Business

وفى قصصهم تربية

اهتم القرآن الكريم بتربية الأبناء، ومن مظاهر هذا الاهتمام حوارات الآباء مع أبنائهم، وهي تحمل في طياتها دروسًا تربوية ينبغي أن يعيها الآباء والمربون في تربية النشء، لتكون زادا لهم وغذاء لأرواحهم وعقولهم.

كما أوجبت الشريعة الإسلامية على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم ورعايتهم، وحرمت تضييعهم وتضييع حقوقهم، وشرعت الكثير من الأحكام لحفظ الأبناء.

ولقد اشتمل القرآن الكريم على الكثير من المضامين التربوية بين الآباء والأبناء، مثل قصة سيدنا نوح– عليه السلام– وابنه، وقصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، ووصية سيدنا يعقوب لأبنائه، ووصية لقمان لولده.

 

نوح وابنه

ساق القرآن الكريم أسلوبًا أبويًا راقيًا في قصة نوح– عليه السلام– مع ابنه، تجلت فيها المعاني التربوية، والخوف الفطري على الأبناء، والحرص عليهم .

ففي الآيات التي ساقت القصة: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} (هود: 41-42)، يتضح مدى العمق التربوي الذي برز في عنصر الحوار الرائع الفريد بين النبي المشفق، والابن المتمرد الذي أبي أن يؤمن برسالته، واستمر على كفره مع من كذبوا نوحًا (عليه السلام)، فنوح عليه السلام لم يستغل كونه النبي المرسل، ولا سلطته الأبوية في إجبار ابنه على الإيمان، وفرضه عليه، ولم يدفعه تصرف ابنه العاق إلى الغضب، والخروج عن منهجية الحوار البناء في تعامله معه، بل حرص نوح عليه السلام على الأخذ بأسباب صلاح ابنه بالحوار والتفاهم والدعوة بالموعظة الحسنة، ولم يفقد الأمل حتى في آخر لحظة.

بل إن نوحًا لم ييأس حتى مع ارتفاع الماء، وظل يخفق قلبه راجيا أن يستجيب لندائه ابنه، غير أنه ظل على عناده فحال بينهما الموج فكان من المغرقين.

ولذا وجب على الآباء مواصلة دوره في التربية بالحوار حتى في آخر اللحظات إذا أمكنه ذلك، وأن يدركوا أهمية التوازن والوسطية في تربية الأبناء؛ لأنهم لن يستطيعوا صنع مستقبلهم أو تحديد مصيرهم، إنما عليهم بذل ما في وسعهم من توفير أسباب النجاح في حياتهم، والتوكل على الله والتسليم له.

 

إبراهيم ويعقوب عليهما السلام

لم يتوقف الخوف والرجاء على نوح عليه السلام وولده فقط، بل تجلت قصة خوف إبراهيم ويعقوب على ابنائهم وحرصهم على أن يسلكوا طريق الحق فجاءت الوصية الجامعة بأسلوب أبوي يحمل معاني العطف والشفقة والأسلوب الجميل في إظهار هذا الحرص من أجل إقناع الأبناء بما يقوله الآباء فجاء في قوله تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (البقرة: 132).

والآيات توضح معالي الأمور التي يحرص الأب على غرسها في أبنائه، فلم يوصيهم إبراهيم ويعقوب بالذهب والفضة لكن أوصاهم بالإسلام لكي يعيشوا به ويموتوا عليه ويُبعثوا عليه، وهو في ذلك حرص عليهم في الدنيا والآخرة؛ لأن من آمن بالإسلام وعمل به فيه فلاح الدنيا والآخرة.

 

إبراهيم وإسماعيل ورحلة الذبح

كبر إبراهيم عليه السلام، وعقمت زوجته سارة، واشتاق الأب إلى الولد، فكان له ذلك من زوجة ثانية، فتعلق القلب بولده الوحيد فجاء الأمر التربوي الرباني بذبح الابن.

فإبراهيم عليه السلام والذي ترك ولده رضيعا فترة في أرض جدباء مع أمه لا ونيس لهم إلا حفظ الله، جاءه بعد سنوات لينفذ فيه أمرًا ربانيًا آخر، حيث حملت القصة الكثير من المضامين التربوية بين الأب وابنه: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102).

حيث يتضح من الحوار مدى العلاقة بين الابن وأبيه والصداقة القائمة بينهما مما جعل إسماعيل يستجيب للأمر دون ضجر.

بل عمد إبراهيم إلى الحوار الناجح مع ابنه– على الرغم من كونه أمرا ربانيا- إلا أنه أراد أن يوصله له عبر حوار نجح فيه إبراهيم كما نجح فيه إسماعيل، حيث استشار إبراهيم عليه السلام ابنه الصغير وأخذ رأيه بقوله {مَاذَا تَرَى؟}، وهذه لفتة تربوية مهمة بأن نتحاور مع أبنائنا حتى في الأمور المسلمة والمفروضة التي أمرنا الله بها؛ لأن الأبناء وخاصة في سن المراهقة يرون الحوار معهم احترامًا وتقديرًا ولا يحبون ويكرهون الفرض والإجبار.

 

لقمان وولده

لقد اشتملت نصائح لقمان الحكيم لابنه على أصول التربية القويمة التي تحاول المناهج التربوية السير على نسقها مع الأبناء.

لقد كانت نصيحة لقمان التربوية لابنه صورة صادقة، خالية من الشبهة، بعيدة عن الأغراض المصلحية، تحمل في طياتها كل معاني الإصلاح، ومرتكزات التربية السليمة، وهي تدل على العمق التربوي عند قائلها، كما تدل على المعرفة العميقة للنفس البشرية، وما يدور فيها من خواطر وأحاسيس، وما ينازعها من قضايا ونوازع.

جاء حوار لقمان مع ابنه ليعطي أفضل الصور في الاقناع بالفكر والوعي، ونبذ الإكراه المشين، والتلقين المبهم، لأن الفرد الموجه الذي يقع تحت سيطرة الإكراه الفكري أو التلقينات الضاغطة هو فرد ضائع مشتت لا يحمل من العقل إلا اسمه.

يقول أحمد مصطفى القضاة: ونلاحظ صورة هذا الأصل التربوي العظيم في ثنايا كلام لقمان لابنه وهو يعرض عليه قضايا الوجود، وسلوكيات الحياة، بما يتناسب مع شخصية الابن الموجَّه، وثقافة زمانه، وبأمثلة فكرية من واقع الحياة تتلاءم مع مستوى الابن الذهني.

لقد استطاع لقمان أن يصل بما يريد مع ابنه بأسلوب راقٍ في الاقناع والحوار، كما اهتم بكل القضايا التي تهم كل إنسان في حياته الدنيوية والأخروية، بل حرص على ترقية الصفات الشخصية فيه حينما قال: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}، {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} (لقمان: من الآية 18 – 19).

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم