تؤدي الأجواء الأسرية دورا حاسما في تربية البنات، بخلاف تربية البنين، وهذا بحكم انطوائية البنات وارتباطهن أكثر بالأسرة، بخلاف البنين، الذين يجدون متنفسا معقولا خارج النطاق الأسري، خصوصا في فترة المراهقة وما يليها.
ومن هذا المنطلق، وفى هذه الدراسة، يرى الدكتور خالد سعد النجار، أن الأنماط الأسرية لها بصمة لا يستهان بها في تكوين شخصية البنت، بل إن بصمة الأم أكثر تأثيرا عن غيرها من أفراد الأسرة، لالتصاق البنت بأمها، سلوكيا ووجدانيا، إضافة إلى كل هذا لا نستطيع أن نهمل المشاعر الحساسة للبنات، والتأثر المفرط بكل ما يدور حولهن، وهذا وإن كان من طبيعة المرأة الفطرية إلا أنه عامل شديد الحساسية في حياة البنات، وبالأخص المراهقات.
مطبات تربوية
الأم الصارمة أو الجافية، الدلال الزائد، فقدان الأم، زوج الأم الجافي، التفكك الأسري.. كلها مطبات تربوية تترك أثرا كئيبا على الصفحة البيضاء الناصعة لنفسية بناتنا، وتوتر أحاسيسهن بدرجات متفاوتة قد تصل إلى منعطفات نفسية كارثية، وتربك الإشباع العاطفي والنفسي للفتاة، وتوقعها ضحية لأفكار سوداء، أو للتمرد والعناء، وكل هذا ينتج «حطام أنثى» أو ما يعرف بالانتحار الذاتي.
إن البنت عندما تتأثر عاطفتها نجد منها الانطوائية والانكفاء على الذات مع عدم الثقة بالنفس وفقدان المقدرة على اكتساب مختلف المهارات الاجتماعية التي تصوغ شخصيتها وأنوثتها لاحقا فيما يعرف بالعزلة الشعورية.
وقد تصبح الفتاة أكثر تأثرا بآراء الآخرين تزامنا مع قلة الثقة بنفسها، وهذا ما يجعلها تنفجر أمام مواقف عادية لعدم قدرتها على احتوائها.
كما أنها تتصور المواقف والكلمات كلها ضدها، وهذا ما يجعلها دائمة التوتر أمام أدنى إشارة أو لفتة، وتجدها تعترض على سلوكيات الأم والأخوات، وكثيرا ما يؤدي هذا الاعتراض إلى البكاء والتأثر السريع والشديد، ثم إن أدنى اندفاع يسبب لها الشعور باليأس والإحباط العميق لضعف القدرة على التكيف العقلاني مع الظروف والأحداث، وربما تحاول الفتاة إرضاء الآخرين بطرق مختلفة، خصوصا بعد أن تحدث مواقف متشنجة، فإذا كانت الأم تجهل آلية احتواء البنت ومر الموقف من دون اكتراث منها أو إبداء اهتمام، انعكس ذلك سلبا على الفتاة وسبب لها جراحات نفسية من الصعب أن تندمل.
فنون إرشادية
- خريطة الذات نرسمها –ابتداء– من صورة الآخرين عنا. ولذلك، من المهم جدا عدم التركيز بصورة مباشرة على المنعطفات النفسية والسلوكية السلبية للبنت، وهذا يشمل تجنب النقد اللاذع والاتهامات المتكررة والمراقبة الدائمة التي تشعرها بانتهاك خصوصيتها، بل إن تدعيم الصفات الحميدة يفتح شهية البنت ذات الحس المرهف ونفسيتها إلى تقبل النقد البناء، والانسجام مع محاولات التخلص من السلبيات، والانخراط الإيجابي مع الواقع المحيط، وتفريغ مشاعرها وأحاسيسها بصورة سليمة.
- الحجاب الشرعي، الثقة المنضبطة، المصارحة حتى في المواضيع الحساسة، الحب القائم على الاحترام، القدوة النموذجية، المشاركة الوجدانية.. كلها إيجابيات تربوية وبلسم يذيب كل العقد النفسية والمشكلات السلوكية.
- استشارتها فيما يناسبها من قضايا ويلائم مرحلتها العمرية والفكرية، وهذا من شأنه أن يفتح جسور التواصل، ويدعم ثقتها بنفسها.
- تؤدي الأم الدور الكبير مع ابنتها المراهقة، إذ تنتهي قوانين الطفولة الصارمة لتبدأ مرحلة الحوار المفتوح في كل ما يخص الشابة اليافعة، مع الانتباه إلى ضرورة ترك مجال لخصوصيتها الشخصية غير الخادشة للحياء، كالانفراد المعقول في غرفتها، وترك الحرية لها في ترتيبها، واقتناء الأشياء التي تشبع دافع الفضول لديها، وبالتالي ندعم خصوصيتها وهويتها الشخصية.
- التدريب على حفظ الأسرار، خصوصا الأسرار الأسرية لما لها من صلة يومية مباشرة بكل أفراد الأسرة، فليس كل ما يعلم يقال.
- قضية المساواة بين الأولاد وعدم التمييز بين الولد والبنت من أهم الأمور التي ينبغي أن نوليها اهتماما بالغا، لما عكر صفوها كثير من التقاليد البالية التي تكسر نفسية البنت وتفقدها الثقة بجنسها، بل ربما تتنكر لأنوثتها، فتفرز المرأة الرجولية. ولذلك، لا غرابة في أن نجد شريعتنا السمحة تولي هذه القضية عناية خاصة، فقال صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف» (رواه الطبراني)
- سلطة الابن الأكبر في غياب الوالد، بالسفر أو الموت، من أكبر المشكلات التي تواجه البنت في أسرنا العربية، خصوصا أن مجتمعاتنا العربية غالبا ما تعلي من شأن الذكر وتفضله على الأنثى، ومعظم الأسر تغرس هذه النظرة الجائرة، مما يجعل الولد ينظر إلى أخته على أنها مخلوق أدنى منه، والشيء نفسه لدى البنت التي تعتقد أنها أدنى من أخيها، وأنه أفضل مكانة بالإضافة إلى حب التسلط لدى الابن الأكبر الذي يرى التحكم في قرارات الأسرة نوعا من الإحساس برجولته وسيادته، الأمر الذي ينعكس سلبا على البنت كسيرة الجناح، وقد يصل بها الأمر إلى رفض الرجال عموما، ونبذ فكرة الزواج خصوصا.
- الجوال، الإنترنت، وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي والشات.. أصدقاء جدد حلوا في حياة أبنائنا، بالإضافة إلى أصدقاء المدرسة والجيران والأقارب، فالحذر الحذر، والحرص الحرص، والمراقبة المعقولة من دون تخوين أو تشكيك. أما إذا علم الوالدان من بنتهما شرا أو فسادا فلا مانع مطلقا من تتبع تصرفاتها لمنع هذا الشر وتجنب شر وفساد أكبر وأعظم.
فالحذر من انفراد الأولاد بالإنترنت في غرف مغلقة، بل يوضع جهاز الكمبيوتر في مكان بارز حيث أفراد الأسرة يروحون ذهابا وإيابا، وينطبق هذا الكلام على منع السهر على الإنترنت بينما أفراد الأسرة نائمون، وأن تكون جميع مواقع التواصل والبريد الإلكتروني بكلمة سر معلومة للوالدين. والمحك الإيماني مهم في هذا الموضوع، بتربية الأبناء على مخافة الله، في السر والعلن، وتقديم القدوة الإيمانية الطيبة في الوالدين، مع المزيد من الحنان والصراحة كي لا يشرد فلذات أكبادنا إلى محاضن أخرى خداعة تستقطبهم وتهلكهم.
.