير المكلفة التي لا تظهر في الإعلانات التجارية، موضحة أن للإعلانات تأثير غير مباشر على سلوك الأطفال. حيث تظهر عليهم نوبات الغضب، وتغير المزاج عندما يحرمون من أحدث الألعاب والملابس التي تظهر في الإعلانات التجارية.
ويزيد الترويج للوجبات السريعة، مثل البيتزا والبرغر والمشروبات الغازية، خلال فترة برامج الأطفال للتلفزيون- من رغبتهم في تناول الوجبات السريعة؛ الدهنية، والسكرية، مما يؤثر سلبًا على صحتهم ونموهم العقلي، وتؤدي السمنة التي تصيبهم إلى أمراض القلب والضغط والسكري في مرحلة مبكرة من حياتهم.
وترى مناصرة أنه لا يجب توجيه كل اللوم للإعلانات التجارية. إذ أن الآباء أيضا يلعبون دورًا رئيسًا في هذه القضية. فهم بحاجة إلى مراقبة ما يؤثر على عقول الأطفال. وهم أيضا بحاجة لأن يكونوا حازمين مع الأطفال كلما زادت مطالبهم، ويجب على الآباء غرس عادات جيدة ومساعدة الأطفال على التمييز بين الصواب والخطأ. وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل.
أما المعلنين فيجب عليهم وضع رسالتهم تحت المراقبة الصحية والتربوية بشكل خلاق. مع اتباع نهج متوازن، حيث يمكن الحد إلى حد كبير من الآثار السلبية للإعلانات وزيادة الآثار الإيجابية للإعلان كتعريف الأسرة بالمنتجات الجديدة، وحث الأطفال على التزام العادات الصحية والتربوية المتوازنة.
.