التلفاز والتربية السلبية

إن الطفلَ أسبقُ من غيره في البحث وحب الاستطلاع؛ وذلك لرغبته في أن يكوّن لنفسه صورةً مختلفة عن البيئة التي يعيش بداخلها، وللإعلام أثر كبير في تكوين شخصية الطفل والتأثير فيه سلبًا أو إيجابًا.

وفى هذه الدراسة التى أعدّها الباحث محمد طراد، يستعرض آثار غياب الراعي أو ولي الأمر عن متابعة الأولاد في مشاهدة التلفاز ومعظم الوسائل الإلكترونية، وما في ذلك من غاية الخطورة على مراحل الطفولة المختلفة، إن تُرك لها الطفلُ تُربِّيه كيف تشاء دون تقنين.

 

 

أضرار التلفاز

لا نتخلف أن التلفاز سلاح ذو حدين، يمكن من خلاله بناء المعارف، ومتابعة الأخبار، وصقل الخبرات بالاطلاع على إنجازات الآخرين.. إلا أن له أيضًا جوانب سلبية ذات خطورة كبيرة، يجب على الوالدين أن يحميا الأطفال منها، ويوفرا لهم بيئة آمنة. ومن أضرار التلفاز:

أولًا: ضياع الوقت وإهداره فيما لا ينفع

يُعرض على شاشة التليفزيون منوعات كثيرة من الأفلام الكرتونية الكثيرة، والمسابقات والألعاب والمغامرات وقصص الخيال والمسلسلات وغيرها، مما يجعل الطفل يمكث الساعات الطوال أمام التليفزيون لا يتحرك، وقد أخذت شاشة التلفاز فعلًا من أوقات أطفالنا الشيء الكثير، وأصبحوا أسرى لما يُبث من مشاهد وبرامج على تلك الشاشة الجذابة، وصار ذلك الوقت مما يؤثر سلبًا في صحتهم وفكرهم وحياتهم بشكل عام.

ثانيًا: حرمان الطفل اللعب

وقد أدى غيابُ اللعب عند الأطفال؛ نتيجة طول أوقات الجلوس أمام التلفاز إلى نكسةٍ في نمو قدرات الأطفال، وأصبح طفل التلفاز يتميز بسلبية متزايدة وقدرة أقل على تحمل الإحباطات الصغيرة، وتدنٍّ في المثابرة، فلا يتحمل الانهماك في عمل يبدو عليه شيء من الصعوبة في البداية، بل إنه في حاجة دائمة إلى الإثارة والتشويق، فنجده يحجم عن تحمل البداية البطيئة على أمل الفوز بمكاسب لاحقة.

ثالثًا: صعوبة تعامله مع التجارب والأحداث التي تواجهه في حياته

ومن ذلك: صعوبة حل المشكلات العادية التي تواجهه؛ لأنه يعيش في عالم الخيال أكثر من عالم الواقع.

رابعًا: متابعة القنوات الانحلالية

وذلك يؤدي إلى ضياع الدين، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة، وقتل الحياء، إضافة إلى ظلمة القلب، وطمس نوره.

خامسًا: تقليد ممارسة العلاقة الزوجية بين الأطفال

لقد شوهد بعض الأطفال يفعلون ذلك مع أخواتهم ولم يتجاوزوا ثلاث سنوات، وعندما سئل الطفل قال: «كما في الفيلم»، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا سببه ما يعرض في أفلام الرسوم المتحركة من قصص العشق والغرام ودفاع البطل عن حبيبته في أفلام (الأكشن)، واللباس الفاضح، وصور الضم والقبلات بين عناصر الفيلم ذكورًا وإناثًا، وكل تلك الصور والمشاهد يتشبع بها عقلُ الطفل ويبدأ في تقليد ما يرى مع إخوانه وأخواته في المنزل أو في لباسه وتصرفاته ومعاملاته، وهذا ينشئ خطرًا عظيمًا على ناشئة الأمة، وذلك بعنايتهم بكل همٍّ سافل أو أمر منحط، حتى لا تجد من بينهم- إلا من رحم ربي- من يسمو بنظرته أو يرقى باهتمامه.

سادسًا: زعزعة عقيدة الطفل وإيمان بالله

مثل ما يحدث مثلًا في برنامج ميكي ماوس، هذا الفأر الذي يعيش في الفضاء، ويكون له تأثير واضح على البراكين والأمطار، فيستطيع أن يوقف البركان وينزل المطر ويوقف الرياح، ويساعد الآخرين، لماذا يجعل هذا الفأر في السماء؟ ولماذا يصور على أن له قوة في أن يتحكم بالظواهر الأرضية؟ إنها تلميحات خبيثة، أهدافها واضحة للجميع، واشتمال بعض الأفلام الكرتونية على الكثير من الأخطاء العقدية الخطيرة التي قد يعتادها الطفل ويعتقد صحتها، وهذا كثير جدًّا فيها، كظاهرة الانحناء للغير، حتى تكون الهيئة أقرب ما تكون للسجود والركوع، ومن ذلك اشتمالها على السحر، فربما يصورون الساحر على أنه رجل أو امرأة مليء بالطيبة ومحبة الخير للناس ويساعد المظلومين، كما في برنامج سندريلا، التي تصور فيها امرأة ساحرة طيبة تساعد سندريلا على حضور حفلة الملك والاستمتاع بالرقص وغير ذلك.

سابعًا: تشويه صورة المتدينين

سواء قصدوا أو لم يقصدوا، ويظهر هذا جليًّا في برنامج (بباي) مثلًا، والذي يصور رجلين أحدهما طيب وخلوق والآخر شرير، يصورون ذلك الشرير على صورة رجل ملتحٍ، قاصدين في ذلك تشويه صورة المتدينين من المسلمين وذلك في استخدام أحد رموز الدين والالتزام ألا وهي اللحية، فهم يصورون الملتحي هذا بأنه شرير ومختطف وسارق ويحب الشر ويقوم بالتفجير ويلاحق النساء أو بمعني آخر إرهابي، فلماذا لم يجعل ذلك الشرير حليقًا والطيب ملتحيًا؟ تساؤلات تطرح يمكن أن يجيب عنها منتجو تلك الرسوم من اليهود، فيجب أن نتنبه لذلك.

ثامنًا: نشر التبرج والسفور

وهذا كثير جدًّا في الرسوم المتحركة التي يُترك لها الطفل بالساعات الطوال، ويمكن القول: إنه لا يكاد يوجد برنامج كرتوني يعرض الآن على التلفاز يخلو من عري أو غزل أو ملاحقة الفتيات، ولا عجب، فهذا ما يحتويه مجتمعهم، وهذا ما يريدونه من العالم، مشاهد تحتوي على صدور بادية، وأفخاذ عارية، وغزل بين الجنسين، وتعبير عن المحبة في جو رومانسي عجيب، وملاحقة الفتيات، وتقديم الهدايا لهن لكسب مودتهن، وترك الأشغال والأعمال بمجرد ما يرى الفتاة.

تاسعًا: نشر الرعب والخوف

يصاب الأطفال بزيادة معدل الخوف عندهم بصورة ملحوظة؛ لزيادة المشاهد المرعبة على شاشة التلفاز مثل: الدماء، والجرحى، والقتلى، والأسلحة، والحيوانات المفترسة، والأشباح، والحروب ...الخ، وغيرها الكثير من المشاهد المرعبة في الأفلام والمسلسلات وأفلام الكرتون، وكل ذلك يولد لدى الطفل شعورًا بالخوف المتكرر والدائم، وينزع منه الأمان الذي يستحق أن يتمتع به، ومكوث الطفل أمام هذه الشاشة باستمرار يجعله يُؤمن بطبيعتها، وأنها حتمية الحصول، فتؤثر في مسيرته المستقبلية وشخصيته القادمة، فيصاب من خلال ذلك الشعور بالازدواجية في الشخصية والعقد النفسية المتكررة، وهي تنمي فيهم أيضًا الصفات السلبية كالحقد والكراهية وحب الانتقام، بل ربما يخاف بعضُ الأطفال من الظلام ويبكون وهم يتصورون أن الشبح الذي رأوه سوف يظهر لهم، بل ربما يحلمون به عند نومهم ويصحون يبكون وعند سؤالهم يقولون: الشبح أو العفريت، مما يسيطر على خيالهم ويخيفهم، مما رأوه في التليفزيون من تلك المشاهد.

عاشرًا: نشوء الأمراض النفسية والجسدية

ومن تلك الأمراض: حصول القلق، والاكتئاب، والشيخوخة الكبيرة التي تنتج من التعرض للموجات الكهرومغناطيسية المنبثقة من شاشة التلفاز، إضافة إلى ما يحصل من أضرار جسيمة: كزيادة الوزن، وترهل العضلات، وآلام المفاصل والظهر.

والأخير: إفساد اللغة العربية لدى الأطفال

فما يُعرض من صورٍ ومشاهدَ على شاشة التلفاز يكون غالبًا بلغة هشة هزيلة عامية مبتذلة، أو عربية مكسورة في الأداء والقول، ومن المؤسف أن تجد اهتمامات منتجي تلك الأفلام باللغات المحلية والدارجة على ألسن الناس، وتغافلهم عن اللغة العربية الفصحى، وهذا مما يؤدي أيضًا إلى انحراف لسان الطفل إضافة إلى انحراف فكره وتوجهه واهتماماته.

وأخيرًا فإن علينا أن نعي خطورة هذه الشاشة الجذابة على عقول أطفالنا وأوقاتهم واهتماماتهم، وأن نقدر حاجتهم لها بقدر ما يشبع رغباتهم في المشاهدة، وألا نستهين بما تقدمه لهم من برامج وعروض مختلفة، ومرة أخرى أقول: إنه على الوالدين أمانة عظمى في السعي بأولادهم إلى أمكنة الأمان، وحمايتهم من كل ما يؤثر فيهم سلبًا في حياتهم، وتربيتهم بأن يكونوا عدة لدينهم ومجتمعاتهم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم