Business

هل يمكن مقاومة الاستبداد بالتربية؟

لقد احتل موضوع التربية مكانة هامة في تفكير الكواكبي، وتجلى ذلك بصورة واضحة لدرجة أنه جعل من التربية والتعليم السبيلين الوحيدين المناسبين للقضاء على الاستبداد، وبالتالي الخروج من التخلف.

وفى هذه الدراسة، يتطرق الباحث بومانه محمد- كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية جامعة زيان عاشور الجلفة- إلى تصور الكواكبي للعلاقة بين الاستبداد والتربية، وسنتكلم في هذا الإطار عن جملة من القضايا والإشكاليات التي تدل على الحس والوعي الكبيرين اللذين يمتاز بهما الكواكبي.

 

الكواكبي

يعد عبد الرحمن الكواكبي ( 1855-1902 ) أحد زعماء الإصلاح في العالم العربي الحديث، الذين اهتموا بمشكلاته، وأحسوا بمعاناته، وحاولوا البحث له عن مخرج من الويلات التي يتخبط فيها، رغم أنه دفع حياته في سبيل ذلك، لأن هناك شكوكا كثيرة حامت حول وفاته المفاجئة.

لقد تطرق الكواكبي بجرأة كبيرة إلى مسألة التخلف الذي يعاني منه العالم الإسلامي، على خلاف العالم الغربي المتقدم، والذي يزداد تقدما يوما بعد آخر، وبعد تفكير طويل وعميق أدرك أن مسألة التخلف لها أسباب موضوعية داخلية، شرحها بإسهاب في كتابيه الشهيرين ) طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) و) أم القرى).

لقد أورد الكواكبي في هذين الكتابين أسبابا كثيرة رأى أنها تمثل في مجملها أسباب الداء والفتور العام الملازم للمسلمين، وقسم تلك الأسباب إلى سياسية ودينية وأخلاقية تربوية، لكنه رأى أن السبب الحاسم للتخلف الذي تغرق فيه الأمة هو الاستبداد.

 

العلاقة بين الاستبداد والتربية هي دائما علاقة عداوة

يرى الكواكبي أن هناك عداوة كبيرة بين الاستبداد والتربية لدرجة أنهما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجتمعا معا، لكن السؤال المطروح هو: لماذا يكره المستبد العلم؟ يعطي الكواكبي العديد من الأجوبة على هذا السؤال، منها أن المستبد يدرك جيدا أنه لا استبداد مع العلم، «فلا يخفى على المستبد مهما كان غبيا ألا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء»، فمن مصلحة المستبد أن تبقى الرعية في جهل مطبق.

ويذهب الكواكبي إلى أبعد من ذلك، فهو يرى أن المستبد كما يبغض العلم لنتائجه، فإنه ببغضه أيضا لذاته، لأنه يدرك «أن العلم سلطان أقوى من كل سلطان، فلابد للمستبد من أن يستحقر نفسه، كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علما».

 

التربية في ظل الاستبداد

  • يرى الكواكبي أن التربية والاستبداد عاملان متعاكسان في النتائج.
  • فكل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته.
  • وتوفر الشروط التي تساعد على حسن تربية الأمة، دون أن تمس بحرية الفرد واستقلاله.
  •  أما في ظل الحكومات المستبدة، فلا مكان للتربية الصحيحة.

 

تربية خاصة بالاستبداد

 إن نفي الكواكبي لإمكانية وجود تربية في ظل الاستبداد لا يعني عدم وجود تربية إطلاقا، بل على العكس من ذلك، فالكواكبي يرى أن المستبد يسعى إلى صياغة تربية ملائمة له، تعمل على توطيد سلطانه، لكن هذه التربية في نظر الكواكبي هي تربية مشؤومة، تقوم على مبدأ تزييف وتحريف القيم الأخلاقية، فتجعل من الشر خيرا ومن الخير شرا.

 

التربية المطلوبة

يرى الكواكبي أن التربية هي ضالة الأمم، وفقدها هو المصيبة العظمى، وأن الإنسان لا يكون إنسانا إلا بالتربية، وللتربية في نظر الكواكبي مراحل عديدة ومتتالية، كما يلي:

  1.  تربية الجسم، وهي وظيفة الأم والحاضنة.
  2. تربية العقل إلى البلوغ، وهي وظيفة المعلمين والمدارس.
  3. تربية القدوة بالأقربين والخلفاء إلى الزواج.
  4. تربية المقارنة وهي وظيفة الزوجين إلى الموت أو الفراق.

ويؤكد الكواكبي أن التربية المطلوبة هي: «التربية المرتبة على إعداد العقل للتمييز، ثم على حسن التفهيم والإقناع، ثم على تقوية الهمة والعزيمة، ثم على التمرين والتعويد، ثم على حسن القدوة والمثال، ثم على المواظبة والإتقان، ثم على التوسط والاعتدال، وأن تكون تربية العقل مصحوبة بتربية الجسم، وهذا النوع من التربية لا يمكن أن يتحقق في ظل الاستبداد الذي ينمي قيما مخالفة لقيم هذه التربية المنشودة.

 

الدور الإصلاحي للتربية

لقد أعطى الكواكبي للتربية دورا حاسما في القضاء على الاستبداد وإصلاح حال الأمة، وإخراجها من دوامة التخلف.

لقد شخص الكواكبي الداء وأيضا أعطى أيضا الدواء، الذي هو أولا «تنوير الأفكار بالتعليم والتربية».

ويرى الكواكبي الأسلوب الأنجع في مقاومة الاستبداد هو التغيير التدريجي عن طريق التربية، وهذا التغيير قد يستغرق زمنا طويلا، لكن فائدته أعظم وأكثر نظامية.

ويضع الكواكبي ثلاث قواعد أساسية للقضاء على الاستبداد هي:

  1. الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية.
  2. الاستبداد لا يقاوم بالشدة، إنما يقاوم باللين والتدرج.
  3. يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل به الاستبداد.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم