أوجبت الشريعة الإسلامية على الآباء أن يُحسنوا تربية أبنائهم ورعايتهم، وحرَّمت تضييعهم وتضييعَ حقوقهم، وشرعت الكثير من الأحكام لحفظ الأبناء، والله- تعالى- أوجب على الوالد أن يقيَ أهله من النار، وما يكون ذلك إلا بالتربية الصالحة.
وفى دراسة للباحث عبدالعزيز سالم شامان الرويلي، أبرز حث الله- تعالى- للآباء على تربية أبنائهم وأهليهم تربيةً إيمانية، نابعةً من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ من أجل المحافظة عليهم في الدنيا من الانحرافات والفتن، وفوزهم في الآخرة برضوان الله، وبُعْدهم عن سخطه وغضبه.
الأنبياء قدوتنا
ضرب لنا أنبياءُ الله أعظم مَثَل في سعيهم المستمر لتأديب أبنائهم، وعلِموا أنهم قدوة متبعة لأبنائهم ولكل البشر؛ فكانوا كبارًا بهِمَمهم، وبنَوا مجدهم بأنفسهم، وعلَّموا أولادهم ألا يفتخروا بنسب أو بعِرْق، بل معيار التفاخر هو هممهم الموصلة إلى مرضاة الله.
قال- تعالى-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124]، وهذه أفضلُ درجة تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام شمَّر إليه العاملون، وأكملُ حالة حصَّلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، وحرَص إبراهيم- عليه السلام- على تربية أبنائه على هذا المبدأ العظيم، الذي هو التوحيد، وذلك في دعواته: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35]، وفي موضع آخر: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128]، فكان هذا أسلوبَ إبراهيم- عليه السلام- في تربية أبنائه، فأول أمر هو الأهل والأولاد، فصب همتَه على إصلاحهم ودعوتهم، فكان هذا الأسلوب وتلك الوصايا الميمونة في عقِبه ونسله، فكل واحد من أبنائه كان موحِّدًا يعبد الله ويُربِّي على ذلك ولَدَه، ويحذِّرهم من الشرك بالله.
وقال- تعالى-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ..} [لقمان: 13].
تبيِّن لنا هذه الآيات همةَ لقمان- عليه السلام- العالية، وكيف جعلها في ابنه، وصبَّ جلَّ همه على تربيته، بأسلوب رقيق، فيبدأ بنصحه بتوحيد الله بأوامر إيمانية متسلسلة مبدوءة بالصلاة، أول شعيرة من شعائر الإسلام أُمرنا بتعليمها أولادنا.
أهم المجالات التربوية
أولًا: المجال العَقَدي
الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تحمل على عاتقها تربيةَ الأبناء؛ فهي تتولى تشكيل المعتقد والقِيَم والأفكار؛ قال ﷺ: «ما مِن مولُودٍ إلا يُولدُ على الفِطرةِ، فأبواهُ يُهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسانِهِ..»، فمن الواجب على الأسرة المسلمة أن تعمِدَ إلى ترسيخ المفاهيم العقدية لدى أبنائها منذ السنوات الأولى، وترضعه العقيدة كما ترضعه الحليب؛ فالتربية العقائدية السليمة لها دور كبير في تربية الطفل المسلم، وإكسابه المناعة اللازمة ضد الأفكار والعقائد المنحرفة.
ثانيًا: المجال الأخلاقي
اهتم الإسلام بالأخلاق، واعتبرها الأساس الذي تستند إليه كلُّ المعاملات الإنسانية، وقد أثنى الله- عز وجل- وامتدح نبيَّه ﷺ بقوله- سبحانه وتعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقد وجَّه النبيُّ ﷺ الآباءَ إلى ممارسة دورهم التربوي الأخلاقي؛ فالأسرة مأمورة أن تُعوِّد أبناءها السلوك الأخلاقي، وتعديل السلوك الذي يتنافى مع الأخلاق الإسلامية بالممارسات والإجراءات التي يمكن إجمالها فيما يلي:
- ترسيخ خُلق الأمانة في نفوس الأبناء؛ حيث إن الإنسان وحده هو المؤهَّل لحمل الأمانة، وهذه التبعة الثقيلة هي مناط التكريم الذي أعلنه اللهُ في الملأ الأعلى، وعليه أن ينهض بتلك الأمانة؛ حتى يصل إلى مقام كريم؛ قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
- غرس خُلق الصبر في أنفسهم؛ وذلك أسوة بالنبي محمد ﷺ الذي أُوذي في مكة، وهجر بيته ووطنه، وحُوصر في شِعب أبي طالب، وبيان أجر الصابرين؛ قال تعالى: {... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
- تعليمهم خُلق الصِّدق؛ فالمسلم صادقٌ ظاهرًا وباطنًا، وقولًا وفعلًا، فإن الصدق أصلٌ من أصول الأخلاق، وهو المحك لمعرفة درجة الإيمان.
ثالثًا: المجال الاجتماعي
ويمكن إجمالُ دَور الأسرة في هذا المجال من خلال ما يلي:
- تعليم الأبناء ردَّ السلام، لِما فيه من شيوع المحبة والتآلف في الأسرة والمجتمع ومواطن الرباط.
- تعويد الأبناء على آداب الاستئذان داخل البيت قبل البلوغ وبعده.
- لفت انتباههم إلى غض البصر عن المحرَّمات؛ إذ لا بد للحياة من ضوابطَ مع الفرد؛ فالإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تهيج فيه الشهوات كل حين.
- ربط الأبناء بالصحبة الصالحة، فللصحبة أثرٌ بالغٌ في نمو الطفل النفسي والاجتماعي.
رابعًا: المجال النفسي والوجداني
ويمكن إجمالُ دور الأسرة في هذا المجال من خلال:
- إرواء الحاجة إلى الحب والحنان، قال ﷺ: «إن الله إذا أراد بأهل بيت خيرًا، أدخل عليهم الرفق».
- غرس حسن الظن بالله، والتوكل عليه، وكذلك الثقة بالنفس، وتعويدهم على حمل المسؤولية.
- تحذير الأم لأبنائها من التكبُّر والخيلاء، إلا أمام صفوف الأعداء.
- إرواء حاجة الأبناء في الملاطفة والممازحة؛ فعن أنس قال: كان النَّبيُّ ﷺ أحسنَ الناسِ خُلُقًا، وكان إذا جاء قال: «يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟».
.