تنبثق أهمية الحوار من كونه وسيلة للفهم والتواصل، فهو طريقة للتفكير الجماعي والنقد التفكيري الذي يمكن أن يولد أفكار جديدة.
وفى هذه الدراسة، ترى الباحثة طيبة عمر محمد العمودي، أن للحوار قيمة يستمدها من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساسا إلى مبادئ الدين، وهو أصل من الأصول الثابتة للحضارة العربية وهو الذي يعتمد على أسس سليمة ووسائل نظيفة ويهدف إلى غابات نبيلة.
والحوار إن لم ينجح في حسم الخلاف بترجيح رأي معين فإنه يُقّرب وجهات النظر، ويضيق هوة الخلاف، بل يعمل على تحديد الخلاف وحصره في حيز ضيق، فالخلاف أمر فطري والحوار نوع من المشورة بين المسلمين.
الحوار وسيلة المعلم والمتعلم
يعد الحوار وسيلة المعلم والمتعلم للتعبير عن وجهات نظرهم وآرائهم وإيصال مقترحاتهم بهدف إيجاد فهم مشترك وتحقيق الفائدة المرجوة، فالحوار من أنجح وأفضل الأساليب التربوية التي تقوم على الإيجابية الودية بين المعلم والمتعلم، حيث يتمكن من الرقي بالمتعلم ومعالجة مشاكله، فالحوار مهم في غرس الثقة بين التلاميذ وتشجيعهم على الاستقلالية وتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات؛ والمعلومات التي يستقيها المتعلم من خلال التحاور هي أكثر ثباتا.
وتزداد حاجة الأفراد إلى الحوار البنّاء لمواجهة التحديات القائمة في العصر الحالي، حيث يتعرض التلميذ لسيل من المعلومات والأفكار والثقافات، فتنمية مهارات الحوار تمكن التلاميذ من اتخاذ موقف إيجابي بدلا من الانسياق التام وراءها أو رفضها.
فهذه الطريقة وهذا المنهج له فوائد جمة منها: ترسيخ المعلومات في أذهان الطلاب، وتعويدهم التفكير والاكتشاف، وإعطاء الطالب الثقة في نفسه لاشتراكه في الحصول على المعلومات، ودفعه إلى مزيد من التعلم.
ومن فوائدها تنمية العقل وملكة التفكير من خلال استخدام المعلم لأساليب عدة من الحوار بغرض تنمية التفكير المنطقي في الأسباب والمسببات، وأساليب حل المشكلات، وتربية العقل على التفكير المنظم بطريقة حوارية متكاملة من أفضل طرق التعليم وهو ما توصلت إليه التربية الحديثة ولكن التربية الإسلامية قد سبقتها بقرون، فالحوار قد ذكر في القرآن كما ذكر سابقا.
ومن خلال الحوار يستطيع المعلم أن يكتشف شخصيات الطلاب ويتعرف على سماتهم فيعرف الموهوب والخجول وغيره، فالمعلم يتعرف على خصائص طلابه ويصبح عالما بقدراتهم ومحاولا استغلال تلك القدرات قدر الإمكان.
الحوار في التربية الإسلامية
والمربين المسلمين قد اهتموا بأسلوب الحوار في التدريس واعتبروه مجديا في التعليم، يقول الزرنوجي: «إن قضاء ساعة واحدة في المناقشة والمناظرة أجدى على المتعلم من قضاء شهر بأكمله في الحفظ والتكرار».
والرسول ﷺ هو قدوتنا وأسوتنا، فقد كان مستشعرا لأهمية الحوار وهذا كان نهجه مع أصحابه وكثيرًا ما كان يبدأ حواره بصيغة السؤال لقوله ﷺ: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار».
كيفية تفعيل الحوار بين المعلم والمتعلم؟
- حسن الخلق، وأهمها التواضع لأن ذلك له دور كبير في تقبل المتعلم للمعلم وتأثره به.
- الحلم والصبر وهذه من الآداب الضرورية التي يجب أن يتحلى بها المعلم.
- الاستزادة من العلم: فالمعلم لا يكتفي ما لديه من العلم بل عليه أن يحاول جاهدا في أن يزيد من علمه.
- الرحمة والشفقة بالمتعلم: فالله يخبر نبيه ﷺ بأنه أرسله إلى المشركين المعاندين ليكون رحيما بهم، فمن باب أولى أن تكون الرحمة لهؤلاء الذين يطلبون العلم، قال تعالى: {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
- حسن الاستماع: كما أن للكلام آداب كذلك للاستماع آداب، فلا بد أن يتقن فن الاستماع.
- الهدوء والثقة بالنفس: الطريقة الحوارية لابد أن تتم في جو يسوده الهدوء، ولا يقتصر على ذلك فقط، بل يجب أن يتحلى كذلك المعلم بأن يكون هادئا واثقا من نفسه.
- احترام المعلم للمتعلم: كما أن من حق المعلم أن يحترمه المتعلم، كذلك من حق المتعلم أن يحترمه المعلم.
- الإلمام والاطلاع على كل ما له علاقة بالحوار كأسسه وآدابه والطرق المناسبة لتطبيقه.
- استغلال الأفكار والحلول والمقترحات من قبل المتعلم وتوظيفها وإشعاره بقيمتها حتى يحدث التعزيز والثقة بالنفس.
- المرونة في الحوار حسب المواقف.
- إثارة الحماس لدى الطلاب وإعطاء كل الأفراد حق التحاور مع احترام وجهات النظر.
- في الحوار الجيد لابد أن يتكلم الطالب أكثر من المعلم بتخطيط مسبق من المعلم على أن يتم تبادل الأفكار.
- مراعاة الفروق الفردية فعلى المعلم إذا أراد أن يكون كلامه مؤثرا في تلاميذه ومقنعا لهم لابد أن يدرك أن عقول الناس تتفاوت.
.