Business

سمات المعلم الناجح في المنظور الإسلامي

للمعلم منزلة رفيعة عند المسلمين، ويكفي في بيان هذه المنزلة أن سيدنا رسول الله ﷺ بيَّن أن الهدف من بعثته المباركة إنما هو التعليم، فقال فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: «إنَّ اللهَ لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا». يقول الإمام الغزالي وهو يتحدث عن مكانة المعلم: «فأشرف الصناعات بعد النبوة إفادة العلم، وتهذيب نفوس الناس عن الأخلاق المذمومة، والمهلكة، وإرشادهم إلى الأخلاق المحمودة المسعدة، وهو المراد بالتعليم».

وفى دراسة بعنوان: «سمات المعلم الناجح في المنظور الإسلامي»– 2010–، للأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد عبد الرزاق، الأستاذ بقسم التربية الإسلامية بكلية التربية للبنات، يرى أنَّ المعلم هو العمود الفقري للنظام التعليمي، فهو يحتل مكان الصدارة بين العوامل التي يتوقف عليها نجاح التعليم في بلد من البلدان، وبالتالي يبرز دوره كأحد أهم عناصر بناء المجتمع، وأكثرها تأثيرًا فيه، إذ يتولى هو بناء العقول والقلوب، وتشكيل الأفكار والاتجاهات، ولن تنهض أمة خلا ميدانها من معلم قدير يتحمل تبعاتها، ويقوم بأداء متطلباتها، فالتعليم رسالة، والمعلمون هم وارثو رسالة الرسل، وعليه لا بد من توافر سمات خاصة فيمن يقوم بهذه المهمة العظيمة كي يكون عمله مثمرًا.

 

السمات المتعلقة بشخصية المعلم

  • قوة الشخصية:

إنَّ الشخصية القوية من مستلزمات الرسالة التعليمية، وهي التي تكون سببًا في الإعانة على مواجهة المواقف الصعبة، وعدم التهرب منها، فتتم المواجهة بعزم، وثبات، ورباطة جأش دون خوف، أو تردد، يقول النبي ﷺ: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير».

إنَّ الشخص القوي يعرف حدوده، ومن ثم فهو يعرف ما له وما عليه، فلا يتدخل فيما لا يعنيه، ولا يسمح للآخرين أن يتدخلوا فيما يخصه، ولذلك فهو لا يعرف للنفاق طمعًا، أو زلفى إلى أحد، وهو صادق لا يعرف الكذب والمراوغة، وهو يحترم نفسه، ويحترم غيره.

إنَّ شخصية المعلم يجب أن تكون قوية، فلا يثور، ولا ينفعل لأتفه الأسباب، لأنه يتعامل مع طلاب جاءوا من بيئات شتى، والتلميذ يحترم المعلم المتزن الذي يعرف كيف يسيطر على انفعالاته، وهذا الأمر– السيطرة على الانفعالات– أثنى عليه معلم البشرية ﷺ حين قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

  • حسن المظهر:

إنَّ هناك علاقة وثيقة بين قوة الشخصية، والعناية بالمظهر، ولا بد لكل مسلم أن يعتني بمظهره العام، ويحرص دائمًا أن يبدو في صورة طيبة، وهذا من الأمور المهمة التي دعا إليها الإسلام. وكان النبي ﷺ يهتم بهذا الأمر أيما اهتمام، يقول سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري– رضي الله عنهما–: «أتانا النبي ﷺ، فرأى رجلًا شعثًا، قد تفرق شعره، فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره، ورأى رجلًا آخر عليه ثياب وسخة، فقال: أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه». وقال والد أبي الأحوص– رضي الله عنه–: «أتيت النبي ﷺ في ثوب دون، فقال: ألك مال؟ قلت: نعم، قال: من أي المال؟ قلت: من الإبل، والغنم، والخيل، والرقيق، قال: فإذا آتاك الله مالًا، فليُرَ أثر نعمة الله عليك، وكرامته». وقال رسول الله ﷺ مخاطبًا بعض أصحابه: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس»، وهذا بالنسبة للمسلمين عامة، فما بالك بمن تصدر لمهمة التعليم، إذ لا بد أن يكون في أحسن مظهر، لأن ذلك أدعى لتوقيره، والتقبل منه، يقول الإمام بدر الدين ابن جماعة: «فالمعلم إذا عزم على التدريس، وحضر مجلسه، تطهر من الحدث، والخبث، وتنظف، وتطيب، ولبس أحسن ثيابه اللائقة به من أهل زمانه، قاصدًا بذلك تعظيم العلم».

هذا، وقد أوصى الإمام الأعظم أبو حنيفة– رحمه الله– تلميذه أبا يوسف– رحمه الله– بالاهتمام بصفات أهل العلم والمعلمين، ومنها حسن المظهر، فقال له: «وعليك بالمداراة والصبر، والاحتمال، وحسن الخلق، وسعة الصدر، واستجد ثيابك، واستفره دابتك، وأكثر من استعمال الطيب».

  • التفاؤل:

إنَّ التفاؤل قوة نفسية تدفع صاحبها إلى مضاعفة الجهد، والمثابرة في العمل والاستمتاع بما يقدم دون ملل، أو كلل، أو يأس. والتفاؤل صفة يجب أن تكون موجودة في كل مسلم، إذ أن الدين يدعوه إلى أن يكون متفائلًا، راجيًا أن يكون غده خيرًا من يومه، حتى لو تراكمت سحب الصعاب بعضها فوق بعض عليه، صحيح إنَّ أمتنا تمر بحال لم تمر بها من قبل، فلقد تكالبت الأمم عليها، وسيطر الأعداء على مقدراتها، واحتلوا ديارها، وهو– لا شك– واقع مرير، ولكن هذا كله لا يصح أن يكون مبررًا لأن يسيطر اليأس على الإنسان– ولا سيما المعلم–، وأن لا يعوقه من أجل السعي في الإصلاح، والتغيير نحو الأحسن، بروح متفائلة، يحدوها الأمل، والرغبة في كسب المستقبل، وبقلب مؤمن بأن نهضة الأمة لن تتم إلا عبر بوابة التعليم.

لقد كان سيدنا رسول الله ﷺ يعمل على بعث روح التفاؤل، والأمل في نفوس أصحابه الكرام– رضوان الله عليهم– في أحلك الظروف التي مروا بها، ولعلَّ ما فعله يوم الخندق حيث أطبقت جيوش الأحزاب على المدينة المنورة من كل جانب، ونقضت بنو قريظة العهد مع المسلمين، وتأزم الموقف فكان أن وصفه الله بقوله: {إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، وكان رسول الله ﷺ مع هذا كله، وهو يعمل مع المسلمين في حفر الخندق يبشرهم بأنهم ستفتح عليهم الدنيا، فهو في شدة هذا الموقف يشرق على نفسه شعاع من الثقة الغامرة، والأمل الحلو. وهو ﷺ يحثنا على أن نكون متفائلين في جميع الأحوال، سواء كنا في نعمة من الله– تعالى–، أو كنا في حالة اختبار، فيقول: «عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له».

إنَّ على المعلم أن يحرص على أن ينظر إلى تلاميذه من منظور متفائل، وأن يخبرهم بما يرجوه، ويتوقعه منهم، إنَّ أن ذلك أدعى لشحذ الهمة، وبث روح العمل فيهم، فصفة التفاؤل تدعو المعلم إلى:

أولًا: مقاومة الواقع الصعب الذي تعيشه الأمة بزرع العزة في نفوس تلاميذه.

ثانيًا: السعي في الإصلاح بروح يحدوها الأمل، والرغبة في كسب المستقبل.

ثالثًا: توقع كل ما هو حسن من تلاميذه.

  • الرفق، والرحمة، والشفقة:

إنَّ هذه من الصفات المهمة التي يجب أن يتصف بها كل إنسان، فكيف بمن يقوم بمهمة عظيمة خطيرة كمهنة التعليم، فلا بد أن يكون المعلم رفيقًا، رحيمًا، ذا شفقة على تلاميذه، لأن الغلظة، والشدة، وعدم الين مع الناس توجب النفرة من المعلم، ولنا في سيدنا رسول الله ﷺ أسوة حسنة، إذ قال الله– تعالى– في كتابه مخاطبًا رسوله الكريم ﷺ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، يقول الأستاذ الشهيد سيد قطب– رحمه الله– في تفسيره عند هذا الموضع من الآية: «فهي رحمة الله التي نالته، ونالتهم، فجعلته ﷺ رحيمًا بهم، لينًا معهم، ولو كان فظًا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمعت حوله المشاعر، فالناس بحاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم، وضعفهم، ونقصهم».

لقد كان رسول الله ﷺ من الرأفة، والرحمة، وترك العنت، وحب اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم، والخير له في كل وقت ومناسبة بالمكان الأسمى، والخلق الأعلى، يقول الله– تعالى–: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128)، يقول الحافظ ابن كثير– رحمه الله– في تفسيره موضحًا قوله تعالى: {عزيز عليه ما عنتم}: «أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه ﷺ: بعثتُ بالحنيفية السمحة».

وقد أوصى المعلمين بالرحمة والشفقة على المتعلمين، والتوسعة لهم، فقال: «سيأتِيكمْ أقوامٌ يَطلُبونَ العِلمَ، فإذا رأيتُموهمْ فقُولُوا لهمْ: مرْحبًا بوصيَّةِ رسولِ اللهِ، وأفْتُوهمْ»، وأفتوهم، أي: وعلموهم.

ولقد ضرب لنا ﷺ أروع الأمثلة في الرحمة، ولشفقة، واللين، يقول سيدنا معاوية بن الحكم السلمي– رضي الله عنه– فيما رواه الإمام مسلم– رحمه الله– في صحيحه– بسنده– عنه: «بينا أنا أُصلِّي معَ رسولِ اللهِ ﷺ إذ عطَس رجلٌ منَ القومِ، فقلتُ: يرحمُك اللهُ! فرَماني القومُ بأبصارِهم، فقلتُ: واثُكلَ أُمِّياه! ما شأنُكم؟ تَنظُرونَ إليَّ، فجعَلوا يَضرِبونَ بأيديهم على أفخاذِهم، فلما رأيتُهم يُصَمِّتونَني، لكني سكَتُّ، فلما صلَّى رسولُ اللهِ ﷺ، فبِأبي هو وأمِّي! ما رأيتُ مُعَلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تَعليمًا منه، فواللهِ! ما كهَرَني ولا ضرَبَني ولا شتَمَني، قال: إنَّ هذه الصلاةَ لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناسِ، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآنِ».

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن التلاميذ يتعلمون بصورة أفضل من المعلم الذي يتصف بالرحمة واللطافة، كما أنهم يفضلون هذا النمط من الشخصية على غيرها كما أثبتت ذلك بعض الدراسات العلمية حيث احتلت صفة العطف، والتعامل الإنساني، والاجتماعي المرتبة الأولى من بين الصفات التي يتصف بها المعلم المحبوب إلى تلاميذه.

  • القدوة الصالحة:

مما لا شك فيه أن حركات المعلم، وسكناته، وأسلوب حديثه، ومزاجه، وطريقة أكله وشربه، كل ذلك مراقب، ومحسوب عليه.

وتلميذ المرحلة الابتدائية– تحديدًا– أكثر من غيره تعلقًا بأستاذه، وحرصًا على تقليده، واقتفاء آثاره، فهو ينظر إلى معلمه، وكأنه لا يقول إلا حقًا، ولا يفعل إلا صوابًا، وهنا يكمن الخطر إنَّ أخلَّ المعلم بشيء مما يدعو إليه، أو ارتكب فعلًا يناقض المبادئ التي يدعو إليها، فالمنهج ليس شيئًا نظريًا يقرأ، ويكتب، بل هو إطار علمي تنفيذي، والتلميذ يتشرب سلوك معلمه لا أقواله، فالمتعلم الذي يرى معلمه يكذب حتى لو كان مازحًا لا يمكن أن يتعلم الصدق، والمتعلم الذي يرى معلمه يجاهر بفحش القول لا يمكن أن يتعلم حفظ اللسان، والمتعلم الذي يرى معلمه يخلف ما وعده به لا يمكن أن يتعلم الوفاء، والمتعلم الذي يرى معلمه يفرق في المعاملة بين تلميذ وآخر لا يمكن أن يتعلم العدل، والمتعلم الذي يرى معلمه يغش مديره لا يمكن أن يتعلم الأمانة، والمتعلم الذي يرى معلمه مستهترًا لا يمكن أن يتعلم الجد والفضيلة، والمتعلم الذي يرى معلمه يقسو عليه لا يمكن أن يتعلم الرحمة والشفقة، يقول الإمام الغزالي– رحمه الله– وهو يتحدث عن الأمور التي يجب على المعلم أن يراعيها: «ومنها: أن لا يخالف فعله قوله، بل لا يأمر بالشيء ما لم يكن هو أول عامل به، قال الله– تعالى–: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ...} (البقرة: 44)، وقال– تعالى–: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} (الصف: 3)، وقال– تعالى– حاكيًا على لسان شعيب مع قومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود :88).

روي أن سيدنا عيسى– عليه الصلاة والسلام– قال: «إلى متى تضيئون الطريق للمدلجين، وأنتم مقيمون مع المتحيرين»، ومراده من ذلك: تحفيز الذين لا يعملون بما يعلمون، ويصفون الدواء للمرضى، وهم بعيدون عنه.

وقال الحسن البصري– رحمه الله–: «لا تكن ممن يجمع علم العلماء، وطرائف الحكماء، ويجري في العمل مجرى السفهاء».

 

السمات المتعلقة بالجانب العلمي والتربوي

  • الكفاية العلمية:

إنَّ  هذه الصفة لا غنى للمعلم عنها، فهي قوام مهنته، وركيزة عمله، فلا بد للمعلم في أي مرحلة يدرِّس أن يكون على درجة مناسبة من إتقان تخصصه فيما يدرِّس من مقررات، وأن يكون متابعًا لما يستجد من دراسات، وأبحاث متصلة بعمله، وأن يستمر في طلب العلم، ولا يقف عند حد، فيعمل– وكما قيل– على طلب العلم من المهد إلى اللحد، أسند الإمام ابن عبد البر– رحمه الله– في جامع بيان العلم وفضله عن الإمام مالك– رحمه الله– قال: «لا ينبغي لأحد يكون عنده العلم أن يترك العلم»، وأسند عن سيدنا ابن عباس– رضي الله عنهما–، قال: «منهومان لا تنقضي نهمتهما: طالب علم، وطالب دنيا»، وأسند عن ابن المبارك– رحمه الله– أنه قيل له: «إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إنَّ شاء الله». وقيل له مرة أخرى مثل ذلك، فقال: «لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد».

لقد كان علماؤنا السابقون لا يبيحون للمعلم أن يعلم إلا إذا أتقن تخصصه، وأحاط بدقائقه، فيشترطون في معلم القرآن الكريم والكتابة– مثلًا– شروطًا أساسية لكي يكون أهلًا لمباشرة هذه المهمة منها: معرفة الصفات الأساسية في التجويد والكتاب، كالإظهار، والإدغام، والإخفاء، والإقلاب، والإهمال، والإعجام، والتفخيم، والترقيق، وأحكام القرآن، وإلا لا يجوز أن يُنتخب للتعليم.

وزيادة على إتقان المعلم لتخصصه ينبغي له أن يلم بطرف من كل علم، وأن يتابع مستجدات العلم الحديث، وأحداث العالم، ولا سيما فيما يتعلق بأمته في كل مكان، فالطالب يفترض دائمًا في معلمه أن يكون دائرة معارف، عنده معرفة في كل شيء، وبكل شيء، وقد يسبب هذا مشكلة لكثير من المعلمين، فإتقان المادة العلمية وحده ليس كافيًا ليكون المعلم ناجحًا.

إنَّ اهتمامات الطلاب لم تعد محصورة في المادة العلمية، ولا سيما بعد الانفتاح الإعلامي الهائل، والبث الإعلامي المحموم، وهناك كثير من الطلاب يسألون أسئلة متنوعة بعضها في التخصص، وبعضها لا علاقة له بالتخصص، وهذا موجود حتى عند بعض طلبة الدكتوراه، إذ أن بعضهم يحب أن يستزيد من العلم، فيسأل في اختصاص دقيق غير الذي نقوم بتدريسه له، بل إن بعض الأسئلة يتعلق بالأحداث الجارية، والمشكلات المعاصرة، وعلى قدر إتقان المعلم لتخصصه، وتعمقه فيه، وسعة ثقافته، تكون ثقة طلابه به عالية، واحترامهم له كبيرًا، وكلما كثرت الأخطاء، وازداد التلعثم، والتهرب من الإجابة ضعفت مكانته، وقلت هيبته.

مما سبق يتبين أن هناك فوائد كثيرة يجنيها المعلم المتقن لمادته، ومنهًا:

أولًا: الثقة بالنفس؛ فالمعلم المتقن لمادته يقف أمام تلاميذه واثقًا في نفسه، مطمئنًا هادئًا، أما المعلم الذي لا يحيط بمادته فيبدو غير متزن، فاقد الثقة، وقد يُرى عليه الارتباك، وكثرة التوقف أثناء الحديث.

ثانيًا: الإجابة عن أسئلة التلاميذ واستفساراتهم بما يفيدهم، ويقنعهم، وتتسم إجابته باليسر، والسهولة، والوضوح.

ثالثًا: اختيار ما يناسب التلاميذ من المعلومات المتعلقة بمادته، فغزارة علمه تجعله ينتقي ما يناسب تلاميذه، أما المعلم الذي لا يعدو الكتاب المدرسي علمًا وفهمًا تنعدم أمامه فرص الاختيار.

رابعًا: مراعاة مشكلات التلاميذ؛ لأن إتقانه لمادته يجعله لا يفكر كثيرًا فيما ينبغي أن يعمله لتلاميذه، ومن ثم يجد الوقت الكافي للنظر في مشكلات التلاميذ، ومراعاة الفروق الفردية بينهم.

خامسًا: إتقان المادة العلمية يعين في اختيار طرق التدريس المناسبة والوسائل المعينة؛ لأن صحة هذا الاختيار يعتمد إلى حدٍ كبير على طبيعة المادة العلمية.

سادسًا: كسب ثقة التلاميذ واحترامهم، وتوقيرهم؛ فالمعلم المتمكن من مادته يُنظر إليه بتبجيل، واحترام، مما يجعل تلاميذه يحرصون على الاستفادة من علمه.

سابعًا: ضبط الصف؛ فغزارة العلم تعين المعلم على شغل وقت الدرس بما يفيد، وبتمتع دون ملل، أو كلل، مما يساعد على ضبط التلاميذ، وشد أنظارهم، وعقولهم إليه، حتى لو لمس من تلاميذه مللًا، أو سأمًا استطاع بغزارة علمه، وسعة اطلاعه تبديل أسلوبه، وتجديد مداخله التعليمية بطرفة، أو قصة تخدم موضوع الدرس، وتطرد الملل.

ثامنًا: تحقيق أهداف الدرس؛ إنَّ تمكن المعلم من مادته العلمية يجعله على دراية بمغزى ما يعلمه، والحكم البعيدة منه، فيحرص على تحقيق الأهداف، ويترك المشوشات، والجزئيات التي قد يظنها قليل العلم هي غاية المراد.

  • الكفاية التربوية:

إنَّ من أهم المقومات الأساسية لنجاح المعلم كمعلم كفايته التربوية، والمهنية، وعلى هذه الكفاية يتوقف نجاحه، أو فشله، فلا بد من الجمع بين غزارة المادة، والقدرة الجيدة على توصيلها إلى التلاميذ بصورة صحيحة، ولذلك لا بد للمعلم من الإلمام بأمور عدة، من أهمهًا:

أولًا: الأساليب التربوية في التعامل مع المتعلم، وتعرف خصائصه، وحاجاته، وطرق التأثير عليه.

ثانيًا: الأساليب المختلفة، والفَّعالة في توصيل المعلومات المتنوعة.

ثالثًا: الوسائل التعليمية المعينة، ومصادر هذه الوسائل، وطرق الحصول عليها، وطرق استخداما، وفوائدها التربوية.

رابعًا: مهارة إدارة الصف، وضبطه.

خامسًا: استخدام أساليب التقويم المختلفة في شتى مواقف التعلم.

سادسًا: مهارة توظيف الأحداث الجارية، والمواقف الحياتية بما يخدم المادة العلمية.

سابعًا: مهارة التعامل مع المستويات المختلفة للتلاميذ.

ثامنًا: مهارة دفع إيجابية التلميذ، وإثارة اهتمامه.

تاسعًا: أساليب التعزيز المختلفة الإيجابية منها، والسلبية.

  • مراعاة الفروق الفردية في المتعلمين:

لا بد للمعلم أن يراعي الفروق الفردية في المتعلمين، ولا بد أن يخاطب كل واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، ولا بد أن يجيب كل سائل بما يهمه، ويناسب حاله، وأن يراعي المبتدئ، فلا يعلمه ما يعلم المنتهي، وقدوة المعلم في هذا الرسول الأكرم ﷺ الذي كان يراعي هذه الأمور أشد المراعاة، ونلاحظ هذا في اختلاف أجوبة النبي ﷺ لاختلاف أحوال السائلين، وظروفهم، وقدراتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، أكتفي بإيراد بعضها:

أولًا: أخرج الإمام الترمذي– واللفظ له–، وابن ماجه، عن عبد الله بن بسر– رضي الله عنه–: «أن رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله».

ثانيًا: أخرج الإمام مسلم– واللفظ له–، والترمذي، وابن ماجه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي– رضي الله عنه– قال: «قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا، لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم».

ثالثًا: أخرج الشيخان– واللفظ لمسلم–، عن عبد الله بن عمرو– رضي الله عنهما–: «أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ، أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت، ومن لم تعرف».

رابعًا: أخرج الإمام مسلم– بسنده–، عن عبد الله بن عمرو– رضي الله عنهما–: «أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ، أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه، ويده».

خامسًا: أخرج الشيخان– واللفظ لمسلم–، عن عبد الله بن مسعود– رضي الله عنه–، قال: «سألتُ رسول الله ﷺ، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله».

ومراعاة الفروق الفردية التي جاء اختلاف الجواب بسببها ذكره علماؤنا الأقدمون حين تعرضوا لشرح هذه الأحاديث، قال الإمام النووي– رحمه الله– في شرح صحيح مسلم ناقلًا عن العلماء: «وإنما وقع اختلاف الجواب في خير المسلمين لاختلاف حال السائل والحاضرين».

فالمعلم عليه أن يراعي الفروق الفردية في المتعلمين، إذ أن التلاميذ ليسوا على درجة واحدة من الذكاء، والاستعداد، والتلقي، وهذا ما نصح به سيدنا عمر ابن الخطاب– رض الله عنه–، وأرشد المعلمين إليه، فقد أمرهم أن يقسموا الطلاب إلى جماعات حسب ذكائهم، وقابلياتهم، فيعلمون الأذكياء بالتلقين، والحفظ، وأما الآخرون فيكتبون لهم على ألواح، فيكررون درسهم، ولا يتأخرون عن رفاقهم.

  • التعليم بانتهاز الفرص المناسبة في التعليم:

لا بد للمعلم أن ينتهز المناسبة المشاكلة لما يريد تعليمه، فيربط بين المناسبة القائمة، والعلم الذي يريد بثه، وإذاعته، فيكون من ذلك للمخاطبين أبين الوضوح، وأفضل الفهم، وأقوى المعرفة بما يسمعون ويُلقى إليهم؛ أخرج الإمامان البخاري ومسلم عن سيدنا عمر بن الخطاب– رضي الله عنه–، قال: «قدم على النبي ﷺ سبيٌ، فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيًّا من السبي أخذته، فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا النبي ﷺ: أترون هذا طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه فقال: لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها»، فانتهز النبي ﷺ المناسبة القائمة بين يديه مع أصحابه، المشهود فيها حنان الأم الفاقدة على رضيعها إذ وجدته، وضرب بها المشاكلة، والمشابهة برحمة الله– تعالى– ليعرف الناس رحمة رب الناس بعباده، ولم يبتدئهم، أو يقتبلهم بهذا المعنى ابتداءً، واقتبالًا دون مناسبة، بل أورده لهم في هذه المناسبة، فكان ذلك درسًا، وشرحًا لسعة رحمة الله– تعالى–، ورأفته بمخلوقاته– سبحانه وتعالى–، والله رؤوف بالعباد.

وأخرج الإمام البخاري عن سيدنا جرير بن عبد الله البجلي– رضي الله عنه–، قال: «كنا عند النبي ﷺ، فنظر إلى القمر ليلة– يعني البدر– فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، فافعلوا، ثم قرأ: {وسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا} (طه: 130)، فانتهز الرسول ﷺ مشاهدة الصحابة الكرام للقمر ليلة البدر، فبيَّن لهم أن رؤية الله– تعالى– في الآخرة ستكون للمؤمنين في الجنة بهذا الوضوح، وتلك لسهولة واليسر.

  • التعليم بالقصص:

إنَّ للقصة دورًا مهمًا في التربية من حيث تأثيرها النفسي، والعاطفي، وعرضها للحقائق في صورة مواقف يتفاعل معها المعلم تفاعلًا ينقله ليعيش في طياتها، أو ينقلها لتعيش في عقله، وقلبه، وخياله، وهي أسلوب من أساليب التربية العصرية.

وللإنسان ميل فطري إلى السرد القصصي لما له من سحر، وجذب للقلوب، والعقول، لذلك نرى القرآن الكريم يهتم اهتمامًا كبيرًا بالقصة، وورد فيه كثير من القصص على حسب المناسبات، والمواقف، ووفق خطة تربوية محكمة. وقد ذكر القرآن الكريم العلة في إيراد القصص، قال الله–تعالى–: {وكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود: 120)، وقال– تعالى–: {فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف: 176)، وقال– تعالى–: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} (يوسف: 111)، فالهدف من القصص في القرآن الكريم تثبيت الفؤاد، والتفكير، والاعتبار. وكذلك ورد في السنة المشرفة أحاديث كثيرة في صورة قصص، وتفاوت أحجام القصص في السنة تبعًا للهدف، والموقف، فقد تأتي موجزة لا تجاوز عبارات محدودة، مثال ذلك: ما أخرجه البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة– رضي الله عنه–، أن رسول الله ﷺ قال: «بيْنما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُهُ نفسُهُ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إذْ خسَفَ اللهُ بهِ الأرْضَ، فهو يتجلْجَلُ فيها إلى يومِ القيامَةِ»، والجُمَّة: هي شَعرُ الرَّأْسِ إذا طال فَوَصَلَ إلى المَنْكِبَيْنِ.

إنَّ التعليم بطريق القصة إحدى طرائق التدريس المهمة المعتمدة في التعليم، وإن استخدام القصة في التدريس يساعد المعلم على إيضاح وتفسير وتذليل ما يواجهه من صعوبات وتعقيدات في الحقائق العلمية، والقصة تزيد من تجارب التلاميذ، فكثير من الحقائق يعرفها التلاميذ، ولكن لا يدرون عن طريقة استخدامها، واستعمالها في الحياة كثيرًا، ولا قليلًا، فربما يستطيع المعلم أن يظهر للتلاميذ بالقصص تطبيق هذه الحقائق في الحياة العملية، وبذلك تتم لهم المعرفة والتجربة.

ويمكن الاستفادة من القصة في الدرس المدرسي لتحقيق الأغراض الآتية:

أولًا: توصيل المعلومات والحقائق بطريقة شيقة، ولذيذة.

ثانيًا: تربية التلاميذ تربية خلقية صحيحة، فهي تضع المثل أمامهم، وتستثير ميلهم إلى التقليد.

ثالثًا: تبث في الدرس الجامد روحًا من الحيوية، والنشاط.

وكثيرًا ما كان سيدنا رسول الله ﷺ يعلم أصحابه الكرام بطريق القصص والوقائع التي يحدثهم بها عن الأقوام الماضيين، فيكون لها في نفوس سامعيها أطيب الأثر، وأفضل التوجيه، وتحظى منهم بأوفى النشاط والانتباه، وتقع على القلب والسمع أطيب ما تكون، إذ لا يواجه فيها المخاطب بأمر، أو نهي، وإنما هو الحديث عن غيره، فتكون له منه العبرة، والموعظة، والقدوة، والائتساء، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى، أكتفي بإيراد اثنين منها:

الأول: ترغيبه في الحب، والمؤاخاة الخالصة للخير والدين: أخرج الإمام مسلم– بسنده– عن سيدنا أبي هريرة– رضي الله عنه–، عن النبي ﷺ: «أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله– عز وجل–، قال: فإني رسول الله إليك، بأنَّ الله أحبك كما أحببته فيه»،

الثاني: حضه على الرحمة بالحيوان، والإحسان إليه، والتحذير من أذاه، والإساءة إليه: أخرج الشيخان عن سيدنا أبي هريرة– رضي الله عنه–، أن رسول الله ﷺ قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر، فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه، حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوًا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر».

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم