إن الله عز وجل قد جعل الدنيا مزرعة للآخرة، وميدانًا للتنافس، ومن رحمة الله تعالى وحكمته أن فاضل بين الأزمنة، فاصطفى منها ما شاء؛ ليكون ذلك عونًا للمسلم على التسابق والتقرب إليه سبحانه بأعمال البر والخير.
من أجل ذلك كانت هذه الدراسة، التى أعدها الباحث معاوية محمد هيكل، تذكيرًا وحثًا على اغتنام الأجر في الأيام العشر المباركة، وإحياء للعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أنواع العمل الصالح في أيام العشر
وحيث ثبتت فضيلة الزمان ثبتت فضيلة العمل فيه، ومن أنواع العمل الصالح فيها ما يلي:
أولًا: التوبة النصوح وهي الرجوع إلى الله تعالى، مما يكرهه ظاهرًا وباطنًا
ثانيًا: أداء الحج والعمرة: وهما واقعان في العشر من ذي الحجة، باعتبار وقوع معظم مناسك الحج فيها، ولقد رغب الشرع الحنيف في هاتين العبادتين العظيمتين وحث عليهما.
ثالثا: المحافظة على الواجبات: والمقصود أداؤها في أوقاتها، وإحسانها بإتمامها على الصفة الشرعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومراعاة سننها وآدابها وهي أول ما ينشغل به العبد في حياته كلها.
رابعا: الذكر: وله مزية خاصة على غيره من الأعمال؛ لقوله تعالى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَام} (الحج:28)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أيام العشر، أي: يحمدونه ويشكرونه على رزقهم من بهيمة الأنعام، ويدخل فيه: التكبير، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
خامسًا: التكبير: يسن إظهار التكبير في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق وغيرها إعلانًا بتعظيم الله تعالى.
سادسًا: الصيام: عن هنيدة بن خالد عن امرأته قالت: حدثني بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعا من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر؛ أول اثنين من الشهر، وخميسين.
وأما ما جاء في حديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط». وفي رواية: «لم يصم العشر». قال العلماء: فهذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة، قالوا: وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابًا شديدًا لاسيما التاسع، وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله وثبت في صحيح البخاري.
وقد علل ابن حجر ترك الصوم في هذه الأيام لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته، كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضًا.
سابعًا: الأضحية: وهي شعيرة من شعائر الدين الظاهرة، وهي النسك العام في جميع الأمصار، وقد ورد فيها من النصوص ما يدل على عظم منزلتها، قال الله تعالى: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر:2). والمراد بالنحر هنا الأضحية، والصلاة هي (صلاة العيد)، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:162)، والنسك هو الذبح تقربًا إلى الله تعالى وعن أنس رضي الله عنه قال: «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا».
ثامنًا: صلاة العيد: والعيد شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، ومظهر من أجل مظاهره، والناس يجتمعون فيه أعظم من اجتماعهم للجمعة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بخروج النساء لصلاة العيد، ولم يستثن منهن أحدًا، حتى إنه أمر من كان عندهن عذر يمنعهن من الصلاة بالخروج إلى المصلى؛ ليشهد الخير ودعوة المسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخرج يوم العيد، فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة، وحكمة التكبير في العيد هي مضادة المشركين لما يفعلونه من تعظيم لأوثانهم خاصة الذبح لهم.
يوم عرفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامه: «يكفر السنة الماضية والباقية"، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء.
يوم النحر: لهذا اليوم فضائل عديدة: فهو يوم الحج الأكبر، وهو أفضل أيام العام؛ لحديث: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر».
ويوم القر: هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى. وهو بذلك أفضل من عيد الفطر؛ وذلك لكونه يجتمع فيه الصلاة والنحر، وهما أفضل من الصلاة والصدقة.
.