شاءت إرادة الله تعالى أن يكون نبينا محمد أبًا للبنات دون البنين، فأبوة الرسول لبناته ورقي معاملته يعد حدثًا جديدًا في حياة المرأة، فلما جاء الإسلام حفظ للبنت حقوقها، وأنزلها المنزلة اللائقة بها، ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل، وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سببًا من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته.
واختزلت الباحثة نسرين بنت عطية بن إبراهيم الزهراني، جامعة أم القرى، تربية الأب المثالي للبنات في شخصية النبي الكريم، فلا يوجد أروع من تلك الشخصية ولا أكمل منها على الإطلاق، فهو خير البشر على وجه الأرض، وهو نموذج حي لكي من رزق بالبنات.
الجانب الإيماني
- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ وعلى فاطمةَ منَ اللَّيلِ، فأيقظَنا للصَّلاةِ ثمَّ رجعَ إلى بيتِهِ فصلَّى هُويًّا منَ اللَّيلِ فلم يسمَع لَنا حسًّا فرجعَ إلينا فأيقظَنا فقالَ قوما فصلِّيا قالَ فجلَستُ وأنا أعرُكُ عيني وأقولُ: إنَّا واللَّهِ ما نصلِّي إلَّا ما كَتبَ اللَّهُ لَنا إنَّما أنفسُنا بيدِ اللَّهِ فإن شاءَ أن يبعثَنا بعثَنا قالَ فولَّى رسولُ اللَّهِ وَهوَ يقولُ ويضربُ بيدِهِ علَى فخذِهِ ما نصلِّي إلَّا ما كتبَ اللَّهُ لَنا، {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [سورة الكهف: 54].
الجانب الاقتصادي
كان زواج بناته رضي الله عنهن مظهر من مظاهر التيسير وعدم التكلف، وفيما يلي دليل ذلك:
- عن بن عباس رضي الله عنهما أنَّ عليًّا قالَ: تزوَّجتُ فاطمةَ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ابنِ لي، فقالَ: أعطِها شيئًا، فقلتُ: ما عندي شيءٌ، قالَ: فأينَ درعُكَ الحطَميَّةُ، قلتُ: هوَ عندي، قالَ: فأعطِها إيَّاهُ.
- في ليلة زواج فاطمة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ: يا عليُّ إنَّه لا بُدَّ للعَروسِ مِن وَليمةٍ، قال سَعْدٌ: عندي كبشٌ، وجمَع له مِنَ الأنصارِ أَصْوُعًا مِن ذُرةٍ، فلمَّا كانت ليلةُ البناءِ قال لا تُحدِثْ شيئًا حتَّى تَلْقاني، فدعا رسولُ اللهِ ﷺ بماءٍ فتوضَّأ منه ثمَّ أفرغه عليَّ، فقال: اللَّهمَّ بارِكْ فيهما وبارِكْ لهما في بنائِهما.
الجانب النفسي
راعى النبي ﷺ هذا الجانب في تعامله مع بناته، ويتجلى ذلك بالتأمل في المعاني التالية بأدلتها الشاهدة من تربيته:
- استشارته لبناته قبل تزويجهن: عندما خطب علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها، قال لها الرسول ﷺ: إن عليًا يذكرك، فسكتت؛ فزوجها، فكان سكوتها دلالة على رضاها.
- احترام البنت وإعطاؤها قدرها في المجلس: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: مرحبًا يا بنتي، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثًا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثًا فضحكت..].
- قبوله طلب ابنته وعدم ردها وقبول إجارة من أجارته: فحين خرج رسولُ اللهِ ﷺ مُهاجرًا استأذنتْ أبا العاصِ بنَ الربيعِ زوجَها أن تذهبَ إلى رسولِ اللهِ فأَذِنَ لها، فقدمتْ عليه، ثم إنَّ أبا العاصِ لحق بالمدينةِ، فأرسل إليها: أن خُذي لي أمانًا من أبيكِ، فخرجتْ فأطلَّتْ برأسِها من بابِ حُجرتِها ورسولُ اللهِ ﷺ في الصُّبحِ يُصلِّي بالناسِ، فقالتْ: يا أيها الناسُ أنا زينبُ بنتُ رسولِ اللهِ ﷺ، وإني قد أَجَرْتُ أبا العاصِ، فلما فرغ رسولُ اللهِ ﷺ من الصلاةِ قال: يا أيها الناسُ إني لم أعلمْ بهذا حتى سمعتُموه، ألا وإنه يُجيرُ على المسلمينَ أدْناهم.
- الاهتمام بأبناء البنات: كحملهم والعناية بهم، وضمهم وتقبيلهم.
الجانب الاجتماعي
من مظاهر اهتمام النبي ﷺ بالجانب الاجتماعي عنايته بأسرة بناته، ويتضح ذلك من خلال التالي:
عن سهل رضي الله عنه قال: ما كان لِعَلِيٍّ اسمٌ أحبَّ إليهِ مِن (أَبي تُرابٍ)، وإن كانَ لَيفرَحُ بِه إذا دُعِي بِها؛ جاء رَسولُ اللهِ ﷺ بَيتَ فاطمَةَ عليها السَّلامُ، فَلم يَجِدْ عليًّا في البَيتِ، فَقال: أينَ ابنُ عمِّكِ؟ فَقالت: كان بَيني وبَينَه شيءٌ، فَغاضَبَني فخَرجَ، فَلم يَقِلْ عِندي، فَقال رَسولُ اللهِ ﷺ لِإنسانٍ: انظُر أينَ هوَ، فَجاء فَقال: يا رَسولَ اللهِ، هوَ في المَسجدِ راقدٌ، فَجاء رَسولُ اللهِ ﷺ وهوَ مُضطجِعٌ، قدْ سَقطَ رِداؤُه عَن شِقِّه فأَصابَه تُرابٌ، فَجَعل رَسولُ اللهِ ﷺ يَمسَحُه عنهُ، وهوَ يَقولُ: قُم أبا تُرابٍ، قُم أبا تُرابٍ.
.