Business

أبو العربي مصطفى يكتب: يوسف هواش وعبدالفتاح إسماعيل لماذا أُعدما؟

شُهدا لهما بالجهاد والتضحية، والثبات حتى الممات، لم يداهنا، ولم يتنازلا عن الثوابت والمبادئ، وتركا مواقف تربوية حية، كانت نبراسًا لمن جاءوا بعدهم، وعملوا من أجل دينهم، فقد أعادوا كثيرًا من سير الصالحين في تربيتهم وأخلاقهم.

قال الإمام الشهيد حسن البنا: إذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة، وما الأمة إلا مجموعة من أسر وأفراد.

ويقول الشهيد سيد قطب: عندما نعيش لذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود! أما عندما نعيش لفكرة؛ فإن الحياة تبدو طويلة عميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية، وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض.

على هذا المنهج تربى الشهيدين محمد يوسف هواش وعبد الفتاح عبده إسماعيل.

 

رحلة شهيدين

ولد محمد هواش في عام 1923م في قرية كفر الحمام، موطن والده، حيث تربى فيها وحفظ القرآن، والتحق بمراحل التعليم حتى تخرج في مدرسة طنطا الصناعية، وعمل في بداية حياته كمراجع صرف طلمبات بالجمعية التعاونية للبترول، ثم عمل بعد ذلك في الشبراويشي، وظل به حتى تركه قبل اعتقاله بفترة.

ويكاد يكون صديقه عبد الفتاح عبده إسماعيل من جيله، حيث ولد في 1925م بعزبة أبو إسماعيل، التابعة لقرية السواحل، والتي تتبع مركز كفر البطيخ محافظة دمياط.

 

على طريق دعوة الإخوان

هما على طريقها منذ أن انطلق وهج دعوة الإخوان المسلمين، لينير الطريق أمام كثير من الحيارى الذين كانوا كالغرقى ويحتاجون لطوق النجاة في الحياة التي كانت بدون هدف ولا غاية لهم.

لقد تلقف الشباب هذه الدعوة بقلوب حيه، ووجدوا فيها كل ما يعينهم فأفرغوا طاقتهم فيما يرضى الله وكان من هؤلاء الشباب الشهيدين محمد هواش وعبد الفتاح إسماعيل اللذين أصهرت هذه الدعوة قلبيهما، فخلقت منهما رجالًا ضحوا بكل غالٍ وثمين في سبيلها حتى قدّما أرواحهما لها فداء.

الفارق أن يوسف هواش أكمل تعليمه لكن الشيخ إسماعيل اكتفى بالثانوية الأزهرية وانطلق بعدها ليكون التاجر السمح إذا باع وإذا اشترى.

التحق هواش بدعوة الإخوان عام 1945م في طنطا قبل أن ينتقل للقاهرة، كما كان إسماعيل قريبًا من الإمام البنا، فتقول زينب الغزالي عنه: قدّمه لي أخي قائلًا: الأخ عبد الفتاح إسماعيل، كان من أحب شباب الإخوان إلى الإمام الشهيد حسن البنا، كان فضيلة المرشد يحبه ويؤثره وله فيه ثقة مطلقة، وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتى تعرفيه.

 

التربية الحية

لقد ترك الشهيدان مواقف تربوية حية، كانت نبراسًا لمن جاءوا بعدهم، وعملوا من أجل دينهم، فقد أعادوا كثيرًا من سير الصالحين في تربيتهم وأخلاقهم، منها:

1- الثبات حتى الممات

لقد تعمقت الفكرة في وجدان الشهيدين، وأصبحت تملك عليهما كيان حياتهما، ولذا ثبتا في سبيلها، وضحوا من أجلها، ولم ينتظروا مغرمًا ولا مغنمًا من أحد.

فقد كان هواش يسكن مع زوجته الحاجة فاطمة عبد الهادي في نفس المنزل الذي يسكن فيه السادات، فكان كل أفراد الحراسة يعرفونه، وحينما بدأت المحنة بعد عام 1954م توجهوا للقبض عليه لكن رجال الحراسة نبهوه فهرب، وحينما قُبض عليه بعد أقل من عام ظل ثابتًا ولم يقبل وساطة أحد، وحكم عليه بخمسة عشرة عامًا قضاها في المستشفى لمرضه، وخرج من مصحة السجن في أغسطس سنة 1964م بموجب عفوٍ صحيٍّ.

أيضًا الشهيد إسماعيل قال عنه أحد رفاقه في السجن: أستطيع أن أشهد شهادةً يحاسبني الله عليها أن الشهيد عبد الفتاح إسماعيل كان من أصلب الإخوان المسلمين- الذين دخلوا السجن الحربي- إرادةً، إن لم يكن أصلبهم على الإطلاق.

وقال عنه جابر رزق: لقد رأيته عدة مرات في مكتب شمس بدران ممزقَ الوجه والكتفين وممزقَ الأقدام مكسور الذراع مكسور الساق.

2- التضحية في سبيل دعوته

لم يعطِ أحدٌ منهما الأولوية لصحته– خاصة بعدما أنهكهما المرض– فحرص كل واحد منهما على بذل أكبر مجهود من أجل البلوغ بدعوتهم لكل فرد، في ظل رعبٍ وخوفٍ الناس، من سطوة وبطش عبد الناصر ونظامه، فكان الشهيد عبد الفتاح هو «دينامو» تنظيم سنة 1965م، وكان له دورٌ كبير في توحيد الإخوان من الإسكندرية حتى أقاصي الصعيد، وكان يُضرب به المثل في القدرة على الحركة، حتى قيل إنه كان يصلي الأوقات الخمسة في خمس محافظات!

وكتب هواش لابنته خطابًا قبل التنفيذ جاء فيه: الإسلام يا سميتي الحبيبة إسلام النفس والوجه والأمر كله، أمر الدنيا والآخرة لله رب العالمين، وهذا الحق مركوز في فطرة الإنسان من أول الخلق، بل في فطرة الوجود كله، سمائه وأرضه، وما بينهما، وكل شيء شاء الله بعد.

3- إخوة وصفاء

كان هواش وإسماعيل مثالًا حيًّا للأخوّة الحقيقية التي جمعت بين هؤلاء، حتى أن عبد الناصر غاظه ذلك، وكيف أن الإخوان أعادوا تكوينهم مرة أخرى رغم الحصار الشديد عليهم، مما زاد من اضطرابه ورغبته الملحة في القضاء على روابط الأخوة التي جمعت هذه الصفوف.

لقد ملك كل واحد منهما بصبره العجيب القلوب، حتى قلوب جلاديه، فلقد كان ضباط الحربي يقولون للشيخ عبد الفتاح: والله إن هذه البلد لا تستحقك، فأنت درة ضائعة في مصر.

4- فزت ورب الكعبة

وقف الجميع أمام محكمة ظالمة، يعرفون مسبقًا الأحكام الجاهزة، فضربوا أروع الأمثلة التي جعلت قاعة المحكمة– بل كل كيانات العالم- تهتز لهذا الثبات، فما إن نطق الدجوي بالأحكام على الشهداء الثلاثة، حتى قال قطب: الحمد لله، لقد جاهدت مدة خمسة عشر عامًا حتى نلت هذه الشهادة، وقال الشيخ عبد الفتاح: فزت ورب الكعبة.

وتقول الحاجة فاطمة عبد الهادي: حُكم على زوجي محمد يوسف هواش بالإعدام مع الشهيدين سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل، وحضرتُ الجلسة الأخيرة، وسألت الشهيد سيد قطب: هل سينفذون حكم الإعدام؟ فرد عليها: إن كنا أهلًا للشهادة سينفذون، وإن لم نكن أهلًا لها لن ينفذوا.

العجيب أن يقول شمس بدران: اتفقت مع الرئيس عبد الناصر أنه بعد صدور الأحكام في القضية يخفف أحكام الإعدام، وقد تألمتُ جدًّا لإعدام هواش؛ لأنه من واقع التحقيقات لم يشترك في أي اجتماع للقيادة، وأقصى ما يمكن أن يُتهم به هو أنه «علم ولم يبلغ».

وقلت للمشير: لا بد أن أكلم الرئيس في موضوع هواش؛ لأنه لا يستحق الإعدام.

قال لي المشير: لا داعي حتى لا يؤنب الرئيسَ ضميرُه.

وهكذا رزق الله هواش الشهادة مع صاحبيه، وتم تنفيذ حكم الإعدام صباح 29/8/1966م الإثنين 12 جمادى الأول 1386 هـ.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم