Business

منهج عمر بن الخطاب في تربية الناشئة

 التربية في الإسلام اهتمت اهتمامًا كبيرًا بتربية النشأ المسلم، وكان المنهج النبوي في التربية واضحًا وجليًا في وسائله وأهدافه، وكذلك كان للصحابة مناهجهم وأدواتهم ووسائلهم التربويه التي كانت تهدف إلى إخراج جيل رائد يقود العالم نحو النور.

وفى دراسة للدكتور محمد أحمد الكامل، قسم التاريخ – كلية الآداب- جامعة صنعاء، أوضح جوانب من سمات وخصائص منهج الإسلام في تربية النشء المسلم تربية صالحة، من خلال منهج عمر بن الخطاب التربوي الذي يمثل أنموذجًا تطبيقيًا اقتفى فيه أثر منهج المربي والمعلم الأول: محمد صلى الله عليه وسلم، ليس في تربية أسرته وأبنائه وحسب، بل وفي تربية المجتمع المسلم وناشئته انطلاقًا من مسؤوليته ووظيفته القيادية على الأمة بأسرها.

 

أولًا: منهج تربية الأسرة

الأسرة وقوامها الوالدين ومن يعولا في بيتهم، هي موطن الطفل ومنبته الأول، وهي المسئولة الأولى عن تربية أبنائها وتحديد الوجهة التربوية والسلوكية التي سينشئون عليها، فصلاح الأبناء أو فسادهم انعكاس لحال الأسرة، ذلك أن الطفل يخلق على الفطرة السمحة، وهي الدين القيم الذي جاء به الأنبياء والمرسلون.

وقد حرص منهج الإسلام في تربية النشء على صلاح تلك البيئة الأسرية صلاحًا مبنيًا على منهج الإسلام وشريعته. وراعى الأسرة يتحمل المسؤولية الأولى في صلاح أسرته وتنشئتها تنشئة إسلامية، ووضع قواعد وأسس ومنهج الإصلاح الأسري والاجتماعي، ومن القواعد المنهجية في إصلاح الأسرة، ما يأتي:

  • حسن الاختيار في الزواج

ها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعي غاية الزواج الكبرى وأنه وإن كان مطلبًا نفسيًا وجسديًا، فإن غايته الكبرى هو التناسل وتكوين أسرة على أسس الشرع، وكان له رؤية في النساء ومن ذلك قوله: «والله ما أفاد امرؤ بعد إيمان بالله خيرًا من امرأة حسنة الخلق ودود ولود».

وحرص عمر كل الحرص على مسألة الاختيار- لنفسه ولأبنائه المسلمين- وفق تلك القواعد والأسس المفضية إلى تحقيق الغاية من الزواج، وله في ذلك وصايا صارت من القواعد الشرعية التي يوصي بها العلماء، منها: أن اختيار الزوجة من حقوق الولد على أبيه، لقوله: «فمن أول حق الولد أن ينتقي أمه ويتخير الجميلة الشريفة العفيفة العاقلة لأمورها، المرضية في أخلاقها، المجربة بحسن العقل وكماله، المواتية لزوجها في أحوالها».

  • تعهد الأسرة بالتربية الإسلامية الصالحة

وحرص عمر كل الحرص على حسن رعاية أسرته والأخذ بيدها نحو منهج الله، في الحياة في العبادات والمعاملات وكافة السلوكيات الظاهرة والباطنة، من خلال القدوة الحسنة التي جسدها في نفسه وفي أسرته سلوكًا وعملًا سرًا وعلانية، ومن خلال التوجيه والمتابعة المستمرة، استشعارًا بعظم مسؤولية الإنسان تجاه من يعول.

ومن جوانب منهجه تعهد أهله بالتربية الصالحة:

  1. التربية على الالتزام بالعبادات والحدود الشرعية.
  2. تحري الحلال في أرزاقهم.
  3. التربية على الإيثار وتقديم أهل الفضل والسابقة في الإسلام.
  4. التربية على القدوة في ضبط النفس والصبر على المحن والشدائد.
  5. الرفق والتلطف مع الأهل.

 

ثانيًا: منهج عمر في تربية النشء المسلم

 مراعاة مراحل النمو وقدرات الناشئ العقلية والنفسية والجسدية، وكذا النوع والفروق الفردية وظروف بيئة الناشئ الأسرية والاجتماعية ومتغيرات العصر. ويعد البناء العقدي الركيزة الأساسية التي تبنى عليها مختلف الأسس التربوية، كما أن رعاية الناشئ في مرحلة طفولته المبكرة، يعد أحد الأسس الأولية والرئيسة في بناء شخصيته القيادية المتزنة، وتلازمها وتتبعها وتتكامل معها مجموعة من الأسس.

وكان عمر بن الخطاب يدرك تلك المراحل في حياة النش ء ويتبع منهجًا تربويًا ملائمًا لتلك المراحل التي قال عنها: «يثغر الغلام لسبع، ويحتلم لأربع عشرة سنة، ويلتقي طوله لإحدى وعشرين، وينتهي عقله إلى ثمانٍ وعشرين سنة، ويكمل ابن أربعين سنة».

ومن الأسس التربوية، في منهج عمر بن الخطاب ما يلي:

  • البناء العقدي

البناء التربوي العقدي هو الأساس الأول الذي تُبنى عليه مختلف الجوانب التربوية؛ لأنها جزء منه ولا تنفصل عنه، وإذا ما تم البناء التربوي العقدي على الوجه الأمثل فإن ذلك سينعكس على نجاح الجوانب التربوية الأخرى، وسيكون أكبر معين للمربين على أداء مهمتهم التربوية تجاه أبنائهم ومن يربونهم .

وكان عمر بن الخطاب يحنك أبناء المسلمين، ويقر الاحتفال بالدفوف لمناسبة قدومهم وختانهم، ويوصي المسلمين بحسن اختيار أسماء أبنائهم، وتربيتهم على عقيدة الإسلام من حب الله والتزام طاعته والخوف من معصيته، وأداء الفروض والالتزام بحدود الله، وتعلم القرآن وحب رسول الله واقتفاء سنته، والغيرة والدفاع عن عقيدة الإسلام وعن نبي الإسلام.

ومن جوانب تعزيز عقيدة الأطفال، أنه ربما أخذ بيد الصبي فيجئ به فيقول له: «ادع لي فإنك لم تذنب بعد». وكان يقول: «يكتب للصغير حسناته ولا تكتب عليه سيئاته». وكان يقتفي منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة أبناء اليهود والنصارى في بلاد العرب إلى الإسلام.

  • البناء النفسي والبدني

البناء العاطفي والنفسي والبدني: بناءان تربويان متوازيان ومتكاملان، ولا يمكن الاعتناء بأحدهما وإهمال الآخر، فكلاهما يجب أن يسير في سياق متوازٍ ومتوازن ليحققا هدف بناء شخصية الفرد النفسية والبدنية المتوازنة، فالبناء النفسي يُعنى ببناء وتنمية وتقييم وتهذيب الجانب النفسي والعاطفي والوجداني للناشئ، بناءً متوازنًا موجهًا ينعكس إيجابًا على حالة الناشئ في سلامة واتزان وضبط تصرفاته وانفعالاته وأساليب تفكيره وسلوكه الأخلاقي، والبناء البدني يعني ببناء الجانب المادي الفسيولوجي وتنميته، الأمر الذي يجعل من الفرد الناشئ شخصًا قياديًا قويًا صالحًا ومثمرًا في الحياة يعود خيره ونفعه على نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.

  • البناء الأخلاقي والاجتماعي

وقد سبقت الإشارة إلى جوانب من منهجه في تربية الأسرة والنشء على قواعد وأسس الأخلاق الإسلامية. والتربية الأخلاقية للفرد مرتبطة أشد الارتباط بالمجتمع، إذ تتجلى بصورة جلية في علاقة الفرد بمجتمعه، فكما أن أخلاق الفرد تتضح من خلال علاقته بالمجتمع، فإن المجتمع بدوره أحد وسائل موجهات وتنمية أخلاق الفرد. وهذا ما يجب على المربين إدراكه واستيعابه.

و من منهج عمر في غرس وتنمية أخلاق النشء على المستوى الشخصي والاجتماعي:

  1. الرفق والتلطف بالنشء واحترام حقوقهم.
  2. بناء وتنمية الثقة بالنفس والشجاعة الأدبية.
  3. تنمية خصال المروءة ومكارم الأخلاق.
  • البناء العلمي والمعرفي

وكان عمر يكتب إلى أهل الأمصار يأمرهم بتعليم أولادهم الفروسية والسياحة والرمي ورواية الشعر. ومن أولويات مهام الولاة والعمال الذين كان يعينهم في الأمصار، أن يعلموا الناس أمور دينهم، كتب إلى أهل الأمصار: «إني لم أستعمل عليكم عمالي ليضربوا أبشاركم، وليشتموا أعراضكم، ويأخذوا أموالكم، ولكني استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم».

ومن صور اهتمامه بتعليم الصبيان تشجيعهم على حضور مجالس العلم واستثارة هممهم العلمية وشجاعتهم الأدبية، وإنشاء كتاتيب ملحقه بالمساجد لتعليم الصبيان، فقد فرض لثلاثة معلمين كانوا يعلمون الصبيان في المدينة خمسة عشر درهمًا لكل واحد منهم في كل شهر، وكان يشجع المتفوقين علميًا بالجوائز المالية، وكتب إلى بعض عماله بمنح الجوائز تشجيعًا للمتفوقين.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم