تعتبر مرحلة الطفولة في سن ما قبل المدرسة من أهم المراحل العمرية في حياة الإنسان، وتبرز أهمية السنوات الست الأولى من حياة الطفل في تكوين شخصيته، فالمعالم الرئيسية لشخصية الفرد تتأثر وتتشكل بدرجة عالية بنوع الرعاية والتربية التي يتلقاها الأطفال في بواكير طفولتهم.
ولما كانت السنوات الست الأولى من حياة الطفل تعتبر من أهم فترات الحياة الإنسانية وأخطرها كان اهتمام معظم دول العالم في إنشاء مدارس للأطفال قبل سن المدرسة وقد سميت برياض الأطفال وهي مؤسسات تربوية تنموية لها دور هام في تنشئة الطفل وإكسابه فن الحياة باعتبار دورها هو امتداد لدور الأسرة، فالروضة توفر للطفل الرعاية لكل صورها وتحقق مطالب نموه وتشبع حاجاته وتتيح له فرص اللعب المتنوعة ليكتشف ذاته ويعرف قدراته ويعمل على تنميتها ويتشرب ثقافة مجتمعه، فيعيش سعيدا متوافقا مع ذاته ومجتمعه.
وقد سبق الغرب وبعض الشرق في العناية العلمية بتربية طفل ما قبل المدرسة بصورة فاعلة ومؤثرة أثمرت في تربية أجيال تلك المجتمعات وظهرت ثمارها يانعة بارزة، وربما تأخرت معظم المجتمعات العربية بعض الشئ في مضمار رياض الأطفال (أي من سن 3 أو 4 إلى سن 6) وهنا تعرض الباحثة زينب العريمية أخصائية نفسية – ماجستير في الإرشاد النفسي، لتجارب بعض الدول الغربية والآسيوية.
طفل ما قبل المدرسة في اليابان
تقول المؤلفة الأمريكية ميري هوايت في حديثها عن التجربة اليابانية: يعتمد تعليم الطفل منذ صغره على ما يعرف بالتعليم على "حجر الأم" ويعتمد بشكل أساسي على العلاقة الخاصة بين الأم وطفلها والالتصاق الجسمي والنفسي وهو ما يتيح الفرصة للأم لفهم سمات وسلوك وأحاسيس طفلها.
كما أن أهم ما تركز عليه الأم اليابانية هو تعويد طفلها على تجنب المواقف التي تسبب مضايقات للغير ومن هنا يتعلم تدبر العواقب المترتبة على تصرفاته ويرتبط سلوكه منذ مراحله المبكرة بأمزجة وأحاسيس الآخرين.
كما يعتمد المنهج التربوي الياباني على ما يعرف باسم المنهج المنزلي الذي يعني قيام الأمهات بتدريب أطفالهن على ركائز التعليم قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية لما له من أهمية في نجاحهم دراسيا وهو ما يتم في سن الثالثة حيث تقوم الأم بتعليم طفلها الحروف الهجائية والعد حتى رقم مائة وأداء بعض العمليات الحسابية البسيطة التي لا يتجاوز ناتج أي منها رقم عشرة بالإضافة إلى حفظ وترديد بعض الأغنيات.
وهذه المهارات القرائية والحسابية لا تعلمها معظم مؤسسات ودور رياض الأطفال لأن اهتمامها يكون موجها نحو النمو الاجتماعي والقيمي والتهيئة العقلية والحركية لإعداد الطفل بشكل نظامي للالتحاق بالمدرسة الابتدائية.
كما أن الأمهات اليابانيات يأخذن أمر تعليم أطفالهن قبل المدرسة مأخذ الجد ووفق منهج محدد الأهداف من خلال قراءة القصص والرسم وممارسة الألعاب التي تتطلب العد والكتابة.. وبصفة عامة لا يبخل أولياء الأمور هناك على أطفالهم بشراء الألعاب التعليمية والمجلات.
وتهتم الأم بإكساب طفلها القدرة على التركيز والإخلاص في العمل حيث تعوده على الانغماس وبالقيام بعمل واحد في وقت واحد فيتعلم الانهماك المخلص وإنجاز العمل الذي يقوم به.
ونظرا لانتشار دور الحضانة والمؤسسات التي يلتحق بها الطفل في اليابان في مرحلة ما قبل المدرسة فقد روعي أن تكون بيئتها أقرب إلى البيئة المنزلية وأن يكون العاملون بها من الإناث حيث وصلت نسبتهن إلى 96% كما يراعي في تلك الدور أن تكون مشبعة بالدفء والعطف وتهتم باللعب وبعيدة عن الأكاديمية المدرسية وأن تركز على الجوانب الاجتماعية والسلوكية وتدرب الأطفال على قضاء حوائجهم بأنفسهم ولا بأس من تلقي بعض الدروس في الموسيقي والرسم والسباحة واللغة الإنجليزية.
.