Business

لنوقف انهيارنا الاجتماعي بالتربية

صار تفكك الأسرة علامةً بارزة من علامات المجتمع، وسمة من سماته، وإن كان هذا نتيجة طبيعية للابتعاد عن الله، ولما آل إليه المجتمع من تفشي الظلم.

كثيرٌ من الأسر متفككة من الداخل، وإن بدا لك من الخارج أن بيتًا يضمهم، لكن كل واحدٍ منهم يعيش في عالمه الخاص، كل واحدٍ منهم له همومه الخاصة، ومشاغله ومشكلاته التي لا يشارك فيها أحد، لا يشعر بالتزام نحو الآخرين، ولا أنه ملزمٌ بشيء تجاه أحد، هذا لا يكلم هذا إلا لطلب شيء أو إملاء أمر، والأمثلة على تحطم الأسر وانهيارها في المجتمع كثيرة.

 

انهيار القيم

كان الزواج في الماضي – القريب- حلم يعيش عليه الشباب والبنات، فالكل يحلم أن ينعم عليه الله سبحانه بهذه النعمة الجليلة، والتي من أجلها يبذل كل جهد لتجهيز سبل الزواج، كما تبذل الفتاة كل جهد للحفاظ على بيتها الجديد، وكانت تنطلق عبارات (بدأنا حياتا من الصفر.. بنينا بيتنا معًا.. زوجي أغلى من المال).

لقد كانت حالات الطلاق مسألة استثنائية مقرونة بكونها أبغض الحلال، لكن التحولات الاجتماعية هدمت الطبقة الوسطى، وثقافتها الحميدة.

إن الأحداث والأوضاع التي حدثت وتحدث في المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت تشكل أسبابا قوية لانهيار الأسر، في ظل غياب التربية الأخلاقية، وانعدام الرحمة والمودة.

وأسباب زيادة نسبة الطلاق وانهيار القيم الزوجية، وامتلاء المحاكم بقضايا الخلع كثيرة متشعبة ومتشابكة وكثيرة، لعل أهمها:

  1. عدم إدراك القيمة الحقيقية من الزواج وأهميته، حيث أصبح كل واحد منهم يظن الزواج هو قضاء حاجته الجسدية فحسب، وغاب عنهم أن الزواج هو أحد الجوانب القوية لتنشئة أجيال قادرة صالحة.
  2. انهيار منظومة السكن والمودة التي وصفها الله تعالى بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(الروم 21)، فأصبح كل طرف منهما يجد راحته مع الآخرين وبعيدا عن البيت.
  3. ضعف قيمة القوامة، والتي كانت بمثابة رمانة الميزان في البيت، حيث كانت الكلمة الأولى للزوج، لكن بعد أن خرجت المرأة للعمل وأصبحت تنفق على البيت من حر مالها؛ ضاعت قوامة الرجل.
  4. غزو الشاشة الصماء وانصراف كل واحد منهما إلى خصوصيته الافتراضية، وصداقات وهمية، والانشغال بالسناجل الحوارية، وبعد أن كان كلا الطرفين يفضي للآخر على وسادة بما يحزنه وما يعتريه من هموم، أصبحت ترى الزوج والزوجة كلا منهم مشغول بهاتفه وصفحاته.
  5. الفتور العاطفي، وانتشار الإباحية، وانحطاط القيم، وذوبان الفوارق بين الرجال والنساء مما سهل انتشارها، فأصبحت الحياة الزوجية في نظرهم مملة وروتينية، فغال الحرص عليها والتمسك بها.
  6. انهيار المنظومة الأخلاقية للعائلة، حيث زاد تسلط أهل الزوج وأهل الزوجة، فأصبحوا عوامل سريعة الاشتعال بين الزوج وزوجته، وقد وصفها رب العزة بقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (النساء 35).
  7. النرجسية أو الأنانية التي ربما تصيب أحد الزوجين أو كلاهما، فتصبح كل حياتهما البحث عن نفسه وذاته فحسب دون النظر للآخر – الذي ربما تحَّمَل معه الكثير.
  8. الغضب والانفعال السريع الذي أصاب الجميع – وعوامله كثيرة ومتعددة – دون الوقوف على أوامر الشريعة والسنة النبوية بعدم الغضب، وكظم الغيظ، والعفو عند المقدرة، والإحسان للطرف الآخر.

 

فلننقذ بيوتنا ومجتمعنا

ولذا لابد من جميع الأطراف البحث عن العلاج الناجع الذي يرمم كيان الأسرة، ولا يقتصر على النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية، وتغافل الجوانب التربوية الإسلامية، والمنظومة الأخلاقية.

ومن العوامل التي تحافظ على استقامة الأسر، والحفاظ على الحياة الزوجية:

  1. تعميق وترسيخ الروح الإسلامية في وجدان كل فرد من أفراد الأسرة، حيث إن هذه الروح تولد الخشية والخوف من الله، وتعمل على صهر القلوب بالتقوى، فيتحقق وصف الحسن البصري: «زوج ابنتك ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها»
  2. البحث عن الزوج والزوجة أصحاب الدين، والذي حث الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة التمساها والتمسك بها: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» (رواه مسلم).
  3. تربية الأولاد على معاني الرجولة الحقيقية وتحمل المسئولية، وتربية الولد والبنت تربية جديدة وجادة تواكب مستجدات العصر، وعدم الاتكال على المرأة لقضاء متطلبات الأسرة، خاصة في ظل تواجد كثير من الشباب المهزوزين، غير القادرين على مقابلة صعوبات الحياة، والتخويف من مصير مجهول للأولاد في حالة انهيار الأسرة.
  4. تعهد الزوج والزوجة بالنصائح التربوية، وعلاج الآفات التي تظهر في السلوكيات، والعمل على الصلح بينهما بالحسنى من ذوى القلوب الصافية، كما يجب على الزوجين الجلوس مع بعضهما والتحدث؛ للتغلب على المشاعر السلبية.
  5. عمل الزوجين على التعرف على أنماط الشخصية والتي ربما تختلف بين الطرفين، حتى يسهل للطرفين التعامل وفق شخصية الآخر فيما يحب وفيما يكره.
  6. من الأسباب المهمة والتربوية هو سؤال الزوج عن زوجته والعكس، حتى تتكون له – أو لها – رؤية كاملة عن الشخصية وظروفه وأخلاقه وأهله ووضعهم وظروفهم المادية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم» ( ابن ماجة في السنن).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم