حسن البنا واهتمامه باللغة العربية

  • دراسة حصرية للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية - أبو العربي مصطفى

 

شاء الله- عز وجل- أن يشرف اللغة العربية ويعلي قدرها ويرفع ذكرها؛ فجعلها لغة الإسلام الأولى؛ فأنزل بها القرآن، وجعلها لغة نبيه عليه السلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون»، وعلى هذا المنهج القويم عاش الإمام البنا مهتمًا باللغة العربية، مطالبًا أتباعه وأنصار فكرته بالاجتهاد في التحدث بها، حيث يقول: «اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى فإن ذلك من شعائر الإسلام».

فمنذ صغره وهو يحرص على اللغة العربية والحديث بها، حتى أن معلمه حينما أدرك فيه هذا الحس قال فيه شعرًا:

حسن أجاب وفي الجواب أجادا            فالله يمنحه رضا ورشادا

ظل حسن البنا حريصًا على اللغة العربية، محاولًا تعميمها في جميع مناهج التعليم وبين أنصاره، فقد كانت مدارس التبشير الأهلية منتشرة في الصعيد والقطر المصري، وتعمل بحرية طبقًا لقانون التعليم الحر، وفي طما بمراغة- في محافظة سوهاج حاليًا- كانت هناك مدرسة واحدة للبنات لصاحبتها (مس هوفر) الهولندية، وكانت تجبر التلميذات المسلمات على حضور درس الدين المسيحي، وعندما سألها مفتش اللغة العربية عن ذلك قالت: «إن هولندا بعثتني لإنشاء مدرسة للبنات لنشر الدين المسيحي، لا أن تنفق أموالها لتعليم الدين الإسلامي»، وكانت تأخذ بذلك إقرارًا من أولياء أمور التلميذات موقعًا عليها منهم، ومؤرخة بأن لا اعتراض على حضور بناتهن درس الدين المسيحي ا(1).

كان ذلك دافعًا لحسن البنا للمحاربة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية بالحفاظ على لغة القرآن التي نزل بها الإسلام، فيصف ذلك بقوله: «أما إصلاح المنهج، فيجب أن يكون بتوفير الحصص الكافية لفروع الدين من الفقه وأسراره، والعقائد وأدلتها، والتاريخ الإسلامي والسيرة واللغة العربية؛ إذ هي وسيلة فهم القرآن وتدبره، وهو أساس هذا الدين وروحه، وإظهار العناية بهذه المادة عناية ظاهرة، وجعلها مادة أساسية، فضياع اللغة العربية التي ما كانت العناية بها يومًا من الأيام إلا نتيجة من نتائج العناية بالقرآن الكريم»(2).

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أرسل رسالة لرئيس الوزراء محمد محمود باشا يطالبه فيها بأن يكون كبار موظفي الدولة قدوة طيبة للأخرين بالعناية بأحاديثهم وتغليب اللغة الوطنية فيها عن اللغات الدخيلة، فيقول: «أن يعمل كبار الدولة على أن يكون المظهر الغالب فى بيوتهم مصريًا إسلاميًا، فالأحاديث باللغة العربية، والمربيات من الأسر المصرية، والمدارس حكومية إسلامية، فلا يخفى أن كل بيوت العظماء لا تكاد تمت إلى مصر ولا إلى الإسلام بصلة ما، ومن هذه البيوت سيتخرج الأمير والوزير والموظف الكبير، وكيف يكون لهم فى المستقبل الحظ الكافي من الغيرة على مصالح بلاد تعلموا فى مهدهم غير علمها، وتحادثوا وأهلهم بغير لغتها، وتربوا فى نشأتهم على غير أيدى أبنائها؟»(3).

وحينما بدأت رؤوس الفتنة تبزغ من جديد والمطالبة بأن العرب والعربية تمثل استعمارًا لهذا الوطن، وأن مصر فرعونية وليست عربية، مثلما تكلم سلامة موسى وطه حسين وغيرهم، تصدى حسن البنا لهذا الفكر المعوج، وهذه النبرة التي انطلقت في الأفق لفتنة الأمة وطمس هويتها ولغتها، فيهاجمهم قائلًا: «الأمة إنما تتكون قوميتها من لغتها ودينها وعاداتها وثقافتها، وما إلى ذلك من مظاهر الحياة، فهل يرى الدكتور طه وغيره أن لمصر لغة غير اللغة العربية، وأن لها دينًا غير الدين الذى حمل لواءه العرب؟ وهل يرون أننا نستطيع أن نتخلى عن اللغة العربية والقرآن العربي والشعور العربي، ونحل محل ذلك كله لغة ودينًا وثقافة تختص بمصر والمصريين؟ وما هي يا ترى هذه اللغة، وما هذا الدين، وما تلك الثقافة؟ لعل القوم يقصدون الهيروغليفية ودين أبيس وآمون وهورس وفتاح.

يا قوم اتقوا الله وخذوا فى سبيل الجد، ودعوا هذا العبث، فإن الأمة فى حاجة إلى أن تصرفوا جهودكم فى معالي الأمور إن كنتم تستطيعون.

إن من يحاول سلخ قطر عربي من الجسم العام للأمة العربية، يعين الخصوم الغاصبين على خضد شوكة وطنه، وإضعاف قوة بلاده، ويصوب معهم الرصاصة إلى مقتل هذه الأوطان المتحدة في قوميتها ولغتها ودينها وآدابها ومشاعرها ومطمحها»(4).

أيقن الإمام حسن البنا أن إصلاح التعليم هو هدف قومي للحفاظ على هوية الأمة من الذوبان أو الانحراف، ومن ثم انطلق ينادي بإصلاحه ومحاولة تأكيد الاهتمام باللغة العربية بتأخير تدريس اللغات الأجنبية لسن يدرك فيه الطفل قوام لغته العربية أولًا، فيقول: «إن طول المناهج واكتظاظها بالمواد النظرية لا يفيد التلميذ كثيرًا، وأن الطريقة المثلى في إفادة التلاميذ وتثقيف عقولهم اختصار هذه المناهج وحذف المواد التي لا تتصل بحياة الطفل، والتي لا تقوى سنه على إدراكها، واستبدال المواد العملية، فإن الطفل الذى لا تقوى مداركه على فهم العلاقة بين الاسم والمسمى فى لغته- والذى هو فى حاجة إلى دراسة لغته وتفهمها- لا يستطيع بحال أن تجمع إليها لغة أخرى بعيدة كل البعد عن بيئته وحياته، إننا لا نقول بعدم تعلم اللغة الأجنبية، بل ذلك من أمسّ الضروريات لنا، ولكن دراستها للطفل الصغير يجهد عقله كل الإجهاد»(5).

ويؤكد على هذا الأمر في مقال آخر فيقول: «تعلم اللغات الأجنبية عنصر حي من عناصر التعليم، ولا سيما وظروفنا وحاجتنا إلى أن ننهل من مناهل الثقافة الأجنبية فيما لا بد لنا منه في نهضتنا شديدة ماسة؛ كل ذلك مُسَلَّم لا يختلف فيه اثنان، ولكن الذي نراه غريبًا أن نتغالى في تعليم اللغات وأن نجعلها أسسًا في المناهج المصرية في كل أدوار التعليم حتى الدور الابتدائي».

إن اللغات لم تعد أنها وسائل ثقافة، فهي غير مقصودة لذاتها ولكن لما تؤهل له من صلة بثقافة أهلها ونتائج أفكارهم، وليس من الحكمة أن تضيع الغاية في سبيل الوسيلة وأن ننسى التثقيف الصحيح لأننا مشغولون بوسائل التثقيف، وقد دلتنا التجارب ونادى بذلك المربون المصريون على سوء أثر المغالاة باللغات الأجنبية في كل أدوار التعليم، وقد وضح ذلك في مظاهر ثلاثة:

أولها: ضعف الطلاب في اللغة العربية وهي لغتهم الوطنية ضعفًا مخجلاً مريعًا، فطالب البكالوريا عندنا لا يكاد في المستوى العادي يصحح قراءة الجريدة، ولا يحسن التعبير كتابة أو كلامًا عما يقصد.

وثانيها: ضعف الطلاب في اللغة الأجنبية نفسها وذلك أن الطالب الغريب على اللغة لا يمكنه إدراك تركيبها ولا سر جمالها ولا تذوق عذوبتها إلا في سن كبره بعد نضوج فكره نوعًا من النضوج.

وثالثها: طغيان اللغات على المواد الأخرى وسلبها نصيبها من حصص التدريس، ففي الوقت الذي تكون فيه حصص التدريس بالمدارس الثانوية أربعًا وثلاثين حصة تستأثر اللغات بتسع عشرة حصة ويبقى للمواد كلها خمس عشرة حصة في الأسبوع، فانظر أي إجحاف يقع على هذه المواد من المغالاة في شأن اللغات ولعلك تقول: إن معظم هذه الحصص للغة العربية كلا بل إن تسعًا منها للإنجليزية وأربعًا للفرنسية وستًا للعربية فانظر بأي مقياس تقيس وزارة المعارف اللغات التي يجب أن يحذقها الطالب المصري»(6).

بل إن الإمام البنا جعل رسائله لإخوانه وللمجتمع جزء منها التأكيد على العناية باللغة العربية، فيقول في رسالة نحو النور:

«1- العناية باللغة العربية فى كل مراحل التعليم، وإفرادها فى المراحل الأولى عن غيرها من اللغات الأجنبية.

2-      العناية باللغة العربية فى كل الأوساط، والتاريخ العربي والتوقيت العربي كذلك.

3-      القضاء على الروح الأجنبية فى البيوت؛ من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات والممرضات.. إلخ، وتصحيح ذلك، وبخاصة فى بيوت الطبقات الراقية.

4-      تشجيع اللغة العربية والتاريخ القومي والتربية الوطنية فى نفوس المتعلمين»(7).

لقد كان حسن البنا حريصًا على اللغة وتعليمها والحديث بها، واستعمالها في مراسلاتنا وإعلاناتنا، وفي كل مظاهر حياتنا؛ لأنه كان يعتبرها تأكيدًا على عروبتنا، والحفاظ على هويتنا الإسلامية، وأن يغشى القرآن مجالسنا بتعلم النطق السليم للغتنا العربية.

 

المصادر

  1. محمد عبد الله السمان: أيام مع الإمام الشهيد حسن البنا، دار الفضيلة، 2003م، ص(62-63).
  2.  مجلة الشبان المسلمين الشهرية، السنة الثانية، المجلد الثاني، الجزء الثالث، شعبان 1349ﻫ/ ديسمبر 1930م، صـ188.
  3. مجلة النذير، العدد 3، السنة الأولى، الاثنين 14 ربيع الثاني 1357ﻫ- 13 يونيو 1938م، صـ3-10.
  4.   جريدة الإخوان المسلمين: العدد 15، السنة الأولى، غرة جمادى الثانية 1352ﻫ/ 21سبتمبر 1933م، صـ1-3.
  5.   جريدة الإخوان المسلمين: العدد 15، السنة الأولى، غرة جمادى الثانية 1352ﻫ/ 21سبتمبر 1933م، صـ1-3.
  6.   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة، العدد 16 - الثلاثاء 29ربيع الثاني 1354هـ / 30يوليو 1935م.
  7.   رسالة نحو النور: مجموعة رسائل الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم