Business

رمضان وجوامع التربية

التربية الإيمانية أثر من آثار صيام الشهر الفضيل، وأيضًا إصلاح القلب وصوم الجوارح، وعلى الرأس منها ما تعلق بشهوتي البطن والفرج؛ باعتبار أن في ذلك ترقيًا بالنفس عن حظوظ الدنيا وغوائلها إلى درجات الآخرة ولذائذها.

وفى هذه الدراسة التي أعدها الدكتور محمد عبد العليم الدسوقي، يستعرض عددًا من هذه الأمور التي تحقق ما يصبو إليه العبد المؤمن من جراء فريضة الصيام، وهي:

1- تهذيب النفس الأمارة بالسوء

ما من شك أن نفسًا اجتمع لها من ألوان التربية والتهذيب: تقوى الله ومراقبته، والإيمان به، والإخلاص له، واجتمع لها إلى جانب صلاح القلب وما تبعه من الجوارح، وتم استجماعها على نور القرآن لتهتدي به من الإيمان في ظلمات الجهالة وغياهب الضلالة = لهي نفس سوية؛ فالإيمان حياة المؤمن التي لا حياة له إلا به، والقرآن شفاء نفسه وصدره، ونوره الذي يضيء طريقه، ويعرف به كيف يسلك وكيف يتصرف.

وقوله ﷺ: «إن الله يرفع بهذا القرآن قومًا ويضع به آخرين»، ولنا أن نتصور نفوسًا قد تربت طوال شهر كامل على مائدة الرحمن، ماذا عسى أن تكون إلا نفوسًا مطمئنة راضية مرضية، فالإيمان ثم القرآن هو منهج التربية المعتمد الذي صهر نفوس من سبقونا بالإيمان؛ فجاهدوا وضحوا وسادوا، وفازوا بسعادة الدارين.

2- تهذيب السلوك الإنساني

إن من أهم ما نتعلمه من مدرسة الصيام: اغتنام الأوقات وتنظيمها ولزوم المسجد وترويض النفس على تقويم ما اعتادته؛ لتسير في رمضان على وفق ما شرع الله وأحبه رسوله، وليعتاد المؤمن على ذلك حتى يقضي نحبه ويلقى ربه.

3- إيقاظ الضمائر وترتيبها

فصاحب القلب الحي يغدو في رمضان ويروح، ويمسي ويصبح، وفي ذهنه مراقبته الخالق جل وعلا، وفي أعماقه حس ومحاسبته لدقات قلبه ونطق لسانه وسماع أذنه وحركة يده وسير قدمه، وإنما تأتي له كل ذلك؛ لأنه تجرد- بتحقيق الصيام- عن الأثرة والغش والهوى، وعرف يقينَا أن الصوم أكبر حافز لتحصيل معنى التقوى لله، وخير أداة من أدواتها وأحسن طريق موصل إليها، وماذا بعد أن يرفعها الله، ويجعلها هدف الصيام والقيام والدعاء في رمضان.

وأساس التقوى: أن يعلم ما يُتقي ثم يَتقي، يقول ميمون بن مهران: «لا يكون الرجل تقيًا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك الشحيح لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه».

إن التقرب إلى الله بترك المباحات لا يكمل إلا مع تربية الضمير بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله بترك المباحات كان بمثابة من ترك الفرائض وتقرب بالنوافل.

4- بناء الأسرة الرشيدة

وإننا لو تأملنا حديث الربيع بنت معوذ لأدركنا كيف كان للصيام دوره لا في تربية الفرد فحسب، بل وفي تربية الأسرة التي تمثل اللبنة الأولى للمجتمع الإيماني، فهذه واحدة من الصحابيات الجليلات وهي الربيع بنت معوذ تقول- وهي تحكي ما كان عليه المسلمون يوم كان صيام يوم عاشوراء مفروضًا: « كنا نصوم صبياننا- الصغار منهم- ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياها حتى يكون عند الإفطار».

ترى ما الذي حرك هذه المرأة- وهي تحرم صبيها ما تشتهيه نفسه- سوى الامتثال لأمر الله تعالى والتعود على الطاعة لله ولرسوله، وما الذي يمكن أن يخلفه فعلها من أثر تربوي في نفوس أبنائها؟ وما الذي لو كانت كل واحدة من نساء المسلمين- وهو أمر حاصل في زمانها لا محالة- تفعل مثل ما تفعل؟ وماذا يمكن لو أن كل امرأة في عصرنا كانت تصنع صنيعتها؟

وتلك زينب بنت أم مسلمة تحكي فتقول: «لم يكن النبي ﷺ إذا بقيت من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه». وهذه أمها تروي عنه ﷺ قوله: «من يوقظ صواحب الحجر- يعني زوجاته- حتى يصلين».

5- بعث الأخلاق في الأمة

إن حسن الخلق يدرك المؤمن درجة الصائم القائم ففي الحديث: «إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار»، فما يكون عليه الحال لو جمع للمسلم في رمضان إلى جانب الصيام والقيام حسم الخلق، ولقد كان من ثناء الله على نبيه محمد ﷺ من قبل ربه ومولاه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4]، وما كان خلقه إلا بالقرآن، فقد سأل هشام بن حكيم عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله ﷺ، فقالت: «كان خلقه القرآن».

6- نشود المجتمع الإيماني المتكامل

إن ما جاء به الشارع الحكيم من إخراج ما يسمى بصدقة الفطر عن كل فرد في الأمة (طهرة للصائم وطعمة للمساكين)، ومن جعل وجوبها على من يملك فقط قوت يومه؛ فيطعمها الفقير لمن كان على شاكلته ويلقاه وقد حمل كل منهما زكاته لصاحبه، لهو كفيل أن يقي المجتمع كله من براثن ما فعله الشح بمن كان قبلنا، وكفيل كذلك برفع أسباب هذا الهلاك المحقق، وبنزع هذه الأمراض الخبيثة التي كان من الممكن أن تفتك بمجتمع الإيمان- على نحو ما فتكت ولا تزال تفتك بمجتمع الإيمان- على نحو ما فتكت ولا تزال تفتك بغيره من مجتمعات السوء والكفر- لو لم تشرع لهذه الأمة مثل هذا الزكوات ويهدي الله قلوب أهل الإسلام عليها.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم