شباب أصبحت حياتهم على النواصي، وآخرين بين الملاهي، وغيرهم على المقاهي، وبعضهم سلك مسلك المضايقة والتحرش بالفتيات، وإذا قال لهم أحدهم: «اتق الله؛ فهي في مقام أمك أو اختك»؛ كان مصيره الضرب أو القتل أو السحل، هكذا أصبح المشهد المرسوم في لوحة الحياة في معظم المجتمعات العربية والإسلامية.
في وقت غيب فيه الدعاة ما بين قتيل وسجين وطريد، وتصدر المشهد كثير من رويبضة القوم، حتى أضحى الكثير منهم قدوة الشباب، في هذا الزمن ضاعت في النفوس الشهامة والمروءة والنخوة، وأصبحت الكلمات الدراجة: خليك في حالك – امشى جنب الحيط – مالك ومالهم دول ناس مسنودة. وهكذا ذبحت هذه الأخلاق والمبادئ النظيفة قربانًا لصنم الفردية والانتهازية، وهكذا انتشرت هذه الألفاظ التي تغرس السلبية في نفوس الجميع إذا حاولت منع وقوع جريمة أو حماية فتاة من سلوك مشين أو فك اشتباك بين شخصين أو مجرد التدخل لحل أزمة، حتى ولو كانت كلامية.
مع مرور الزمن وزيادة التقدم ومع تحكم التكنولوجيا بدأت تتضاءل هذه الصفات في النفوس وتتحول لصفات مهجورة.
لقد سطر عادل عامر كلمات لحال مجتمعاتنا بقوله: «أصبحنا في مأساة حقيقية؛ فكلمة (أنت مالك، وخليك في حالك) أصبحت هي العبارة السائدة في العديد من الظروف والمواقف، فقد كان في الزمن القريب عندما يعاكس شاب فتاة تمشى في الشارع تجد ألف شاب يرده ويقوله [كده عيب] ويعتبر إن هذه الفتاة لها حق الخصوصية والأمان في الشارع بألا تتعرض للإيذاء سواء بكلمة أو أي تصرف لا أخلاقي من ضعاف النفوس، الآن يحدث معاكسات بالكلمات وتطاول بالأيدي وتحرش ولا أحد يقترب ولا يحاول الدفاع ولو حتى بالكلام».
لقد رأى الجميع الشاب الذي شنق نفسه على كوبري قصر النيل بمصر ولم يحاول أحد مساعدته، فأين المارة هل كانوا مخدرين؟ أم هل اكتفوا بالفرجة فقط لمدة زادت عن ساعة ونصف ساعة؟
وهذا الشاب الصغير محمود الذي تحركت فيه صفات الشهامة والمروء لإحدى جيرانه فكان مصيره القتل، فهل أصبحت الشهامة مخيفة ولها ثمن يفكر صاحبها ألف مرة قبل أن يقدم عليها ابن البلد.
فالشهامة والمروءة خلق عربي أصيل، أقرهم عليه الإسلام، وحث عليه المسلمين، وجعله من واجبات المسلمين وأولوياتهم الأخلاقية، وقد تميَّز العرب عن كثيرٍ غيرهم من الشعوب والثقافات بالمروءة.
والشهامة والمروءة لا يُقرأ عنها كتاب مرجعي، ولا توجد لها مذكرات، ولا تُشترى؛ لكنها تراكم إنساني من الممارسة التي تصقل ما افترض أنه فطرة في كل البشر تتغذي بالتربية وتثمر بالعناية والاهتمام بها.
مواضع الشهامة
- إن مواضع المروءة والشهامة يجدها الإنسان في كل مسارات حياته، فإعانة المحتاج هي من الشهامة والمروءة، وقد أكدت هذا أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، حين جاءها النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي لأول مرة، فجاءه وهو لا يعرفه، فارتعد صلى الله عليه وسلم وقال: ((زمِّلوني زمِّلوني))، قالت له رضي الله عنها: «كلا والله، ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق» (متفق عليه).
ولعل من آفات الزمان، ونقائص بعض الخلق وانتكاستهم- أن الله كفل إليهم قضاء حوائج الناس، فتنصلوا منها وعطلوها.
- ومن المواضع أيضا التي شدد عليها الإسلام وأخلاقيات العرب إغاثة الملهوف، وهي تقديم المساعدة لمن افتقد شيئًا من أمور الحياة، وأصبح عاجزًا عن الحصول عليه، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أسرع الناس وأشجعهم إلى الغوث والنجدة.
وقصة سيدنا موسى– عليه السلام– مع الفتاتين مليئة بمعاني الشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف، التي نرجو أن تعود لشبابنا فيحترموا المرأة وكبار السن والمرضى في الموصلات أو غيرها.
- ومن المواضع أيضا الأخذ على يد الظالم ونصرة المظلوم، فانتشار البلطجة، وانعدام الأمن والعدل دفع إلى خوف الناس وموت الشهامة والمروءة، فإلى متى؟
فعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصرُه مظلومًا، فكيف ننصره ظالِمًا؟ قال: تأخذ فوق يديه](صحيح البخاري).
لكن إذا رأيت رجلا انعدمت فيه النخوة والشهامة والمروءة فاعلم أن قلبه قد قسى، وأن الأنانية، وخذلان المسلمين، واللامبالاة بمعاناتهم قد تملكت منه، وليس ذلك فحسب بل تجد فيه صفة البخل والجبن، وبعضهم يتشبه بالنساء في اللبس والمشي.
فوائد الشهامة
- الشهامة من مكارم الأخلاق الفاضلة.
- من صفات الرجال العظماء.
- تشيع المحبة في النفوس.
- تزيل العداوة بين الناس.
- فيها حفظ الأعراض، ونشر الأمن في المجتمع.
- علامة على علو الهمة، وشرف النفس.
الوسائل المعينة على اكتساب صفة الشهامة
- الصبر: قال الراغب الأصفهاني: الصبر يزيل الجزع، ويورث الشهامة المختصة بالرجولية.
- العدل والإنصاف ومصاحبة ذوي الشهامة والنجدة.
- الإيمان بالقضاء والقدر: فمن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة.
لقد كان العرب في الجاهلية يتحلون بهذه الصفات، وجاء الإسلام ليعززها في نفوس أبنائه، ولقد ساقت السيرة النبوية أمثلة على مروءة أهل الجاهلية والكفر، فحينما عزمت قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفرق دمه بين القبائل، وجمعوا من كل قبيلة فتى وتربصوا أمام بيته صلى الله عليه وسلم، فأشار أحدهم باقتحام بيت الرسول، لكن أبا جهل رفض وقال قولته المشهورة: «أتريدون أن تقول العرب أننا روعنا بنات محمد؟»، أين نحن الآن من أبناء جلدتنا الذين اقتحموا البيوت فروعوا النساء والأطفال، ولم يحترموا حرمة ولا قدسية ولا خصوصية.
فالحياة تحتاج اليوم قبل أي زمن مضى إلى مروءة حقيقية حيث كثرت الفتن وانتشر القتل والكذب.
.