أبو العربي مصطفى يكتب: البنا.. وقضية المساواة بين الجنسين في الميراث

«والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في معرفة أحكام الإسلام» بهذه الكلمات وضع حسن البنا منهجية الإخوان في فهم الإسلام، ومن خلال هذين المرجعين ربى حسن البنا إخوانه ودعا الأمة إلى التمسك بهما، وذلك لما جاء تأكيدًا لحديث رسول الله ﷺ الذي ورد عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: «تركتُ فيكم أيُّها الناس، ما إنِ اعتصمتم به، فلن تضلُّوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه» (البيهقي في دلائل النبوة (5/449).

ولذا كان الإمام حسن البنا شديد الحرص على التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ في التطبيق العملي للمنهج الذي غرسه في نفوس إخوانه.

و لقد سار الإخوان على المنهج الرباني الذي دعا للحفاظ على المرأة، ووضع أطر لعلاقتها في بيتها ووسط مجتمعها، وسنّ لها حقوقها وأوجب عليها واجباتها.

لكن ما كان لقوي الشر التي تربصت بالإسلام من كل جانب لتترك هذه الأمة تنهض وتتقدم، فوجهوا سهامهم إليها فكانت أضعف ثغرة هي المرأة التي عملوا على إغرائها بكل جديد.

وفي ظل فترات القهر التي مرت بها المجتمعات الإسلامية انجذبت المرأة لهذه الدعوات التحررية، والتي في كثير من الأحيان كانت تصطدم مع ثوابت الدين، مثلما يثار الآن من قضية مساواة المرأة للرجل في الميراث، رغم أن القانون الإلهي في موضوع الميراث خاصة واضح ومحدد ولا يحتاج اجتهادات بشرية أو قوانين يسنها رئيس دولة أول ملك، لكن الغرب استطاع أن يشغل هذه الأمة بالترهات والبعد عن عظائم شئون الأمة.

فخرج من يحاول أن يشكك في السنة النبوية والتشريع الرباني والتراث القديم والبخاري ومسلم، وأخيرًا ما هو مطروح حاليًا في قضية مساواة المرأة بالرجل في الإرث.

لقد تحدث الإمام البنا عن قضية مساواة الرجل بالمرأة، فكتب يقول: «أيها الكاتبون والكاتبات والناقدون والناقدات والناصرون للرجل أو المطالبون بحقوق المرأة على حد سواء لي معكم جميعًا كلمة في هذا الموضوع مختصرة كل الاختصار، عادلة كل العدل.. أما تعليم البنت وتثقيفها وتهذيبها وتربيتها فأمر لا نجعله محل نزاع فيما بيننا.. وأما سفورها أو حجابها واختلاطها أو اعتكافها فلنا فيه كلام» (1).

أدرك حسن البنا ثوابت الشرع فالتزم بها، ونادى بالالتزام بها امتثالًا لشريعة الله سبحانه، خاصة في مسألة الميراث حيث كان كلامه واضحًا في هذا الأمر، حيث قال: «وجاء الإسلام يقرر أن للذكر مثل حظ الأنثيين، وأن نصيب الفتاة نصف نصيب الفتى من تركة الأبوين. نظام ما أبدعه، وعدل ما أروعه!! نظر إليه القاصرون من زاوية واحدة، فنادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور، ونسوا أن الإسلام وحدة كاملة يجب أن ينظر إليها من كل ناحية، فالإسلام الذى قرر هذا الوضع قرر إلى جانبه أن الفتى مطالب بالإنفاق على الفتاة زوجًا كانت أو أختًا أو أمًا، فكان من العدل أن يعان على تبعته، وكان مقتضى هذا ألا تأخذ الفتاة شيئًا من الميراث، ولكن الشارع الحكيم احترم قرابتها- وهو الذي يقدس القرابة بقدر صلتها- فقدّر لها، وتوسط بذلك في الأمر، فلم يعطها الإعطاء الكامل، ولم يحرمها الحرمان الكامل، وذلك بالنسبة لها– ولاشك- أعدل الأوضاع»(2).

ويؤكد على المعني بقوله: «وجاء الإسلام يقرر أن شهادة المرأة لا بد أن تعزز بمثلها وأن تقرن بأختها: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: 282]. وارتفعت أصوات القاصرين بأن هذه هو الظلم المبين. ولم يصبروا حتى يتموا قراءة الآية الكريمة ويتعرفوا تعليل هذا الوضع الحكيم: ﴿أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ [البقرة: 282]، فليس في ذلك إنقاص لقيمة المرأة ولا حط من درجتها ومنزلتها، ولكنه تقدير لعاطفتها ونزول على تكوينها»(3).

لقد حرص الإمام البنا على إبراز المعاني الجليلة من احترام المرأة وتقديرها، والتي حفظها الإسلام لها لدورها الهام الذي تقوم به في هذا المجتمع، فيقول البنا: «الأم أستاذ الأمة وهي التي إذا صلحت وتعلمت وحسنت أخلاقها وطباعها أنجبت أنجالًا صالحين نافعين، وإذا جهلت وساءت أخلاقها وطبائعها كان أبناؤها مثلها»(4).

وفي حوار دار بين الإمام البنا ورجل من دعاة تحرير المرأة ومساواتها في الميراث، حيث جاء فيه: قال الرجل: والميراث تعطى المرأة فيه نصف الرجل، أليس جورًا وإجحافًا؟

قلت: كلا وحاشا يا صاحبي، ولو أحسنت الحساب لرأيت الرجل هو الحقيق بالعطف عليه، قال: كيف ذلك؟ قلت: إن المرأة تأخذ نصف الرجل ولكنها تتزوج رجلًا ينفق عليها وفي الغالب تحتفظ بنصيبها رابيًا موفورًا ما دامت حسنة التدابير، أما الرجل فإن ضعفه الذي يأخذه يكلفه أعباء إنشاء أسرة والنفقة عليها(5).

فالقضية التي أثيرت مؤخرا في تونس لم تكن بالجديدة، لكنها قضية يثيرها دعاة تحرر المرأة في كل زمان، وهذا ما دفع الإمام البنا للحديث فيها، وتوضيح منهج القرآن الذي التزم به الإخوان في هذا الشأن. لقد عمد دعاة التحرر إلى ترويج أن الإناث يساوون الذكور في كل مجال، ويستطعن أن يقمن بما يقوم به الرجال، فلا قوامة للرجال على النساء.

ولقد أفصح الأستاذ محمد حلمي نور الدين (أول سكرتير لأول مكتب إرشاد للإخوان) عن هذا الموضوع بقوله: «جاء القرآن الكريم معلنًا في صراحة وجلاء، لا غموض ولا خفاء، رياسة الرجل على المرأة فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228]، ولئن سأل سائل عن هذه الدرجة ماهيتها ومداها، قلنا: إن القرآن عرفها وحددها وعبر عنها في قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]»(6) .

لقد أخذت هذه القضية مناحٍ كثيرة– على الرغم أن القرآن وضع تشريعها- لكن يأبى دعاة تحرير المرأة إلا إطلاق هذه القضايا بين الحين والآخر؛ ليشغلوا الأمة بها في وقتٍ تحتاج فيه الأمة لتضافر الجهود للنهوض بها.

وهذا ما أكده الإمام البنا بقوله: «التفريق بين الرجل والمرأة في الحقوق إنما جاء تبعًا للفوارق الطبيعية التي لا مناص منها بين الرجل والمرأة، وتبعًا لاختلاف المهمة التي يقوم بها كل منهما وصيانة للحقوق الممنوحة لكليهما»(7) .

 

المصادر

  1. جريدة الإخوان المسلمين، العدد (8)، السنة الأولى، 11ربيع الثاني 1352ﻫ/ 3أغسطس 1933م، صـ19.
  2.   المرجع السابق، العدد (37)، السنة الثانية، 26 جماد ثان1363/ 17يونيو 1944، صـ3.
  3.   المرجع السابق.
  4.   المرجع السابق، السنة الأولى، العدد 11 – 3جمادى الأولى 1352هـ / 24أغسطس 1933م.
  5.   المرجع السابق، السنة الثالثة، العدد 38 – 5شوال 1354هـ / 31ديسمبر 1935م.
  6.   جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، طـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، الكتاب الثالث، صـ 448.
  7.   المرجع السابق.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم