تعتمد التربية الاجتماعية الإسلامية في تأسيس برامجها وتوجيهاتها على القرآن الكريم وسيرة المصطفي ﷺ وأصحابه والتابعين وموقفهم من موضوع التربية من أجل إعداد الإنسان للدنيا والآخرة، حيث تستمد الاحكام التفصيلية من الشريعة الإسلامية، وإن كانت طرق رعاية الأولاد وتربيتهم قد جبل عليها الإنسان بفطرته، إلا أن الشارع الحكيم أسس قواعد وحدد ضوابط تقوم عليها التربية في كل زمان ومكان.
وتتناول هذه الدراسة التى أعدها الدكتور أنور محمود على، مدرس مساعد الحضارة الإسلامية، كلية العلوم الإسلامية، جامعة الموصل، طبيعة التربية الاجتماعية في المنهج الإسلامي، وأساليب التربية الاجتماعية في الإسلام، ودور مؤسسات التربية الاجتماعية في الإسلام.
طبيعة التربية الاجتماعية في المنهج الإسلامي
إن التربية في نظر الإسلام هي تنشئة الطفل وتكوينه إنسانًا متكاملًا في الناحية الأخلاقية، والأسرة مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى عن تربية أبنائها وفق منهج الإسلام وعلى هدي أخلاقه وقيمه، والأسرة كمؤسسة اجتماعية هي الوسيط الرئيس بين شخصية الفرد والحضارة الاجتماعية، وإن شخصية الفرد تتكون ضمن الأسرة، كما وأن قيم المجتمع وأنماط السلوك فيه تنتقل إلى حد كبير من خلال الأسرة وتتقوى بواسطتها.
وكان الإسلام حريصًا على ترسيخ طرائق ومناهج تربوية تتلاءم وطبيعة المبادئ والاتجاهات والقيم الدينية والإنسانية التي جاء بها، فالإسلام لم يترك الأسرة والمسلم يخطط لنفسه وتبعًا لهواه وإنما أحاطهم بواجبات وحقوق وآداب لوقايتهم من الهلاك والانهيار.
أساليب التربية الاجتماعية في الإسلام
يستطيع الوالدان والمربون أن ينفذوا إلى جميع مداخل الطفل النفسية والفكرية والاجتماعية، عبر أساليب، من أهمها:
أولًا: أسلوب القدوة الحسنة: تعد القدوة الحسنة من أهم وسائل التربية في الإسلام وأعمقها أثرًا، وهي أساس التعليم ونموه ومن أولى قواعد التربية كما أنها من أنجح الأساليب في تربية النشء.
ثانيًا: أسلوب الموعظة الحسنة: يحظى أسلوب الموعظة الحسنة بمكانة كبيرة في التربية في الإسلام، لكونه من أهم وسائل التربية المؤثرة في تكوين الولد إيمانًا، وإعداده خلقيًا ونفسيًا واجتماعيًا، لهذا نجد القرآن الكريم قد اتخذها منهجًا لتربية الأفراد ويؤكد هذا ما دل عليه السياق القرآني في أكثر من موضع، فمن ذلك قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (النحل: 125).
ثالثًا: أسلوب الترغيب والترهيب: يعد هذا الأسلوب من الأساليب التربوية الفعالة، التي يؤكد عليها المنهج الإسلامي بشكل عام في فلسفته التربوية، ذلك أن هذا الأسلوب له آثار عملية وإيجابية تنعكس سريعًا على سلوك الأفراد ونفوسهم، ومضمون هذا المنهج يؤكد على مبدئي الثواب والعقاب، فإذا سلك الفرد سلوكًا حسنًا وأنجز عملًا لائقًا أثيب عليه، فذلك هو الترغيب، وأما إذا حدث العكس من ذلك فإن الفرد يعاقب على ذلك الفعل والسلوك ويوبخ عليه كي لا يأتيه ولا يكرره.
رابعًا: أسلوب القصة: تلعب القصة دورًا كبيرًا في شد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية لما لها من متعة ولذة، والقصة أفعل ما تكون في نفوس الصغار والكبار.
دور مؤسسات التربية الاجتماعية في الإسلام
أولًا: الأسرة
إن من أهم الوظائف التي تقوم بها الأسرة هي وظيفة التنشئة الاجتماعية، أي تلقين الطفل اللغة والعادات والتقاليد وآداب السلوك وقواعد الدين والعرف، وهي الجسر الذي يصل بين الفردية الخالصة والمجتمع وتطول حتى يرى الأب والأم مقدرة أبنائهم على التفاعل الاجتماعي والتكيف مع الحياة بصورة صحيحة.
فمن بداية تكوين الجنين وهو يتأثر بما تعيشه أمه من انفعالات وما تعاني من مشقات، بالإضافة إلى الجينات الوراثية من الوالدين معًا فيأتي الطفل إلى الدنيا وقد أعطيت له أغلب الصفات الشكلية والمعنوية، وتتشكل شخصية الطفل خلال الخمس سنوات الأولى في الأسرة، لذا كان من الضروري أن تلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحية التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شابًا واثقًا من نفسه صاحب شخصية قوية ومتكيفة وفاعلة في المجتمع.
ثانيًا: المدرسة
انتقال الطفل من الأسرة إلى المدرسة يعني انتقاله من مجتمع صغير بسيط محدود إلى مجتمع أوسع وأكثر اتصالًا بالحياة، يقوم على نظام وقوانين جديدة وينطوي على تكاليف وواجبات لم يألفها الطفل من قبل، فيها أخذ وعطاء وصلات من نوع جديد ومنافسات جديدة، والطفل يدخل المدرسة وهو ابن ست سنين ويخرج من الجامعة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة أو أكثر، وفي هذه السنين تتكامل شخصيته.
ولهذا كان لزامًا على القائمين على أمور التربية أن يبذلوا مزيدًا من الجهد مع طلاب المدارس، وفي المدرسة يتعين على الطفل أن يراعي النظام، وأن يلزم التأدب، ولا يهزأ من أخطاء غيره، ولا يقاطع غيره أثناء عمله، وأن يلتزم الصمت في أوقات معينة... الخ.
ولا بد من تقديم المساعدة للطفل لتحقيق ذاته وشخصيته في أجواء صحية، وذلك بالتدريب الناجح والتربية الخالية من العقد، فقد ثبت تجريبيًا أن الطفل الذي يشجع على استعمال خياله بحرية ويطور قدرته على التفكير المستقبل سينقل هذه الخصائص إلى أي عمل يقوم به، وإن مال يتعرض له الطفل من عقاب أو تنكيل أو إهانة يقلل ثقته بنفسه فيتصف بالسلبية والتردد والاعتماد على الغير في حل المشاكل وتنشأ له مشكلات عصبية في الصغر من قبيل التبول اللاإرادي، وقضم الأظافر، والتعلثم في الكلام، وانعدام الاستقرار، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارات.
ثالثًا: المسجد
المسجد مركزًا للعبادة ومدرسة للتعليم وهو متمم لعملية التعليمة والتربية التي بدأت بالأسرة، ووسيلة إيمانية لبناء شخصية المسلم، لذلك لا بد من اتخاذ المساجد كالمحفز الأول في تربية الأجيال، تأسيًا بفعل النبي ﷺ وعبقريته في البناء.
كما يتعلم الولد في المسجد ويتعرف تدريجيًا على المجتمع من ناحية قيمة ومبادئه وأفكاره وعاداته وأنماط سلوكه ودوافعه وأخلاقياته وطرق تعامله ومستوياته المختلفة، كما يحدث التفاعل والتعامل والتعاون والحياة والحركة بين عموم المسلمين في المسجد حيث يجمعهم في اليوم خمس أوقات، ومن وسام التفوق أن يكون الرجل قلبه معلقًا بالمساجد، فيكون من الأصناف الذين يظلهم الله تحت ظله عرشه يوم القيامة، وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف: 29(.
وبغير المسجد لا يمكن أن يتربي الولد روحيًا وإيمانيا وأن يتكون خلقيًا واجتماعيًا، وبغير المسجد لا يتعلم الولد أحكام الدين وتنظيم الدنيا وأمور الحلال والحرام ومناهج الحياة ودقائق التشريع.
رابعًا: وسائل الإعلام
للإعلام دور بارز وفعال في عملية التنشئة الاجتماعية لما يملك من خصائص تعزز من جاذبيته، ويساعد على ذلك سرعة اختصاره للزمان والمكان وسرعة تجاوبه من المستجدات العلمية والتكنولوجية، حيث تتوافر في وسائل الإعلام عدة مميزات لا يتمتع بها غيرها من الوسائط التربوية الأخرى، فهي تثير اهتمامات النشء، وتملأ جانبًا كبيرًا من وقت فراغهم، وتعكس الثقافة العامة للمجتمع والثقافة الفرعية وتحيط الناس علمًا بموضوعات وأفكار ووقائع وأخبار ومعلومات ومعارف في جميع جوانب الحياة، بالإضافة إلى أنها تجذب الجمهور إلى إنماط سلوكية مرغوب فيها وتحقق المتعة، مما يجعلها ذات تأثير كبير في تكوين الرأي العام وتوجيهه، ووسيلة مهمة من وسائل التربية المستمرة.
.