Business

التربية السياسية للأطفال وصناعة المستقبل

في ظل تواصل المتغيرات السياسية والأوضاع المضطربة في دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، تفاعلت أجيال من الأطفال بشكل مباشر مع محيطها، وخرج جيل جديد عايش تربية سياسية مضطربة، اختلطت فيها الدماء بمفاهيم الجهاد والإرهاب، وتباينت فيها أيضًا رسائل الإعلام ما بين التخوين والوطنية، ووصلت في أحايين أخرى لتزيف معاني المقاومة والنضال ضد المحتل.

ربما كان هذا الواقع باعثًا على صورة مضطربة للأطفال الذين عايشوا تلك الأزمات، لكنه في الوقت نفسه لا يعني مواصلة الاستسلام لتلك المؤثرات، ولا يعني كذلك الدفع بأجيال جديدة إلى دائرة الصراع بدون إعداد، ومن ثم تبرز أهمية التربية السياسية الصحيحة للأطفال، بوسائل وتجارب أكثر وعيًا بالتحديات المحيطة من أجل صناعة جيل جديد يبني مجتمعًا أكثر وعيًا وإدراكًا لفرص نجاحه.

 

تنشئة سياسية.. لا توجيه حزبي

في هذا الإطار، خرجت عدة كتب ودراسات، من بينها كتاب «التربية السياسية للأطفال»، للكاتب سعيد إسماعيل علي، الذي تم نشره عام 2008، حيث يؤكد الكاتب على أن التربية السياسية تبدأ منذ المرحلة الابتدائية، ويستطيع الطفل في هذه المرحلة العمرية أن يتعايش مع واقع مجتمعه وما يعترضه من قضايا ومواقف سياسية، ومن ثم يتفاعل معها بالتحقق والمقارنة، وتتربى لديه العقلية الناقدة على أسس سليمة، قبل أن تتطور معه في مراحل عمره التالية.

لكن على ضوء تشكيل الطفل لمعتقداته منذ تلك المرحلة العمرية الصغيرة والمتغيرات السياسية المحيطة به، لا بد من التفريق بين بناء عقل الطفل من الناحية السياسية فيما يتعلق بضرورة الحوار واعتماد مبدأ الشورى خلال اتخاذ القرارات، وبين التوجيه الحزبي والسياسي للأطفال داخل المدرسة أو الأسرة أو في وسائل الإعلام، أو حتى الدفع بهم في التظاهرات واستغلالهم في الصور مع المسؤولين.

في هذا السياق، يعد أسلوب التوجيه السياسي للأطفال سواء في الإعلام أو المناهج الدراسية أمرًا يبعث على القلق حيال الخلط بين التنشئة السياسية والتوجيه الحزبي، وهي وجهة نظر عبّر عنها بوضوح وليد طاهر- رسام الأطفال والكاريكاتير المصري- الذي اعتبر أن «مجلات الأطفال يجب أن تصل بالطفل إلى مرحلة كيف يختار وليس ماذا يختار.. وأن المادة السياسية يجب أن تكون للتربية السياسية للأطفال وليس للتوجيه السياسي، بهدف توعية الأطفال بأساسيات العلاقات بين البشر لتوصيل معنى الديمقراطية».

 

عوامل نفسية تحدد بوصلة التربية السياسية للأطفال

من هنا، تبرز خطورة التوجيه السياسي للأطفال نحو اتجاهات بعينها، لكن في الوقت نفسه تطفو على السطح أهمية تفعيل فكرة التربية السياسية للأطفال عبر ممارسة حقيقية داخل الأسرة والمدرسة، تبدأ بتهيئة أجواء إيجابية تتيح للطفل الفرصة للتفكير بطريقة تتسم بقدر من الثقة في النفس، مرورًا بتقبل الآخر والشورى قبل اتخاذ القرار، ووصولًا لاحترام رأي المعارضين، بهدف تفادي مخاطر بث روح التطرف والكراهية وانتشارها لاحقًا في المجتمع.

ترتبط هنا التربية السياسية بقدر من المسؤولية النفسية والاجتماعية للأسرة والمدرسة، من حيث تجنب وسائل إكراه الطفل وإذلاله حتى لا يستسلم لوسائل القهر التي من الممكن أن يتعرض لها عندما يكبر، وحتى لا يمارسها هو نفسه على المحيطين به إذا أصبح في منصب قيادي.

في المقابل، تبدو التربية السياسية للأطفال إيجابية إذا اعتمدت على نشر أجواء من الإحساس بالأمن والاطمئنان والحب لدى الأطفال، لكي تنعكس لاحقًا على قدرتهم على التعايش والتسامح، إلى جانب تعزيز مبادئ العدل والحرية، والمواطنة من خلال معايشة حقيقية داخل الأسرة والمدرسة.

كذلك، تحتاج التربية السياسية الفاعلة للأطفال في المدرسة إلى عملية تربوية تراعي تأثير مناهج وأساليب التعليم ودرجة تأهيل المعلمين على النواحي السياسية؛ لكي تنعكس على حياة سياسية سليمة يكون لها صداها الإيجابي على المجتمع بعيدًا عن أجواء الفوضى والعنف التي قد تهيمن على المدرسة أو أي مؤسسة اجتماعية أخرى ينخرط فيها الطفل ويتحول مسار حياته كلها لاحقًا إلى هذه الفوضى نفسها.

إلى ذلك، تتطلب التربية السياسية السلمية للأطفال قدرًا من الوعي السياسي لدى الآباء والمعلمين، ليس فقط من خلال غرس روح الحوار والتسامح مع الأطفال، ولكن أيضًا من خلال اتباع نماذج سلوكية سياسية سليمة، بحيث يصبح الآباء والمعلمون قدوة من حيث طريقة ممارسة سلطتهم، وتجنب سلوكيات التسلط والإكراه في المعاملة.

 

الأسرة الصهيونية ودورها في تشكيل العقلية السياسية

على غرار دور الأسرة والمعلمين في التنشئة السياسية للأطفال، تبرز أيضًا أهمية نشر الوعي السياسي من خلال المناهج الدراسية، وتحديدًا في مواد التاريخ والتربية الوطنية، وهي أمور تبدو غير معتمدة بشكل جيد من جانب وزارات التعليم في الدول العربية والإسلامية، حيث ينصب المقرر الدراسي في كتب التاريخ والتربية الوطنية على سرد الأحداث والانتصارات، دون تمهيد الطريق أمام تشكيل عقيدة حقيقية لدى الأطفال تساعدهم على فهم التحديات السياسية الحالية المحيطة بهم دون توظيف سياسي لخدمة نظام حكم بعينه.

في المقابل، يعتمد الكيان الصهيوني على تكوين الاتجاهات لدى أطفاله منذ مرحلة رياض الأطفال، حيث يتم صهرهم في وحدة ثقافية واجتماعية واحدة، كما يعتمد على عدد من المؤسسات التعليمية التي تعمل على تربية الطفل وتوجيهه سياسيًا وعقائديًا بطريقة تؤسس لقادة جدد للفكر الصهيوني للحفاظ على مستقبل هذا الكيان المحتل.

كما تركز المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة لدى الكيان الصهيوني على صورة الإنسان العربي والمسلم، وبث توجهات عنصرية إزاء المسلمين، كما يظهر ذلك أيضًا جليًا خلال صورة متكررة لأطفالهم وهم يكتبون على دانات الدبابات والصواريخ عبارات عنصرية، من بينها (هدية من أطفال إسرائيل إلى أطفال غزة)، وغيرها من العبارات التي تعكس حجم التأثير السياسي على الأطفال منذ المراحل المبكرة.

إلى ذلك، يبدو التاريخ حافلًا بالتنشئة السياسية العنصرية التي اختلطت فيها السياسة مع التربية العقائدية في المناهج الدراسية بمجتمعات مثل الاتحاد السوفيتي السابق والدول الاشتراكية، وهو ما كان له أثر في تشكيل فكر سياسي استمر لعقود طويلة ووضع خريطة جديدة للعالم خلال القرن الماضي.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم