علّم النبي ﷺ- بما آتاه الله من الهدى والفرقان- الناس المبادئ الإنسانية الحقة والقيم التربوية والتعليمية الفاضلة التي أرشدت الناس إلى التفكير السديد في الدين الصحيح، والرأي الصائب، والقول الحسن، والحوار الرصين.
وفى هذه الدراسة التي أعدّها الباحث المغربي عبد بن محمد بركو، يسلّط الضوء على جوانب مهمة من المضامين الإنسانية والتربوية والتعليمية في حواراته وأحاديثه الشريفة ﷺ، علمًا بأن هذه المضامين بحاجة إلى كتاب كامل.
حوارات النبي ﷺ
وقد ظهر البعد الإنساني كطابع مهم في الكثير من أحاديث النبي ﷺ، والعديد من حواراته ومناقشاته الخاصة والعامة مع أزواجه وأقاربه وأصحابه وسائر الناس.
وفى الحديث النبوي الحواري: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
ومن الوصايا الإنسانية العظيمة لرسول الله ﷺ لمن يرسله للدفاع عن المسلمين والجهاد: «انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضعوا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين».
كما حارب الرسول ﷺ العصبية العنصرية القومية، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية-الكبر، والنخوة بها- وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام، إنما هو فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن».
وحاور النبي ﷺ أصحابه الكرام حول كثير من الجوانب الإنسانية العظيمة كاحترام الأرقاء، وحسن معاملتهم، ومنع ضربهم.
روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم».
المضامين التربوية
كان الإنسان محور التربية القرآنية، حيث اتجه الإسلام أصلًا إلى تربية الإنسان تربية شاملة متكاملة، في مختلف النواحي الجسدية والروحية والعقلية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية.
وكان من نتيجة التربية الإسلامية لبناء الإنسان الكامل أولًا، أنها كانت الباعث الرئيسي، والسبب في اعتناق ملايين الناس الإسلام، والإقبال عليه، وقبوله عقيدة وشريعة، ليتفيؤوا ظلاله، وينعموا بخيره، لأنه التقى مع الفطرة السليمة، وحقق لهم ما يصبون إليه من معاني الإنسانية الصادقة، والواقعية، وأنه يؤمن السعادة والرفاهية، التي يتطلع إليها الإنسان في الدنيا والآخرة.
لقد ركز النبي ﷺ في حواراته وأحاديثه مع أصحابه الكرام على تربية الإنسان بعامة، والطفل بخاصة، حيث يحتاج إلى الرعاية والمحبة، والاهتمام، والحنان، والعدل في المعاملة.
وعلّم النبي ﷺ أصحابه الكرام رضي الله عنه أن يحسنوا تربية أولادهم بالمناقشة المقنعة والحوار الرشيد.
وأكد رسول الله ﷺ على أهمية تربية الأولاد وتأديبهم وتهذيبهم، قال ﷺ: «لأن يؤدب أحدكم ولده خير من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين».
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قالوا: يا رسول الله! قد علمنا ما حق الوالد، فما حق الولد؟ قال: «أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه».
وشدد رسول الله ﷺ في حواراته وأحاديثه الشريفة على بر الوالدين والإحسان إليهما، كمبادئ تربوية راشدة في الحياة الدنيا ووسيلة مهمة لابتغاء مرضاة الله تعالى.
وبين رسول الله ﷺ لأصحابه رضي الله عنهم والمسلمين كافة أن المسؤولية التربوية ملقاة على عاتق الجميع، الفرد والأسرة والمجتمع.
المضامين التعليمية
لقد كانت أول كلمة وآية نزلت من الله العلى القدير على رسول الله ﷺ كانت في طلب القراءة والعلم والحث على المعرفة.
قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق 1- 5).
وتوالت الآيات الكريمة التي تحث على العلم، والفكر، والمعرفة، وتبين فضل العلماء، وقد حث رسول الله ﷺ على طلب العلم، فقال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».
ثم بين ﷺ فضل العلم والعلماء، فيما رواه عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال: مر رسول الله ﷺ بمجلسين في مسجده، فقال: «كلاهما خير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله، ويرغبون إليه، فإن شاء أعطاهم، وإن شاء منعهم، وإما هؤلاء فيتعلمون الفقه والعلم، ويعلمون الجاهل، فهم أفضل، وإنما بعثت معلمًا، ثم جلس بينهم».
وأوصى رسول الله ﷺ بتأديب الأولاد ذكورًا وإناثًا وتعليمهم، فقال ﷺ: «مروا أولادكم بالصلاة، وهم أبناء سبع».
وقال ﷺ: «علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل».
.