لن تتمكن التربية من إعداد أجيال قادرة على مواجهة المستقبل إلا من خلال فكر وتخطيط مستقبلي لا يقوم على حل مشكلات الماضي والتعامل مع الحاضر فقط بل إلى تصور المستقبل. وفي ذلك ينبغى التركيز على أهمية أن يكون الواقع المستقبلي جزءًا أساسيًا من تفكير القائمين على التخطيط التربوي، واستخدام الأساليب المستقبلية التي تتيح رسم التوجهات التي تحكم المستقبل واتخاذ قرارات بشأنها.
فى هذه الدراسة يعرض د. محمد أحمد عبد العظيم، المدرس المساعد بقسم التربية المقارنة بكلية التربية، جامعة المنيا، للخطوات المنهجية لاستخدام أسلوب السيناريوهات في التخطيط التربوي، فالسيناريو يمثل أداة تجريبية لتحديد السياسات البديلة، ويعطي فرصة كبيرة للخيال وإطلاق الذهن؛ بهدف استكشاف كل الاحتمالات التي يمكن أن يتضمنها المستقبل.
هذا ما دعا إلى تزايد أهمية استخدام تقنيات الدراسات المستقبلية وعلى رأسها أسلوب السيناريوهات الذي يعتمد على التنبؤ، باعتباره الأساس الذي يقوم عليه التخطيط التربوي، حيث إن التخطيط يرتبط أصلًا ويقوم على أهداف وغايات تحمل تطلعات إلى المستقبل، من أجل تحقيق التنمية البشرية، وإشباع الحاجات الاجتماعية والفردية، وتلبية رغبات أفراد المجتمع واختياراتهم، وتحسين نوعية الحياة.
الدراسات المستقبلية
تعرف الدراسات المستقبلية من ناحية أهدافها بأنها "مجموعة من الدراسات التي تهدف إلى تحديد اتجاهات الأحداث، وتحليل مختلف المتغيرات التي يمكن أن تؤثر في إيجاد هذه الاتجاهات أو حركة مسارها"، ومن ناحية طريقة حلها للمشكلات بأنها "مجموعة الدراسات التي تكشف عن المشكلات الحالية، أو التي بات من المحتمل أن تظهر في المستقبل، وتتنبأ بالأولويات التي يمكن أن تحددها كحلول لمواجهة هذه المشكلات والتحديات".
وبالتركيز على أنها ليست خيالًا للباحث أو تصورات غير مشروطة تعرف بأنها "جهد علمي منظم يرمي إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة التي تشمل المعالم الرئيسة لأوضاع مجتمع معين، أو مجموعة من المجتمعات عبر مدة زمنية معينة تمتد لأكثر من عشرين عامًا، وذلك عن طريق التركيز على المتغيرات التي يمكن تغييرها بواسطة القرارات أو التي قد تتغير بفعل أحداث غير مؤكدة. وينطوي هذا التعريف على عدة أمور:
إعمال العقل والخيال المنظم في طرح التنبؤ المشروط بأفعال معينة قد يلبي طموحات مجتمع واحد أو عدة مجتمعات.
- اتساع المدى الزمني للاستشراف، فهو يبدأ من الزمن القريب ويتجه إلى الزمن المنظور لأكثر من عشرين عامًا.
- التحكم في المتغيرات الداخلية بهدف تحقيق الأهداف المنشودة، ومحاولة توخي أخطار المتغيرات الخارجية عن طريق توقع أحداثها التي قد لا تكون في الحسبان.
كما تؤكد "الجمعية العلمية للدراسات المستقبلية" أن الدراسات العلمية للمستقبل هي مجال معرفي أوسع من العلم، يستند إلى أربعة عناصر رئيسة:
- دراسات تركز على استخدام الطرق العلمية في دراسة الظواهر الخفية.
- أوسع من حدود العلم، فهي تتضمن المساهمات الفلسفية والفنية جنبًا إلى جنب مع الجهود العلمية.
- تتعامل مع مروحة واسعة من البدائل والخيارات الممكنة، وليس مع إسقاط مفردة محدودة على المستقبل.
- تلك الدراسات التي تتناول المستقبل في آجال زمنية تتراوح بين خمس سنوات وخمسين سنة.
أهداف الدراسات المستقبلية وأهميتها
محاولة استشراف المستقبل تهدف إلى التمكن من السيطرة عليه، وصناعة عالم أفضل يعيش فيه الإنسان، كما أنها تهدف إلى مساعدة صانعي القرار على اتخاذ قرارات وسياسات رشيدة، فليس الهدف منها هو الإنباء عن المستقبل، بمعنى تقديم تنبوءات غير شرطية وغير احتمالية بالأحداث المستقبلية. وبشكل أكثر تحديدًا يمكن القول أن الدراسات المستقبلية تساعدنا على صنع مستقبل أفضل، من خلال ما تحققه لنا من أهداف. أهمها:
- تفسير الماضي وتوجيه الحاضر، فالماضي له تأثير على الحاضر وعلى المستقبل، وإن كثيرًا من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة قراءة الماضي.
- تقديم الأفكار والمقترحات التي تساعد المجتمع على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية السريعة، حيث تحاول رسم صور للمجتمع من حيث القيم الاجتماعية والعادات التي من الممكن إهمالها أو إدماجها في ثقافة المجتمع، وكذلك النظم والاتجاهات السياسية المتوقع حدوثها في المستقبل، ومدى تأثيرها على النظم التعليمية السائدة في المجتمع في المستقبل.
- توفير القاعدة المعرفية التي تلزم لصياغة الاستراتيجيات ورسم الخطط، فكل عمل تخطيطي جاد غالبًا ما يكون مسبوقًا بنوع ما وبقدر ما من العمل الاستشرافي، كطرح بدائل أولية مثلًا لمعدلات مختلفة للنمو.
- توفير إطار زمني طويل المدى لما قد يُتخذ من قرارات اليوم، ومن ثم العمل لا على هَدي الماضي ولا بأسلوب تدبير العيش يومًا بيوم، أو معالجة الأزمات ومواجهتها بعد أن تكون قد وقعت؛ بل العمل وفق نظرة طويلة المدى وبأفق زمني طويل نسبيًا.
- فحص مجموعة متنوعة من المتتاليات أو المترتبات "إذًا ... عندئذٍ"، وهذا الهدف يضعنا غالبًا في مجال توليد السيناريو أو أسلوب مباراة المحاكاة، أي استكشاف مجموعة من النواتج التي قد تكون ذات تأثير علينا وعلى مستقبلنا.
- إعادة اكتشاف أنفسنا ومواردنا وطاقاتنا. واكتشاف مسارات جديدة يمكن أن تحقق تنمية شاملة وسريعة ومتواصلة.
- مساعدة الأفراد على الحياة في عالم متغير، وذلك عن طريق توفير خبرات سابقة، حتى لا يأتي المستقبل صدمة، وإحداث التوازن بين متطلبات الحاضر في مواجهة تلك الخاصة بالمستقبل.
دور أسلوب السيناريو في التخطيط التربوي
تتضح أهمية الدراسات المستقبلية في عملية التخطيط التربوي؛ فهي تمثل الأساس المعلوماتي الذي تقوم عليه عملية التخطيط الحقيقي للتعليم، وهي التي تزود المخططيين التربويين بشتى صور المستقبليات التربوية والمجتمعية البديلة (المحتملة والممكنة) ومترباتها مما يُسهل اختيار أفضلها.
- عرض الاحتمالات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية كما تكشف عنها السيناريوهات المختلفة.
- عرض النتائج المترتبة على الخيارات أو البدائل المختلفة.
- تركيز الانتباه على الأحداث الرئيسية وعلى استراتيجيات المواجهة والعلاقات السببية وعلى النقاط الحرجة لاتخاذ القرارات.
- تركيز الانتباه على القضايا التي يجب أن تحظى بالأولوية في اهتمام متخذي القرار.
- تمكين المجتمع من التفكير في كل هذه الأمور واستشارة النقاش حولها واستدعاء ردود الفعل منهم بشأنهم.
- تنشيط الخيال، ومن ثم المساعدة على اتخاذ قرارات أفضل اليوم بشأن المستقبل.
وتتلخص أهداف السيناريوهات في عرض الاحتمالات والإمكانات والخيارات البديلة التي تنطوي عليها التطورات المستقبلية كما تكشف عنها السيناريوهات المختلفة وعرض النتائج المترتبة على الخيارات أو البدائل المختلفة، وتركيز الانتباه على العوامل والتوجهات التي تحكم المستقبل وعن استراتيجيات تلك العوامل والعلاقات السببية، وعلى النقاط الحرجة لاتخاذ القرارات، وعلى القضايا التي يجب أن تحظى بالأولوية في اهتمامات المخططين، واستشارة النقاش حولها، واستدعاء ردود الفعل بشأنها.
مفهوم السيناريوهات
يعتبر السيناريو أحد الأساليب المستخدمة في الدراسات المستقبلية وأكثرها شيوعًا، وتأتي كلمة "سيناريو" Scenario من الفنون المسرحية والسينما،حيث ينظم التسلسل في الأحداث والشخصيات.
والسيناريو أداة للتنبؤ بالمستقبل، بغض النظر عن الوصول إلى هدف معين، ويرى آخرون أن السيناريو وسلة لصنع المستقبل، وأداة للتخطيط الاستراتيجي، ودعم اتخاذ القرارات المستقبلية المبنية على الظروف البيئية الممكنة.
أنواع السيناريوهات
من خلال تحليل مفهوم السيناريوهات، يمكننا تصنيف السيناريوهات إلى:
سيناريوهات استطلاعية، تنطلق من الوضع الراهن لتضع عدة احتمالات وبدائل للمستقبل.
سيناريوهات استهدافية: تنطلق من تحديد هدف مستقبلي ثم العودة إلى الحاضر لتحديد المسارات التي من المحتمل التي تقودنا تجاه تحقيق هذا الهدف؛ لذلك يطلق عليها السيناريوهات العكسية، أو سيناريوهات العودة إلى الوراء.
ومن خلال تحديد نوع السيناريو المستخدم والهدف منه؛ يتم في ضوء ذلك تحديد عدد السيناريوهات الواجب صياغتها، ففي السيناريوهات الاستطلاعية يحدد البعض خمسة سيناريوهات متوقعة لكل منظمة أو مجتمع ككل، وهي:
- سيناريو خالٍ من المفاجآت: يفترض هذا السيناريو ان الأحداث ستستمر كما هي عليها الآن.
- سيناريو تفاؤلي: يفترض أن الأحداث ستتحسن كثيرًا عمّا كانت عليه في الماضي.
- سيناريو تشاؤمي: شيء ما سيصبح أسوا بكثير مما كان عليه في الماضي.
- سيناريو الكارثة: الأحداث ستسوء بشكل مرعب، الوضع سينهار.
- سيناريو الثورة، أو الراديكالي، أو الانقلابي: شيء سيحدث لم نكن نحلم به.
ويحدد البعض ثلاث سيناريوهات احتمالية للسيناريوهات الاستطلاعية:
- سيناريو مرجعي: يعبر عن الوضع الأكثر احتمالًا لتطور الظاهرة محل الدراسة.
- سيناريو متفائل: يعبر عن الأمل في مسار تطور الظاهرة.
- سيناريو متشائم: يعبر عن حالة عدم توافق الظروف، والاتجاه بالحال إلى كارثة أو موقف صعب.
لكن إذا أردنا أن نتجه إلى سيناريو مرغوب ومثالي، هنا يكون سيناريو معياري (سيناريو استهدافي، أو سيناريو إلى الوراء)، فإننا نحدد الهدف المستقبلي المرغوب، ثم نعود إلى الوضع الراهن لتحديد المسارات الممكنة التي تقود إلى تحقيق هذا الهدف أو هذه الصورة المثالية.
طرائق بناء السيناريو
توجد ثلاث طرق متعارف عليها لبناء السيناريو، وهي:
- الطريقة الحدسية أو اللانظامية: الأساس في هذه الطريقة هو الحَدْس وإعمال قدرات التصور والخيال والتفكير الكيفي Qualitative، وهذا هو الأصل التاريخي للسيناريو، وهنا يتم التعامل مع السيناريو على أنه أحد أساليب دراسة المستقبل وليس منتجًا نهائيًا لأية دراسة مستقبلية، وبناء السيناريو طبقًا لهذه الطريقة يهتم بتصميم مجموعة من الشروط الابتدائية، وينظر للوسائل الكمية كعناصر مساعدة، ولا يتوقع أن يلتزم كاتب السيناريو بالافتراضات التي وضعها، إذ يبقى العنصر الأساسي في هذه العملية هو الحدس والخيال والاستبصار.
- الطريقة النظامية: تعتمد هذه الطريقة على الطرق الحسابية الكمية بصفة عامة، وعلى النماذج بوجه خاص، وتتميز هذه الطريقة بالقدرة على التعامل مع عدد ضخم من المتغيرات والنماذج الفرعية، والتنسيق بين سلوكها، وحساب نتائج الخيارات المختلفة، وتقدير ما يصاحبها من تكاليف ومنافع، وبناء السيناريو طبقًا لهذه الطريقة يتطلب تزويد النموذج في البداية بمعطيات وتوجهات معينة، والتي تندرج عادة ضمن الشروط الابتدائية للسيناريو، والتي تقدم من خلال الباحث المسئول عن السيناريو، وهنا يظهر دور الحدس والتخيل بجانب المعلومات والوقائع الخاصة عند تصميم الشروط الابتدائية للسيناريوهات غير السيناريو المرجعي، حيث تكون هذه الشروط متخيلة أو مصنوعة على مقاس السيناريو.
- الطريقة التفاعلية: وهي الطريقة العملية التي أمكنها الجمع بين مميزات الطريقتين السابقتين، حيث يتم تطبيق الطريقة الحدسية في مرحلة وطريقة النمذجة في مرحلة أخرى، أو يتم التفاعل بينهما في كل مرحلة وفقًا لما تقتضيه جودة النتائج؛ بغية الوصول إلى سيناريوهات جيدة.
بناء السيناريو
وتتم عملية بناء السيناريوهات من خلال مراحل ثلاث: أولها، جمع المعلومات، وإجراء مسح شامل لتحديد القوى المحرّكة للظاهرة المدروسة، وأهم التوجهات المستقبلية المتوقعة. وثانيهما، تصميم هيكل السيناريو، وتشكيل مجموعة من الصور المستقبلية البديلة التي يتم فحصها والتأكد من مدى تماسك مكوناتها الداخلية. وثالثهما، يتم بناء استراتيجية متكاملة ورسم المسارات التي يمكن أن تؤدي لهذه الصور المستقبلية. ومن المهم تحديد الاتجاهات والأحداث التي يشمل عليها كل سيناريو للتعرف على معيار ثبات السيناريو.
- وتسير خطوات بناء السيناريو وفق الخطوات التالية:
- الخطوة الأولى: وصف الوضع الراهن والاتجاهات العامة.
- الخطوة الثانية: فهم ديناميكية النسق والقوى المحرّكة له.
- الخطوة الثالثة: تحديد السيناريوهات البديلة.
- الخطوة الرابعة: كتابة السيناريوهات.
- الخطوة الخامسة: تحليل نتائج السيناريوهات (السيناريو المستهدف).
القابلية للتطبيق
وحتى تكون السيناريوهات قابلة للتطبيق، ومحددة لرؤية مستقبلية واقعية فعليها أن تتميز بمجموعة خصائص يفضل توافرها في السيناريوهات أو في عملية بنائها وتحليلها. ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
- السيناريوهات الجيدة سهلة الفهم والاستيعاب حتى يمكنها المساعدة على التعلم وتعديل التصرفات والأولويات لاتخاذ القرا المناسب.
- أن تكون قادرة على استكشاف النتائج والآثار المحتملة للاختيارات، ومن ثم دعم القرار المتعلق بالمستقبل الذي يتسم باللايقين.
- أن يكون بين السيناريوهات قدرًا واضحًا من الاختلاف والتمايز حتى يتسع نطاق الاحتمالات والاختيارات.
- أن يكون السيناريو ممكن الحدوث وليس محض خيال، بمعنى أن يتم الانتقال من الوضع الابتدائي إلى الوضع المستقبلي بطريقة منطقية منظمة.
- أن يتسم السيناريو بالقدرة على الكشف عن نقاط التحول في المسارات، والقدرة على توقع الأحداث المثيرة للإضطراب أو المؤدية للانحراف عن المسار الطبيعي للأحداث.
- لا قيمة للسيناريوهات، ولا معنى لتحليلها إن لم تكن فيها فائدة لعملية صنع القرارات، والتخطيط لمستقبل أفضل، ومن أهم الأساليب المؤدية غلى زيادة فائدة السيناريوهات إشراك المستخدمين المحتملين لهذه السيناريوهات في عملية بنائها وتحليلها.
لن تتمكن التربية من إعداد أجيال قادرة على مواجهة المستقبل إلا من خلال فكر وتخطيط مستقبلي لا يقوم على حل مشكلات الماضي والتعامل مع الحاضر فقط بل إلى تصور المستقبل. وفي ذلك ينبغى التركيز على أهمية أن يكون الواقع المستقبلي جزءًا أساسيًا من تفكير القائمين على التخطيط التربوي، واستخدام الأساليب المستقبلية التي تتيح رسم التوجهات التي تحكم المستقبل واتخاذ قرارات بشأنها.
فى هذه الدراسة يعرض د. محمد أحمد عبد العظيم، المدرس المساعد بقسم التربية المقارنة بكلية التربية، جامعة المنيا، للخطوات المنهجية لاستخدام أسلوب السيناريوهات في التخطيط التربوي، فالسيناريو يمثل أداة تجريبية لتحديد السياسات البديلة، ويعطي فرصة كبيرة للخيال وإطلاق الذهن؛ بهدف استكشاف كل الاحتمالات التي يمكن أن يتضمنها المستقبل.
هذا ما دعا إلى تزايد أهمية استخدام تقنيات الدراسات المستقبلية وعلى رأسها أسلوب السيناريوهات الذي يعتمد على التنبؤ، باعتباره الأساس الذي يقوم عليه التخطيط التربوي، حيث إن التخطيط يرتبط أصلًا ويقوم على أهداف وغايات تحمل تطلعات إلى المستقبل، من أجل تحقيق التنمية البشرية، وإشباع الحاجات الاجتماعية والفردية، وتلبية رغبات أفراد المجتمع واختياراتهم، وتحسين نوعية الحياة.
.