في زمن تعددت فيه النظريات والاتجاهات التربوية، غفلت أمة الإسلام خاصة والبشرية عامة، عن معين لا ينضب من المبادئ والقيم والأفكار التي جاء بها المنهج الرباني الذي تجسد في أقوال وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي أخرج جيلاً متميزًا من الصحابة أصبحوا علماء وقادة للبشرية، فكانوا خير طلاب لخير معلم تصديقًا لقول الله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}.
وفى هذه الدراسة التي أعدّها الباحث سليمان إبراهيم الهباهبة، يقتصر الحديث هنا على خصائص وواجبات المعلم، ومنها:
- إخلاص العلم والعمل لله: إن تأسيس وغرس مبدأ إخلاص العمل والعلم لله أمر عظيم، لم يُعطه كثير من المربين والمعلمين ما يستحق من اهتمام، ولذا ذهبت كثير من الجهود هباء منثورا، لأنه لم يقصد فيها وجه الله، وكان الهدف منها نيل منصب أو جاه أو الرضا والثناء، فعلى المعلم والمتعلم أن يحرصا ويجاهدا على إخلاص النية لله تعالى ابتغاء للثواب والأجر من الله تعالى، وإن حصل بعد ذلك مدح أو ثناء أو إعجاب من الناس فذلك فضل من الله.
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه-قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيامَةِ عليه رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ... ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ، وعَلَّمَهُ وقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَها، قالَ: فَما عَمِلْتَ فيها؟ قالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ، وعَلَّمْتُهُ وقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قالَ: كَذَبْتَ، ولَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ العِلْمَ لِيُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقالَ: هو قارِئٌ، فقَدْ قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحِبَ علَى وجْهِهِ حتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ...».
- صدق المعلم: فصدق المعلم يكسبه ثقة المتعلم واحترامه.
- مطابقة القول العمل: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (1) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.
- تحلي المعلم بالأخلاق الحسنة انطلاقًا من كونه قدوة: إن الناس لديهم حاجة نفسية إلى أن يشبهوا الأشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم. والرسول صلى الله عليه وسلم كان أطيب الناس روحًا ونفسًا، وكان أعظمهم خلقًا {وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
- حسن هيئة المعلم: جعل الله سبحانه وتعالى دين الإسلام دين طهارة وجمال، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال».
- الرفق بالمتعلم والإحسان إليه: وهو مطلب تربوي مهم، لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
- العدل والمساواة: قال تعالي: {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
- تواضع المعلم: التواضع خلق حميد، يضفي على صاحبه إجلالاً ومهابة.
- شجاعة المعلم: وأما الشجاعة المقصودة هنا، فهي شجاعة الكلمة، والاعتراف بالخطأ والقصور البشري، وهذا لا يكاد يسلم منه أحد، أما التدليس، والجبن، والمراوغة فليست أمورًا محمودة، ويحسن بالمعلم أن ينأى عنها ولعل الصورة تتضح بعد تأمل الأمثلة.
- مزاح المعلم مع تلاميذه: وردت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في مداعبته لأهله، ومزاحه مع أصحابه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله! إنك تداعبنا. قال: «نعم، غير أني لا أقول إلا حقًا».
- الصبر واحتمال الغضب: وهي منزلة رفيعة لا ينالها إلا ذوو الهمم العالية، والنفوس الزكية. والغضب هو ثورة في النفس، يفقد فيها الغاضب اتزانه، وتنقلب الموازين عنده، فلا يكاد يميز الحق من الباطل، وهي خصلة غير محمودة، إلا ما كان منها غضبًا لله.
- تجنب الكلام الفاحش البذيء: الفحش في القول، والسباب، والسخرية من الآخرين، خصال ممقوتة، تلفظها النفوس، وتشمئز منها الطباع، وتنأى عنها النفوس الكريمة. والمعلم يفترض فيه أنه قدوة يقتفى أثره، ويسلك سبيله. فإن اتصف المعلم ببعض هذه الخصال فهي نقيصة وأي نقيصة، وإن اجتمعت في معلم فهي طامة كبرى.
- حرص المعلم على الازدياد من العلم: تعد مواصلة العلم والاستزادة الدائمة من المعارف من أهم مسئوليات المعلم، لتكوين شخصيته ومواكبة تطور البحث العلمي، وهذا ما عناه البخاري بقوله في الباب (ما جاء في العلم): قال سعيد بن جبير: «لا يزال الرجل عالمًا ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون».
.