لقد فضل الله تعالى هذه الأمةَ وميزها واختصها على غيرها من سائر الأمم بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، لم تكن لها أن تتميز وتتبوأ هذه المكانةَ وتلك الفضيلةَ إلا بتعظيمِ الله لرسولها وتكريمِ نبيها واتباع هذه الأمةِ نبيها صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت هذه الخيرية اصطفاء من الله سبحانه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأكدها المولى عز وجل بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران110)، حيث حملت هذه الآية دلالات تربويةً عظيمةً تضع الأمة أمام مسؤوليات عظام يجب لمن كان من هذه الأمة أن يتحملها لينال صفة الخيرية التي وهبها الله لهذه الأمة، ومن هذه الدلالات العظيمة على الخيرية:
- أن هذه الخيرية يدعوها لتعرف قيمتها ومنزلتها، وتعرفَ أنَّه أُريد لها أن تكون طليعة في الأمم، وصاحبة القيادة.
- يجب في الأمة الخيرية أن يتحقق الإيمان؛ على اعتبار أنه القاعدة الأساس والميزان العدل للقِيم والمبادئ، ومن خلاله يتّضح التصور الثابت للفضيلة والرذيلة، كما أن الإيمان هو الوقود الروحاني للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في طريق الدعوة وتحمّل تكاليفه.
- من صفات الخيرية التي أكده المولى عز وجل هي أن تكون الأمة قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكلّما عظمت هذه السمة في الأمّة زاد الخير فيها، وكلَّما ضَعُفت ضَعُف الخير فيها وفي الناس، وقتها يقام العدل بين الجميع.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر كبير من الأهمية؛ من حيث أثره في دفع غربة الدين، وحماية كيان الأمّة من العذاب الإلهي العاجل؛ فقد أجمع العلماء على أنه من واجبات الدين.
فيا أيها المسلم أبشر، ولتحمد الله أنك من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إِنكم تتمون سبعين أمة، أَنتم خيرها، وأَكرمها على الله تبارك وتعالى» (رواه الترمذي وابن ماجه).
كما تحمد الله أن اصطفاك من أمة محمد صلى الله عليه، فجعلك تعرف عبادته وقائم على حدوده.
لكن حال الأمة اليوم أمر محزن لما وصلت إليه، وذلك لبعدها عن تعاليم وشرائع وشعائر نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومع أن هذه الأمة آخر الأمم، لكنها سابقة الأمم يوم القيامة وهذا من الخيرية لكى تكون شاهدة على جميع الأمم السابقة.
كما أن هذه الأمة؛ الخير فيها كلها أولها وآخرها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير، أم آخره».
ومن رحمة الله بهذه الأمة -رغم ارتكابها المعاصي والذنوب والخطايا- أن جعل عذابها في الدنيا؛ فأكثر عذاب الأمة في الحياة الدنيا، يمحِّصهم الله ويدخلون الجنة بسلام، ولا يعذب يوم القيامة إلا أقلّ القليل من هذه الأمة.
هذه الأمة هي أكثر أهل الجنة عددا يوم القيامة، وهي من الخيرية لهذه الأمة فلماذا تحرم نفسك هذا الفضل أيها المسلم.
يا أمة يبس الزمـان وعودها ريـان من نبع النبـوة أملدُ
تسري بأعماق السنين جذوره وتشد أذرعه النجوم فيصعـد
يا أمـة القرآن لـم يذبل على شـفتيك هـذا اللؤلؤ المتوقد
فيا أيها الأخ الكريم: أنت من أمة فضلها الله عز وجل على سائر الأمم واختصها بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، وإنما نالت من ذلك ما نالته باتباعها لرسولها محمد صلى الله عليه وسلم.
فيا أيها الأخ الكريم: لقد جعلت لك الأرض مسجدا وطهورا، فما الذي يحرمك هذا الخير أن تقيم الصلاة في أي مكان في الأرض، فأيما رجل أدركته الصلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فعنده طهوره ومسجده فيتيمم ويصلي بخلاف الأمم من قبلنا.
وليس ذلك فحسب بل إن الله تجاوز عنها الخطأ والنسيان وحديث النفس ما لم تعمل أو تتكلم، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به» [البخاري ومسلم]، فلم تضيع كل ذلك من أجل دنيا فانية.
بل إنك من خيار الأمم؛ لأنها لا تجتمع على ضلالة فهي معصومة من الخطأ عند اجتماعها على أمر، كما أنها لا تخل من وجود طائفة قائمة بالحق في كل زمان لا يضرها من خالفها، فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [البخاري ومسلم].
ومن الخصائص الأخروية أن الأمة المحمدية تأتي يوم القيامة غراء محجلة من آثار الوضوء، وبهذه الصفة يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من غيرهم عند انتظاره لهم على الحوض، قال ابن حجر رحمه الله: «ثبت أن الغرة والتحجيل خاص بالأمة المحمدية». [11/458].
كما أنها أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «فأكون أنا وأمتي أول من يجيز» ـ يعني الصـراط ـ [البخاري].
فلا بد أن نحقق في أرض الواقع هذه الخيرية، ونحمل هذا الإسلام فنبشر به العالمين ونحيي به موات الدنيا؛ فإن الأرض عطشى إلى مطر المسلمين، مشتاقة إلى وقع أقدامهم وهتاف تكبيرهم.
.