Business

التوجيهات التربوية من خلال خطاب الآباء للأبناء كما جاءت فى القرآن الكريم

إن صلاح الآباء مقدمة أساسية لصلاح الأبناء الذين يتحملون المسؤولية عـن سـلامة فطرتهم لما يملكون من أثر كبير في تعليمهم وتوجيههم كما عبر عن ذلك قوله ﷺ: «ما مـن مولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيهـا من جدعاء».

وفى دراسة بعنوان «التوجيهات التربوية من خلال خطاب الآباء للأبناء كما جاءت في القرآن الكريم»، للدكتور محمود خليل أبو دف، حاول الكشف عن أبرز التوجيهات التربوية المتضمنة في خطاب الآباء للأبناء كما جاءت في القرآن الكريم، واقتراح آليات لتطوير دور الأسرة المسلمة المعاصرة في التوجيه التربوي لأبنائها في ضوء خطاب الآباء للأبناء كما جاء في القرآن الكريم.

 

التوجيهات التربوية للأبناء في المجال الإيماني

يشكل الجانب الإيماني عنصرًا أساسيًا في بناء الشخصية المسلمة الفاعلة والمتميزة، فالإيمان منبع الاستقامة التي لا تتحقق بدونه، ويتضح ذلك من خلال التوجيه النبوي الشريف حينما سأله سفيان بن عبد الله الثقفي فقال: يـا رسول الله، قلي لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك؟ قال: «قل آمنت بالله ثم استقم»، وتصـدر عـن الإيمان: الإرادة القوية والنشاط الخلاَّق. ومن خلاله يستشرف الإنسان لعالم الخلود. والإيمان يؤدي إلى سلامة التفكير، في حين أن الأفكار المنحرفة مردها إلى العقائد الفاسدة التي لم تثبت على دليل وبرهان بل على خرافات وأوهام

ويمكن تلخيص أبرز التوجيهات التربوية في المجال الإيماني من خلال خطاب الآباء الموجه لأبنائهم كما جاء في القرآن الكريم على النحو التالي:

1- الدعوة إلى توحيد ﷲ عز وجل ونبذ الشرك:

أشار القرآن الكريم إلى إرشاد الآباء أبناءهم إلى الثبات على عقيدة التوحيد، ويتضح ذلك من خلال قوله تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 132).

ولأهمية غرس عقيـدة التوحيد في نفوس الأبناء أمر الرسول الآباء بإرشاد الأبناء إلى توحيد ﷲ منذ اللحظات الأولى لخروجهم إلى الحياة الدنيا، وكذلك التذكير بها في نهاية حياتهم.

2- التعريف بقدرة ﷲ تعالى وسعة علمه:

ومنه ترسيخ الاعتقاد الجازم بأن ﷲ- عز وجل- هو المتكفل برزق عباده وأن عليهم أن يجتهـدوا في عبادتـه ولا يشغلوا تفكيرهم في قضية الرزق، والحث على الاستقامة في الأعمال السرية والجهرية استشعارًا لرقابة الله- عز وجل- على أعمال العباد.

والمؤمن الصالح يستقيم سلوكه ويتأدب ويتصف بصفة الحياء ويفكر مليًا قبل أن يقدم على أي عمل متخيلًا عواقبه، وهذا من معاني الإحسان الـتي بينها الرسول المعلم ﷺ.

3- الدعوة إلى الإيمان بالبعث يوم القيامة:

ونلمس تلك الدعوة في الحوار الدائر بين الأبوين وولدهما الجاحد والذي جاء في محكم التنـزيل بقوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (الأحقاف: 17).

لقد وجه الوالدان ابنهما إلى الإيمان بالبعث بعد الموت وهو أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما أن دعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية وفلاحه السـرمدي. وتدل الآية السابقة على أن الأبوين قد بذلا غاية جهدهما وسعيهما في هداية ولدهما حتى إنهما استغاثا بالله كما يستغيث الغريق ويسأل الشريق، وهما يعذلان ولدهما ويتوجعان له ويبينان له الحق ويقدمان له الأدلة ما أمكنهما.

4- ترسيخ الإيمان بقدر الله النافذ في خلقه:

يتضح ذلك من خلال مخاطبة نبي الله يعقوب لبنيه- كما جاء على لسانه- في قوله تعالى: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (يوسف: 67).

من خلال سياق الآية السابقة يتضح أن المقصود بحكـم ﷲ هو حكمه القدري- سبحانه وتعالى الذي لا مفر منه ولا فكاك-، وقضاؤه الإلهي الذي يجري به قدره فلا يملـك الناس فيه لأنفسهم شيئًا، وهذا هو الإيمان بالقدر خيره وشره.

5- التأكيد على الأمل في رحمة الله وعدم اليأس منها:

وقد عبر عن هذا التوجيه التربوي ما جاء- على لسان نبي ﷲ يعقوب عليه السلام- في محكم التنـزيل: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).

لقد نهى نبي الله يعقوب- عليه السلام- أبناءه عن اليأس من رحمة ﷲ عز وجل، وأبـان لهـم أن هذه الصفة من صفات الكافرين وأن الثقة بالله- عز وجل- منـزلة عالية من منازل المؤمنين، ولولا عظيم ثقة أم موسى بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء يتلاعب به أمواجه.

ويستفاد من المشهد التربوي السابق: ضرورة تعويد الأبناء على تحمل المسؤولية وممارسة العمل الجماعي القائم على التعاون لحل المشكلات التي تواجههم في الحياة، وتلك صورة جميلة من عمل الفريق لإنجاز المهـام المطلوبـة وتحقيق المصلحة العامة

 

التوجيهات التربوية للأبناء في المجال التعبدي

حدد القرآن الكريم الغاية العظمى من خلق الإنسان والمتمثلة في عبادة الله- عز وجل- كما يتضح من قولـه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، ويمكن تلخيص أبرز التوجيهات التربوية في المجال التعبدي- من خلال خطاب الآباء الموجه لأبنـائهم كمـا جاءت في القرآن الكريم- على النحو التالي:

1- الحث على العبودية الخالصة ﷲ عز وجل:

ونلمح ذلك من خلال قوله تعالى- في حق نبيه يعقوب عليه السلام-: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 133)، فالوصية في الآية السابقة تركزت في الحـث علـى التـزام عقيـدة الوحدانية في العبادة وإسلام القلب ﷲ تعالى والإخلاص له.

ومن الجدير ذكره في هذا المقام، أن العبودية ﷲ تحرر الإنسان من كل أشكال العبودية لغيره؛ فهي تحرره من العبودية لنـزواته وأهوائه، كما تقيه من الوقوع في شرك العبودية للأشـخاص، والعبودية الخالصة ﷲ- عز وجـل- تقي الإنسان من الانـزلاق إلى عبودية النـزوات والشهوات المادية، والعبودية الخالصة ﷲ- عز وجل- تستوجب ألا يرائي العابد بعمله وأن يبقى عمله خالصـا لوجـه الله تعالى.

وفي ضوء ما سبق، يفترض أن يعزز الآباء لدى أبنائهم اتجاهًا سلوكيًا نحو الوقوف عند نياتهم وتفحصها قبل الشروع في ممارسة الأعمال المختلفة حتى لا تحبط أعمالهم، كما أن من المفارقة العجيبة أن يجتهد المربون في توعية الجيل بحقوقهم وحقوق الآخرين عليهم في حين يغفلون عن تبصيرهم بحق الله- عز وجل- عليهم

2- الحث على إقامة الصلاة:

من العبادات الأساسية التي افترضها الله- عز وجل- على عباده الصلاة، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103). وتعد الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام.

وتجدر الإشارة هنا إلى نواحي الإعجاز التربوي المتمثلة في الآثار الطيبة المترتبة على إقامـة الصـلاة، والـتي نلخص أبرزها على النحو التالي:

  • التدريب على إتقان الأعمال وهي قيمة إنسانية حضارية منبثقة عن تعاليم الإسلام.
  • تشكِّل الصلاة وسيلة فاعلة في وقاية الأبناء من الانحراف السلوكي؛ لأنها تنهى عن الرذائل والمنكرات، كمـا جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت: 45).
  • تعود الصلاة الفرد المسلم على النظام والانضباط- بشكل كبير- من ناحيتين: الأولى كـون المسـلم مطالبًـا بأدائها على وقتها، والناحية الثانية: فإن الصلاة يسـتوجب أداؤها مراعاة الترتيب مما يرسخ عند المصلي قيمة الانضباط والنظام وترتيب الأولوياتز
  • إعلاء الهمة ذلك أن المداومة على الصلوات في أوقاتها يتطلب المثابرة والمجاهدة، ويوقظ الهمة العالية، ويعززهـا كما يبعث على النشاط والحيوية.

 

التوجيهات التربوية للأبناء في المجال الاجتماعي

يشكل البعد الاجتماعي عنصرًا أساسًا في الشخصية المسلمة كما أن الوعي الاجتماعي في هذه الشخصـية جزء من وعيها الشامل بالوجود كله: شاهده وغيبه الفردي فيه والجماعي فالمسلم مدعو إلى الوعي الشامل مـن خلال التأمل والتدبر، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفي الحياة، وما بعد الحياة، وهو مدعو إلى الوعي الشامل بالحياة الاجتماعية بكل أبعادها وتفاعلاتها.

ومن خـلال تحليـل الخطاب التربوي الموجه للأبناء من خلال الآباء في القرآن الكريم أمكن تحديد العديد مـن التوجيهـات التربويـة للأبناء في المجال الاجتماعي يمكن إجمالها على النحو التالي:

1- الالتزام بالآداب الاجتماعية في التعامل مع الآخرين:

الأدب هو اجتماع خصال الخير في العبد، وقيل: الأدب هو معرفة النفس ورعونانها، وتجنب تلك الرعونات فلا ينفع العلم بغير أدب، فالأدب هو: القيد الحسن الذي يقي الأخلاق من الانحراف والجنوح والشطط.

وقد حث الرسول ﷺ على كسب الناس وتأليف قلوبهم بحسن التعامل معهم من خلال قوله: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق»؛ ويمكن تلخيص الآداب الاجتماعية المتضمنة في خطاب الآباء لأبنائهم- كما جاءت في القرآن الكريم- علـى النحو التالي:

  • الحث على الصبر في التعامل مع الناس.
  • التواضع للناس والتحذير من التعالي عليهم.
  • تجنب الخيلاء والإعجاب بالنفس.
  • مراعاة الاعتدال في المشي.
  • خفض الصوت في مخاطبة الناس.
  • التحذير من إفشاء ما ينبغي كتمانه من الأسرار.

وفي ضوء المشهد القرآني السابق يمكن اشتقاق بعض المهام التربوية- التي ينبغي أن تبادر الأسرة المسـلمة إلى القيام بها تجاه الأبناء- نلخصها في التالي:

  • التذكير الدائم بعداوة الشيطان للإنسان، والحذر منه والمداومة على الاستعاذة بالله منه.
  • الإفصاح للأبناء عما يتوقعه الآباء لهم من نجاحات في المستقبل مما يعزز لديهم الصورة الإيجابية عـن الـذات ويزيد من ثقتهم بأنفسهم وتهيئتها لتحقيق الإنجازات وإحراز النجاحات.
  • التذكير بنعم الله العظيمة على الإنسان، والتحدث بها أمام الأبناء حتى يقتدوا بها في تذكر تلك النعم وشـكر المنعم عليها سبحانه وتعالى.
  • ربط الأبناء بتاريخ الأجداد وتراثهم الوضاء المشرف حتى يظلوا على صلة ذا التراث الأصيل متمسكين بقيمه ومقتدين بأهل الخير والرشاد ورواد الإصلاح في الشعوب والأمم، مما يسهم في ترسـيخ الهويـة الإسـلامية والمحافظة عليها ووقايتها من الاختراق الفكري الثقافي.

2- توجيه الأبناء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

تميزت الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم بأدائها رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما بينه في قولـه تعالى- واصفا إياها-: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110).

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجسد رسالة تربوية إرشادية للناس من شأنها أن تعزز شيوع الأخلاق الفاضلة في المجتمع، وتعمل على انحسار الرذائل والمفاسد. وينبغي ألا يتباطأ الفرد المسلم في إنكار المنكـر عملًا بالتوجيه النبوي الشريف: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»؛ قد أكد الغزالي على أن إهمال رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى شـيوع الفساد وخراب البلاد وهلاك العباد.

 

آليات المقترحة لتطوير دور الأسرة المسلمة في التوجيه التربوي لأبنائها في ضوء خطاب الآباء للأبنـاء كما جاء في القرآن الكريم

في ضوء التوجيهات التربوية التي تم استنباطها من خلال خطاب الآباء الموجه للأبناء كما جـاء في القـرآن الكريم، يقترح الباحث الآليات التالية لتطوير دور الأسرة المسلمة في التوجيه التربوي لأبنائها، والتي يمكن إجمالهـا على النحو التالي:

1- العمل على إثراء الخطاب التربوي للآباء وترقيته شكلًا ومضمونًا:

ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال مراعاة توافر المواصفات التالية في الخطاب التربوي للآباء:

  • الشمول والتنوع في الخطاب التربوي الموجه للأبناء؛ مما يساعد على تحقيق المقاصد التربويـة. ونقصـد هنـا بالشمول والتنوع: ملامسة أبعاد وجوانب تربوية أساسية في شخصية الأبناء، وقد بدا ذلك واضحا مـن خـلال استهداف الخطاب التربوي- الموجه للأبناء في القرآن الكريم- لجوانب حيوية متمثلة في: الجانب الإيمان الاجتماعي والأخلاقي، فضلًا عن اشتماله العديد من الفوائد والتوجيهات التربوية للمربين، كما نلمس الشمول والتنـوع في هذا الخطاب من خلال استخدام أساليب تربوية عديدة بما يتناسب مع الموقف التربوي ويراعي الفروق الفردية من الناحيتين الإدراكية والنفسية للمخاطب.
  • ومن الأساليب الراقية والمتميزة- التي اسـتخدمها الآبـاء في مخاطبة أبنائهم-: أسلوب التعليل الذي يفسر ويوضح ويشرح الأثر السلبي المترتب عن ممارسة سلوك سلبي، ومثال ذلك: أن لقمان حينما نهى ابنه عن الشرك بين له أنه ظلم عظيم، وحينما نصح يعقوب ابنه يوسـف- عليهمـا السلام- بألا يقص رؤياه على إخوته علل ذلك وبرره بمكيدة إخوته بفعل وسوسة الشيطان وتسويله لهم، وأبدع لقمان حينما ربط خطابه التربوي بمشهد حي من الواقع كما اتضح من قوله تعالى- على لسانه-: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} (لقمان: 19).ومن مظاهر الشمول والتنوع في الخطاب التربوي للآباء: استهداف لقمان ابنه- في مواقف عديدة- فردًا بعينه باستخدام لفظة «يا بني» (في خمسة مواقف)، وفي مواقف أخرى نجده يستهدف مجموعة من الأفراد باستخدام لفظة «يا بني» (في ثلاثة مواقع) بما يعكس مرونة في الخطاب التربوي تمكنه من مواجهة الحاجات التربوية المختلفة للفرد والجماعة على حد سواء.
  • وضوح لغة الخطاب التربوي وسلاسته وبلاغته وقصره، ونلحظ هذه السمات بشكل واضح من خلال تتبـع الآيات القرآنية التي اشتملت على نماذج عديدة من هذا الخطاب، ومن البدهى أن توافر هذه السمات فيه تسـاعد على توصيل الفكرة وإفهام السامع بيسر دون عناء وجهد كبيرين.
  • التزام الرفق والتودد في الخطاب التربوي الموجه للأبناء: فنلمس الرفق في الخطاب التربـوي الموجـه للأبنـاء بصورة واضحة من خلال استخدام لفظة «يا بني» وهي تصغير لكلمة ابن في نداء العطف والتحبـب، وتفيـد كلمة بني- كما أشار البيضاوي- التصغير والإشفاق.
  • ينبغي ألا يسير الخطاب التربوي الموجه للأبناء في اتجاه واحد في كل الحالات؛ حيث تقتضي بعض المواقـف إعطاء الفرصة للأبناء حتى يبادروا بالمخاطبة، ومن ثم مناقشتهم والتعقيب عليهم وتقديم التغذية الراجعة لهم، وخير مثال على ذلك: التخاطب الذي حدث بين أبوين كريمين وابنهما الجاحد والذي عقب على خطابها ثم قاما بـالرد عليه، فصور القرآن الكريم لنا هذا المشهد الدال على التخاطب الفاعل بين الآباء والأبناء حيث جـاء في محكـم التنـزيل: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (الأحقاف: 17).
  • استمرار الخطاب التربوي للآباء خلال حياتهم دون توُّقف، ونلمس ذلك من خلال حرص يعقـوب- عليـه السلام وهو على فراش الموت- على تذكير أبنائه بالثبات على العبودية الخالصة ﷲ، كما جاء في قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 133). فالخطاب للأبناء ينبغي أن يكون مطـردًا ومتواصلًا دون انقطاع حتى وإن كان قليلًا وموجزًا، عملًا بالتوجيه النبوي الشريف: «سددوا وقاربوا، واعلمـوا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».

2- مراعاة التدرج في الخطاب التربوي للأبناء:

ونلمس ذلك بوضوح من خلال خطـاب لقمان لابنه في الآيات (13- 19) من سورة لقمان، حيث بدأ بالجانب الإيماني فحثه على توحيد الله- عز وجل- وعرفه بسعة علمه، ثم أرشده إلى إقامة الصلاة، ثم حثه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر في التعامـل مع الناس والتزام الأدب. وأما الصورة الأخرى لمراعاة التدرج- وفق الأولويات- في أنموذج لقمان الخطابي، فقـد تمثلت- في بدء خطابه- بما يخص علاقة الإنسان المسلم مع الله- سبحانه وتعالى- ثم علاقته مع الناس.

3- العمل على إعادة نظم الخطاب التربوي للأسرة المسلمة:

ونقصد بذلك: توحد الخطاب التربوي في الأسرة المسلمة وانسجامه وقيامـه علـى مبـدأ التوافق بين الوالدين وخلوه من التناقض والاضطراب مما يؤثر سلبًا على الأبناء، فمن سنن الإسلام في هذه الحياة أن يقوم الرجل والمرأة معًا بعمارة الكون وتعريف شؤون الحياة، فلا غنى للرجل عن المرأة ولا غنى للمـرأة عـن الرجل، ومن هنا، حثت تشريعات الإسلام وتوجهاته على التعاون بينهما في كلِّ شيء.

وقد ساق القرآن الكريم لنا أنموذجًا للخطاب التربوي المتوحد القائم على أساس التعاون والتوافق والانسجام بين الأبوين، حيث جاء في قوله تعالى- على لسانهما-: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (الأحقاف: 17).

ومما يعزز هذا النوع المتميز من الخطاب التربوي الأبوي اعتقاد الوالدين بضرورة تحمل المسؤولية المشتركة في رعاية الأبناء وتربيتهم، وتقاسم الأدوار بينهما امتثالًا للتوجيه النبوي الشريف: «ألا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه ؛ فالأميرُ الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ على أهل بيتِه، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، وعبدُ الرجلِ وفي طريقٍ: والخادمُ راعٍ على مالِ سيِّدِه، وهو مسؤولٌ عنه، والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجِها، وهي مسؤولةٌ، سمعتُ هؤلاءِ عن النبيِّ وأحسب النبيَّ قال: والرجلُ في مالِ أبيه، ألا كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعِيَّتِه».

 ومن الجدير ذكـره في هـذا المقام، أن التزام الأبوين بالدين يشكل قاعدة للتفاهم بينهما كما يوحد اتجاههما وأهدافهما، ويسـاعدهما علـى تحقيق الأهداف التي يسعيان إلى بلوغها، إذ يجدان في أحكام الشرع المرجع الذي يحتكمان إليه ويطمئنان إلى حلوله السليمة.

إن تعاون الأبوين في مجال التوجيه التربوي للأبناء وتقاسمهما المسؤولية لا يتنافى- مطلقًا- مع كون الرجل هو المسؤول التربوي الأول والقائد الموجه في هذا المجال.

وبناءً على ما تقدم، فينبغي أن يتبادل الأبوان النصائح والخبرات ووجهات النظـر حـول تربيـة الأبنـاءِ، وتوجيههم بما يحقق مصلحتهم ويجلب الخير لهم ويحقق الاستقامة في حياتهم، ومن الضروري أن ينفذ ذلك في إطار الاحترام المتبادل والحرص على عدم إظهار الاختلاف في وجهات النظر بينهما أمام الأبناء بما ينعكس سلبًا علـى أداء المهام التربوية المناطة بهما، ويخدش أو يشوه الأنموذج الذي يفترض أن يظل ناصعًا متألِّقا في عيون الأبناء

4- اجتهاد الآباء ما أمكن في حيازة المواصفات الشخصية والمهنية المستمدة من معاني الحكمة:

من اللافت للانتباه أن بدايات سورة لقمان- وقبل استعراض مفردات التوجيه التربـوي الـتي تجسـدت في مخاطبة لقمان لابنه- سبقت بقوله تعالى في حقه: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (لقمان: 12)، وفي ذلك إشارة واضحة إلى منة الله عليه بتلك الحكمـة، وكأن القرآن الكريم يهيئ نفوس المربين للاقتداء بحكمة لقمان في التربية وتلمس خطاه في مجال التوجيه التربـوي للأبناء، وقد أشار القرطبي في تفسيره إلى: «أن الله تعالى أعطى لقمان الحكمة ومنعه من النبوة».

وقد نوه القرآن الكريم إلى الخير الكثير في امتلاك الحكمة: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة: 269). وأشار الرسول المربي ﷺ إلى بعض مواطن الحكمة حتى يتم التماسها والاستفادة منها كما اتضح في قوله ﷺ: «ألا إن من الشعر لحكمة».

 وفي إطار ما سبق من التأكيد على لزومية الحكمة وضرورة توافرها لدى المسلمين بكل عام ولـدى المـربين بشكل خاص، سنعرض أهم مواصفات الشخصية الحكيمة التي يفترض أن يحوزها ويتمثلها الآباء وهم يمارسـون التوجيه التربوي تجاه أبنائهم، ويمكن تلخيص أبرز هذه المواصفات من خلال استقراء معاني الحكمة- التي جـاءت في العديد من تفاسير القرآن الكريم- على النحو التالي:

  • جاءت الحكمة بمعنى «الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل».
  • وفسرت الحكمة بأنها العلم بالحق على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام ومعرفة ما فيها من الأسرار والأحكام، فقد يكون الإنسان عالمًا ولا يكون حكيمًا، فالحكمة مستلزمة للعلم وللعمل ولهذا فسرت بـالعلم النافع، والعمل الصالح والعلم الذي هو عنصر أساس من عناصر الحكمة هو العلم الشامل والنوعي؛ لكونه يحتوي على كل ما تكمل به النفوس من العلوم والمعارف في أحكام الشرع، هذا يعني ببساطة أن الحكيم يلم بعلـوم الـدنيا والدين.
  • ومن معاني الحكمة: شكر الله تعالى وحمده على نعمه وحب الخير للناس واستعمال الأعضاء فيما خلقت له من الخير والنفع والهداية إلى المعرفة الصحيحة.
  • وقصد بالحكمة في مجال الدعوة إلى- الله تعالى-: حسن التصرف ومراعاة مقتضى الحال ودعوة الناس كـل حسب حاله وفهمه. ويتطلب ذلك انتهاج أسلوب الدعوة بالعلم لا بالجهل والبدء بالأهم فالمهم.
  • ومن معاني الحكمة: القدرة على الفهم والتعبير: ومن خلال استعراض معاني الحكمة- كما جاءت في تفاسير آيات القرآن- أمكن استنباط وتحديـد أبـرز المواصفات الشخصية والمهنية التي ينبغي أن تتوافر في الآباء حتى يتمكنوا من أداء دورهم في التوجيه التربوي للأبناء بكفاءة عالية.

5- الإعداد التربوي للآباء المسلمين بصورة مستمرة:

فمن البديهي أن قيام الآباء بدورهم في مجال التوجيه التربوي للأبناء لا يصح أن ينطلق دون تهيئة وإعداد علمي ومهني ينمي إمكاناتهم وقدراتهم ويرفع من مستوى كفاءاتهم، وهذا الإعداد ينبغي ألا يتـرك لمحـض الصـدفة أو اجتهادات الأفراد والجماعات هنا وهنالك، بل لا بد من أن يقوم على أسس علمية تتحـول إلى بـرامج عمليـة يخطط لها بشكل جيد يليق بالمكانة التربوية للأسرة المسلمة التي تشكل خط الدفاع الأول والحصن الأمين للأبناء والذي يجب أن يحتفظ بمركز الصدارة في رعاية الأبناء وتوجيههم مع عدم إغفال دور المؤسسـات الأخـرى في المجتمع، ويعتقد الباحث أن الإعداد التربوي للآباء ينبغي أن تتركز جهوده حول محورين أساسيين: أولهما: الإلمـام بقواعد وأساليب التوجيه التربوي الفاعل ومجالاته الأساسية والمهارات الأساسية للخطاب التربوي المتقن، والثـاني فيتمثل في العمل على كسب وحيازة المواصفات الشخصية والمهنية اللازمة لممارسة التوجيه التربـوي للأبنـاء في ضوء معاني الحكمة التي سبق الإشارة إليها، ويقترح الباحث لتحقيق ذلك الآليات التالية:

   أ- اجتهاد الآباء الذاتي لترقية إمكانياتهم وكفاءاتهم التربوية:

ويعد هذا العنصر أساسيًا ومهما جدًا؛ لكونه يعبر عن الاستعداد النفسي وامتلاك زمام المبادرة، كما يعكـس مستوى الإحساس بالمسؤولية والجدية في الوفاء بحقوق الأبناء على الآباء، ويمكن أن يتحقق هذه الاجتهاد الذاتي- من قبل الآباء في هذا المجال- من خلال الممارسات التالية:

  • الاطِّلاع بصورة مستمرة على القرآن الكريم وسنة الرسول ﷺ والسيرة النبوية المطهـرة وسير الصحابة- رضوان الله عليهم- للوقوف على أساليب التوجيه التربوي الفاعل والإلمام بأساليبه الناجعـة مع مراعاة صحة المصادر التي يتم الرجوع إليها ودرجة وثوقيتها، ويتطلب ذلك إلمـام الآيـات بالمهـارات الأساسية لقراءة القرآن والسنة النبوية حتى يتشكل لديهم الفهم الصحيح الذي يؤدي إلى ممارسـات تربويـة سليمة مع الأبناء.
  • المبادرة إلى سؤال أهل الاختصاص من العلماء الفقهاء والتربويين المختصين فيما يخص موضوع رعاية الأبنـاء وتوجيههم وإرشادهم عملًا بالتوجيه الرباني في قول رب العزة: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)، ويمكن الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة لتحقيق هذا الغرض: كالهاتف المحمول والمراسلة عبر البريد الإلكتروني.

ب- الإعداد التربوي للآباء من خلال مؤسسات المجتمع:

ما لم تتوافر الرعاية التربوية للآباء من قبل مؤسسات المجتمع المعنية فإنه لا يمكن أن يكتمل بناؤهم وإعدادهم وتأهيلهم- بصورة جيدة- للقيام بواجباتهم التربوية تجاه الأبناء، فالمبادرات الذاتية من الآباء لا تكفي وحـدها ولا تقوم بذاتها بدون الاعتماد على أهل الاختصاص والخبرة والتجربة في مجال التربية والتوجيه والإرشاد، ويمكن إسناد هذه المهمة إلى الجهات المسؤولة التالية:

  • المعاهد والجامعات، من خلال عقد المحاضرات التثقيفية والتوعوية في مجال رعاية الأبناء وتوجيههم، ويمكن أن يفرد لهذا الغرض مساق خاص يدرسه الطلبة الذين هم مقبلون على الزواج وتكوين أسرة، وتحمل مسـؤولية تربية الأبناء حتى لا ينخرطوا في الحياة الزوجية دون توعية وتثقيف، ومن الضروري أن يستمر تدريب الآبـاء بعد ذلك من خلال محاضرات محددة العناوين، وورش عمل ودورات تدريبية تقوم علـى أسـاس التفاعـل والمناقشة والتطبيقات العملية ولا تقتصر على مجرد تقديم معلومات ونصائح ذات طابع نظري.
  • ومن خلال مجالس الآباء المشكلة في المدارس يمكن الاستعانة بأهل الاختصاص لمساعدة الآبـاء وإرشـادهم والعمل على تحسين أدائهم في مجال التوجيه التربوي للأبناء، ويمكن أن يتم ذلك من خلال توزيـع نشـرات تربوية خاصة توزع على الآباء وعقد محاضرات تعالج مشكلات تربوية عديدة يحضرها الآبـاء في المـدارس ويتناقشون مع الأساتذة ويتبادلون الخبرات والنصائح فيما بينهم بما يثري حصيلتهم التربوية وينعكس إيجابـًا على أدائهم في توجيه الأبناء.
  • الإعلام الإسلامي عبر فضائياته العديدة ومواقعه الإلكترونية ومجلاته وصحفه لا بـد أن ينـهض ويتحمـل المسؤولية- بجدية- تجاه رعاية الآباء وتأهيلهم من أجل دعم وإثراء وترقية دورهم في ممارسة التوجيه التربوي للأبناء، ومن خلال متابعة الإعلام الإسلامي في واقعنا اليوم يلحظ امتلاكه لطاقات بشرية وموارد مادية كافية تمكنه من أداء دوره في هذا المجال، وما نحتاجه اليوم- بالفعل- تنسيق جهود المخلصين وجمعها علـى خطـة استراتيجية لتحقيق أهدافها العديدة والشاملة والتي يفترض أن يكون من أولوياتها بنـاء الشخصـية المسـلمة الفاعلة والإيجابية والقيام بتطوير أداء الأسرة المسلمة من منطلق اعتبارها المسؤول الأول والأخير عـن تربيـة الأبناء وتهيئتهم للعيش والانخراط الفاعل في المجتمع.
  • من الضروري جدا إحياء الدور التربوي للمساجد في بلاد المسلمين بحيث يشارك بشكل واعٍ وفاعل- عـبر خطبة الجمعة والدروس والمواعظ والمحاضرات الخاصة- بتربية الأبناء وإعداد الآباء للقيام بدورهم في توجيـه الأبناء ورعايتهم، وقد غدا المسجد اليوم أكثر انفتاحًا على جميع مؤسسات المجتمع الثقافية والتربوية حتى شكَّل حاضنة لمجهودات المخلصين وبدأ يستعيد دوره التربوي شيئًا فشيئًا، ودليل ذلك: دوره الكـبير في إحـداث الصحوة الإسلامية العارمة التي نلحظها في جميع بلاد المسلمين في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس وهدايتـهم إلى أبواب الخير، وهي عمليات مرادفة تمامًا- في حقيقتها وطبيعتها- لتربية الناس وتوجيههم وإصلاح نفوسـهم، وليس أدل على ذلك من أن كثيرا من العلماء الدعاة أثروا بشكل كبير في نفوس الناس بكل مراحلهم العمرية، وقد تفوق كثير منهم- في هذا المجال- على كثير من الذين اختصوا فى مجال التربية واشتغلوا بها لما اتصفوا به من علم وسعة اطلاع وحكمة وبلاغة في مخاطبة الناس وإرشادهم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم