Business

الإقناع والحوار في التربية الإسلامية

يبدأ الباحث عبد الرحمن ضاحي، هذه الدراسة بضرب هذه القصة: «دخلت الرياح والشمس في تحد.. أيهما يستطيع إزالة معطف رجل يمشي في الطريق، فبدأت الرياح تصدر أصواتا مخيفة وتهيج وتشتد وتزيد من سرعتها لتنزع معطف الرجل، وكلما ازدادت تمسك الرجل بالمعطف أكثر، وبعدما استنفدت كل سرعتها، أمسك الرجل بشجرة واحتمى بها، فاستسلمت الرياح».

فأغلب الآباء للأسف يفتقد أسلوب الإقناع والحوار في تربيتهم لأبنائهم، فيتعامل كأنه في معسكر للجيش تعاملا يقوم على الأوامر المنزوعة من السببية أو المناقشة، فأغلب الأوامر تصدر جافة (قم، صل)، (لا تستمع إلى الأغاني)، (لا تضيع وقتك) حتى لم يعد فرق بين أولاده وبين الجنود المنفذين للأوامر بلا إعمال للعقل، التربية بالإقناع.

 

سلاح تربوي

إن استخدام أسلوب الإقناع والحوار مع المتربي فيه حفاظ على كرامته كما أنه ينمى المبادرة الذاتية عند المتربي فتجده تلقائيا يتجنب الخطأ ويفعل الصحيح بدون رقابة عليه.

 

الإقناع والحوار منهج رباني

وبالتأمل في الخطاب القرآني ستجد أنه يعتمد في كثير من المواضع على أسلوب الإقناع وتنشيط العقلية السببية، بالرغم من أنه كان من الممكن أن يكتفي بأمر طاعة الرسول وإظهار معجزاته، ولكن بيان الحكمة يزيد الفاعل قناعة وتمسكا بما يفعل. يقول الله تعالى في تحريم الخمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة: 90- 91)، وقال في موضع آخر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: 219)؛ فبين الله حرمة الخمر بالإقناع.

 

الإقناع والحوار منهج الأنبياء والصالحين

وبالتأمل في أسلوب توجيه الأنبياء لأبنائهم ستجده مفعما بأساليب الإقناع والحوار، فعلى سبيل المثال، حين جاء أمر الذبح لسيدنا إبراهيم عليه السلام، جاء إلى ولده إسماعيل ليصارحه: {يَبُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} (الصافات: 102).

استخدم سيدنا إبراهيم أسلوب الحوار والإقناع مع ولده إسماعيل عليه السلام، رغم أن إبراهيم غير مأمور بذلك، ولو ذبح إسماعيل على حين غرة فليس عليه ذنب أو إثم، ولكنه فضل أسلوب الحوار، فلما قال له: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وزين أسلوبه: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}، جاءه الرد بمبادرة إسماعيل أن: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (الصافات: 102).

كما تؤكد السنة النبوية على هذا المعنى التربوي المفقود، فحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشاب الذي يستأذنه في الزنى؛ رد عليه معلم البشرية صلى الله عليه وسلم: «ادنه»، وجعل النبي- عليه الصلاة والسلام- يحاوره ويقول له: «أتحبه لأمك؟» قال الفتى: لا والله، جعلني الله فداك. قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم»، قال: «أفتحبه لأختك»؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم»، قال: أتحبه لعمتك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم»، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم»، قال: فوضع يده عليه وقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه»، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. فاعتمد النبي صلى الله عليه وسلم على أسلوب الإقناع والحوار في معالجة مشكلة الشاب.

 

مخاطر عدم استخدام التربية بالإقناع في أمور الشرع

فعندما نوجه أولادنا لأمر شرعي يجب علينا ذكر الدليل وتفهيمه له قدر المستطاع كي لا يصلي من أجل «أوامر أبي»، وكي لا يترك الخطأ من أجل «تعليمات أمي»؛ لأنه بمجرد غياب الأب والأم وغياب الرقابة عليه ستجده يرتكب الخطأ، أما الذي تربى على الإقناع وإظهار الدليل، وتربى على عقيدة صحيحة بأن هناك إلها يجب أن يطاع وتنفذ أوامره وهو مطلع علينا في كل وقت.. حينئذ من الصعب أن يزل في حالة غياب الرقيب من البشر.

وللأسف تجد مغبة إهمال التوجيه بالإقناع في الأمور الشرعية ظاهرا على الأولاد، وقد خلف خبثا في نفوسهم، وصاروا متفلتين ما داموا بعيدين عن الرقابة، أما الطفل الذي تربي بالإقناع في الأمور الشرعية فتكون عنده مبادرة ذاتية لتجنب الحرام تلقائيا، وستكون نفسه سويا فيغير من نفسه ويغير من الآخرين.

 

التربية بالإقناع لها حدود

إن النفوس البشرية مختلفة، والأبناء منهم من تستنفد معه وسعك في إقناعه بالأمر حتى يفعله ويرفض، لذا يجب أن نوضح أن عنصر الإقناع في العملية التربوية له حدود، وإلا فما العمل حين تكون الأرض كلها اجتمعت على أمر معين ولكن الطفل غير مقتنع بذلك، فمن اللازم بيان الحكمة في بداية الأمر، فإن عاند وأظهر عدم الاقتناع فهناك أساليب أخرى يمكن أن تصل إلى العقاب.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم