Business

دور الأسرة في التربية الوجدانية

الأسرة هي المدرسة الأولى للتعلم الوجداني السوي، حيث يتعلم الأبناء كيف يشعرون بأنفسهم، وكيف يستجيب الآخرون لمشاعرهم وعواطفهم وانفعالاتهم، وكيف يحددون اختياراتهم كرد فعل لهذه الاستجابات، هذا التعلم لا يتوقف فقط على ما يقوله ويفعله الآباء مباشرة مع الأبناء، بل أيضًا ما يقدمونه لهم من نماذج في كيفية تعاملهم معهم، وكيف يتبادلون المشاعر هم أنفسهم فيما بينهم.

استهدفت دراسة: «الخطاب التربوي الأسرى وتحقيق التربية الوجدانية للفرد»، التي أعدتها الدكتورة زينب حسن حسن، لنيل درجة الدكتوراة بكلية البنات- جامعة عين شمس، بيان دور الأسرة في تأصيل وتحقيق التربية الوجدانية للفرد على أسس علمية صحيحة وعلى قواعد الثوابت القيمية الوجدانية السليمة، وذلك في ضوء الخطاب الوجداني الأسرى للفرد.

 

أسس الخطاب التربوي الوجداني الأسري للفرد

تأسيس العقيدة في وجدان المسلم

لا شك أن تأسيس العقيدة السليمة عند الفرد منذ الصغر أمر بالغ الأهمية وبالغ السهولة في الوقت نفسه، ومما يساعد على تحقيق ذلك اتباع الوالدين الوصايا التربوية التالية:

  • الإجابة عن تساؤلات الابن الدينية بما يتناسب مع سنه ومستوى إدراكه وفهمه وإعطاء تفسيرات مناسبة صحيحة، وإيقاظ وعيه بقدرة الله تعالى.
  • محاولة ذكر اسم الله تعالى من خلال مواقف محببة سارة، فمثلًا: إذا لبس الجديد حمد الله.
  • الاعتدال في الأوامر الموجهة للابن، وعدم تحميله ما لا طاقة له به.
  • تجنب الحديث عن غضب الله وعذابه، والنار بشاعتها، ولكن يجب البدء بالترغيب بدلًا من الترهيب، وبذلك ينمو الشعور الديني عند الابن على معاني الحب والرجاء والتقرب إلى الله، وتعويده على دعاء الله وشكره على نعمه.
  • غرس حب الرسول ﷺ في وجدان الأبناء، وذكر شمائله.
  • بيان الفرق بين الحلال والحرام للابن، والفرق بين الأعمال الصالحة والأعمال السيئة.
  • ينتهز المربي حادثة ما أو مرور موقف بأبنائه، فيعطيهم التصرف السليم في مواجهته، مقتديًا في ذلك برسول الله ﷺ حين كان يربي أصحابه تربية وجدانية عظيمة.
  • تعليم الأبناء عقيدة الإيمان بالقدر خيره وشره، فالعمر والرزق مقدر فلا يسأل إلا الله، وتعليمهم أن المال مال الله ونحن مستخلفون فيه، والإجابة على استفساراتهم في هذا الأمر بطريقة مبسطة ومقنعة.
  • تعويد الأبناء على حسن الخلق، حيث لا قيمة لإيمان بلا خلق حميد، وبدون الخلق الكريم تصبح العبادات مجرد حركات لا قيمة لها.
  • تغذية النزعة الجمالية في نفوس الأبناء عن طريق مصاحبتهم إلى الريف والبحر والجبل والمنتزهات، ليتسرب في قلوبهم جمال الطبيعة وقدرة الخالق.
  • التحذير من الكذب والسب واللعن والكلام البذيء، والميسر والخمر، وقراءة المجلات الخليعة والقصص الجنسية والبوليسية وغيرها، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات المشينة التي تحث على الانحلال الأخلاقي والاستهانة بالذنوب.

ممارسة الشعائر الدينية

بناء العبادة يعد مكملًا لبناء العقيدة، إذ العبادة تغذي العقيدة بروحها، كما أنها تعكس صورة العقيدة وتجسمها في سلوك الفرد المسلم، فالدين ليس مجرد شهادة ينطق بها الإنسان، وليس مجرد مناسك وشعائر، إنما الدين عاطفة تتبع من أعماق النفس البشرية تدفع الإنسان إلى حسن معاملة الآخر، والرسول ﷺ يقول: «الدين المعاملة»، ولا بد أن يرى الأبناء ذلك في سلوك الآباء مع الأقارب والجيران وغيرهم، وهذا يؤثر عمليًا في تربيتهم وجدانيًا بشكل صحيح.

غرس القيم الوجدانية في وجدان المسلم

تمثل القيم جانبًا مهمًا من جوانب التربية الوجدانية التي يشعر أعضاء الأسرة نحوها بالارتباط الوجداني القوي، كما أنها توفر لهم مستوى الحكم على الأفعال والأهداف الخاصة، باعتبارها موجهة وضابطة للسلوك الإنساني، وتؤدى دورًا مهمًا في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، وتساعد في إعطاء المجتمع وحدته وحمايته.

وتتفرد القيم الوجدانية بخصائص تجتمع فيها بأكثر مما تجتمع في سواها من القيم منها: الأصالة، والثبات، والمثالية، والعملية، والاستمرار، والالتزام، والمسئولية، والتوازن؛ وكلها مجتمعة تعتبر عناصر إيجابية في التأصيل للقيم الوجدانية في الفرد والمجتمع.

ومن أهم القيم الوجدانية التي لها تأثير في نجاح الفرد وتقدم المجتمع، والتي ينبغي أن تحظى باهتمام الأسرة وتسهم بدور كبير في تكوينها وترسيخها في وجدان أبنائها منذ الصغر ما يلي: قيمة الإيثار، والحب، والإحسان، وسلامة الصدر من الأحقاد، والتواضع، والحياء، والتسامح، والشجاعة، والوفاء بالعهد، والإخلاص، والتعاون، والاعتدال، والأمانة، والصدق، والعفة، والإخلاص.

 

سبل غرس وترسيخ القيم في وجدان الأبناء

  • ربط قيم الأسرة وأبنائها بالقرآن الكريم والسنة النبوية.
  • تهيئة المواقف الأسرية التي تمكن الأبناء من ممارسة القيم المراد تعميقها في وجدانهم.
  • تقديم القدوة الصالحة من الأبوين.
  • تدعيم العلاقات الودية بين أفراد الأسرة، وإتاحة الفرصة للحوار والمناقشة وحرية التعبير.
  • تعليم الأبناء التعاليم الدينية والفضائل الخلقية.

 

غرس حب المشاركة في وجدان المسلم

لكي يغرس الأبوان حب المشاركة في وجدان المسلم لا بد من معايشة الفرد لنماذج من المشاركة داخل الأسرة، ومن أمثلة هذه النماذج ما يلي:

  1. المشاركة في قرارات الأسرة: عندما يشارك الأبناء في القرارات التي تُتخذ في بعض الأمور الأسرية والتي تتعلق بهم مثل: كيفية قضاء العطلة الصيفية، أو عطلة نهاية الأسبوع، أو ترتيب الغرف الخاصة بهم، أو تنظيم رحلة جماعية عائلية.. مثل هذه الأمور ترسخ في الأبناء حب المشاركة في جميع الأعمال، وتزيد الثقة في أنفسهم وقدراتهم، ومن ثم يشاركون مستقبلًا في حل مشكلات مجتمعهم بطريقة بناءة.
  2. مشاركة الأب للأم في الأعمال المنزلية: فرؤية الأبناء بأن أبيهم يشارك أمهم في عملها داخل المنزل من شأنه أن ينمي فيهم اتجاه إيجابي نحو حب المشاركة والعمل التعاوني.
  3. مشاركة الأبناء الأم في الأعمال المنزلية: فعلى الأم أن تطلب من أبنائها مساعدتها في بعض الأعمال المنزلية المناسبة لسنهم، أن معايشة الأبناء وممارستهم المشاركة تأصل في وجدانهم حب المشاركة.
  4. مشاركة الأبناء في حل مشكلات الأسرة: على الوالدين عقد حوارات وجلسات نقاشية- بحضور الأبناء- والتحدث معهم عن بعض مشاكل الأسرة بصورة تناسب سنهم، ويتلقى الوالدين استجاباتهم وحلولهم لهذه المشاكل بمزيد من الاهتمام واحترام مقترحاتهم، فهذا السلوك العملي يرسخ في وجدان الأبناء حب المشاركة.
  5. مشاركة الآباء في بعض الأعمال التطوعية: التي تخدم العائلة والحي والمجتمع، مثل: حل النزاعات في العائلة، وتشجير الحي والمحافظة على نظافته، ومشروع محو الأمية، وإغاثة المحتاجين، وغيرها من الأعمال التي يراها الأبناء بأنفسهم.

 

فوائد الالتزام بالقيم الوجدانية الإسلامية في حياة الفرد والمجتمع

  • ضبط عمليات التغيير الاجتماعي

تعد القيم الوجدانية الأساس في أية محاولة للتغيير والارتقاء الاجتماعي والثقافي والاقتصادي؛ لأنها ترتبط بالأفراد في عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وسلوكهم، والذين يقع عليهم عبء الضرر من عدم الالتزام بها، ونحن بحاجة إلى تنقية واقعنا الثقافي والفكري، والعودة إلى منظومة القيم الإسلامية، حتى يمكن التحرر من التخلف، وتحقيق التغيير الاجتماعي المنشود.

  • الحفاظ على ثقافة المجتمع

تعد القيم الوجهَ البارز لثقافة المجتمع، وأي فكر مهما كان علميًا وتقدميًا لا يستطيع الارتقاء بالأمة ما لم يكن مرتبطًا بمنظومة قيم، تتمتع بإيجابيتها ونفعيتها، بشكل يجعلها حافزة وضابطة للسلوك الاجتماعي المنظم والفعال، لذا فإن القيم الوجدانية الإسلامية تحفظ على المجتمع تماسكه وترابطه ووحدته، حيث تحدد له أهداف حياته ومثله العليا ومبادئه الثابتة المستقرة التي توفر له الأمن والثبات والاستقرار اللازم لممارسة حياة اجتماعية سليمة.

  • إحداث التقدم داخل المجتمع

عندما تسود القيم الوجدانية بين أبناء المجتمع فإنها تؤدى إلى تقدمه وورقيه وقدرته على التحول السريع الذي يمكنه من تحقيق أهدافه العليا، ذلك أن تلك القيم تجعل أفراده الذين يتمسكون بها مدفوعين نحو العمل المبدع والخلاق، متضامنين فيما بينهم، ومتآخين في السراء والضراء ومخلصين في المهام والواجبات التي يقومون بها، مما يمكن ذلك المجتمع من إنجاز ما يخطط له بأسرع وقت ممكن وبأقل قدر من التكاليف المادية.

  • مواجهة سلبيات القيم الوافدة

للقيم الوجدانية أهمية كبيرة في مواجهات سلبيات القيم الوافدة، تلك التي تنشأ نتيجة الظروف والتحديات الصعبة التي يواجهها المجتمع، أو تكون وافدة من الخارج عن طريق حملات الغزو الثقافي الغربي مثلاً، وأيًا كان مصدرها فإنها تؤدى إلى تفكك العلاقات الإنسانية، وضعف وحدة الجماعات الاجتماعية، وبالتالي عجزها عن تحقيق أهدافها القريبة والبعيدة، فضلاً عما تحدثه من تصدع في جوانب الشخصية الإنسانية وتشويه عناصرها الأساسية، إضافة إلى توفير أجواء الصراعات والفتن والقلاقل والانقسامات بين الأفراد والجماعات، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع وتصدع كيانه الاجتماعي والحضاري.

  • المساهمة في اختيار السلوك المناسب

أكدت الدراسات التي أجريت لمعرفة أثر القيم على اختيار السلوك المناسب، على أن الفرد يختار البديل الذي يتفق مع قيمه الشخصية الراسخة في وجدانه من بين البدائل المطروحة، وأيضًا كرد فعل لعاطفة الشخص تجاه بعض المواقف، فالتمسك بالقيم الوجدانية: كالإيثار، والحب، والصدق، واحترام الآخرين، والتسامح والعدل... وغيرها يؤدى إلى إشباع الحاجات الوجدانية للفرد والتي لا تقل أهمية عن الحاجات الفسيولوجية، فالقيم الوجدانية التي يتبناها الأفراد، حوافز مهمة دافعة لسلوكهم الإيجابي في المجتمع، فعندما يؤدي الفرد سلوكًا معينًا أو يختاره، فإنه يفعل هذا وفي ذهنه أن هذا السلوك إنما يتفق مع قيمةٍ يؤمن بها، ولاشك أن كل هذه الآثار إنما تؤكد أن غرس القيم الوجدانية من الدعائم الأساسية للتربية الوجدانية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم