الصلاة والسلام على المربي الأول، والنبي المعلم، والرحيم بالأمة ﷺ، الذي قرر أن الخطأ صفة ملازمة للبشرية، ومع ذلك فإن الخيرية ملازمة لكل من تخلص من أخطائه وأقلع عن ذنوبه، حيث أخبر صلوات ربي وسلامه عليه عن ذلك بقوله: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ».
ووفقًا للدراسة التي أعدها الدكتور عمر بن حسن بن إبراهيم الراشدي، أستاذ أصول التربية الإسلامية بجامعة أم القرى، فإن الخطأ سيقع ويتكرر من الإنسان ولا مناص من ذلك، وهنا كان لا بد من عرض منهج التربية الإسلامية في تعديل السلوك عن طريق خطوات تربوية تعالج الخطأ، وتهتم بالمخطئ تحفظ نفسيته وتحترم شخصيته وكيانه باعتباره إنسان مكرم، يضعف فيقع الخطأ منه، ويتوب ويئوب فترتفع درجته عند الله تعالى.
منهج التربية الإسلامية في تعديل السلوك الإنساني
- الجانب الوقائي لضبط السلوك في التربية الإسلامية
لقد أحاطت التربية الإسلامية المسلم بسياج من التوجيهات والإرشادات والأحكام التي تحمي سلوكه من الخطأ، وفطرته السوية من الانحراف، فالضبط الوقائي للسلوك يعني: «صيانة فطرة الإنسان وحمايتها من الانحراف، ومتابعة النفس الإنسانية بالتوجيهات الإسلامية الربانية، عن طريق أخذ الاحتياطات والتدابير الشرعية التي تمنع من التردي في خبائث العقائد والأخلاق وسائر الأعمال؛ ليظل الفرد على الصراط المستقيم، مهتديًا للتي هي أقوم في كل جانب من جوانب حياته».
- التدابير الوقائية لحماية وضبط السلوك في التربية الإسلامية
- بناء الأسرة: التي هي خط الوقاية الأول لحماية سلوك الطفل من الانحراف، وضبطه عن الخطأ، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بوعي الوالدين، وتحمل مسؤوليتهما للقيام به.
- تعلم الآداب والالتزام بها: إن الإسلام دين يقوم على الخلق العظيم والأدب الكريم، ويجعل ذلك من صميم رسالته، بل هو قوامها وعنوانها وثمرتها، وكل العبادات في الإسلام تلتقي عند هذه الغاية، فقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة رسالته في قوله الكريم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق».
- تنمية الدوافع نحو السلوك الصواب: جاءت التربية الإسلامية بالدعوة إلى التوازن في إشباع الدوافع، فلا إفراط ولا تفريط، فهي دعوة وسط، تنظم الدوافع وتنميها ولا تطلقها، وتحفظها وتسيطر عليها ولا تكبتها.
- المحاسبة: وهي المراقبة الذاتية ومراعاة الضمير الإنساني.
الأثر التربوي لحتمية وقوع الإنسان في الخطأ في منظور التربية الإسلامية
الخطأ جبلة بشرية، وقعت من أبو البشر آدم عليه السلام، وتوارثها أبناؤه من بعده، ولا يكاد يسلم منه أحد، فالخطأ ليس مشروعًا بذاته، ولكنه معتبر في الشريعة الإسلامية.
ولذلك شرع الله- سبحانه وتعالى- التوبة، والاستغفار، والتكفير، والكفارات المعروفة في الشريعة وأحكام كثيرة، كما أن الحدود مبنية على حصول الخطأ، وأن الله تعالى علم أن البشر بحكم جبلتهم وتكوينهم يخطئون،، فهذا المفهوم المعتدل للخطأ مهم جدًا حتى لا يبالغ الناس في الطهرانية والملائكية وتصور استبعاد الخطأ، وألا يقعوا أسرى للجبرية والقدرية والاعتذار والتعلل بالقدر والحتمية عن عدم التصحيح.
- الدروس التربوية المستفادة من حتمية الخطأ.
هنا دروس تربوية في غاية الروعة في التعامل مع الخطأ، وحفظ كرامة ورحمة المخطئ الذي وقع منه الخطأ، يمكن تقريرها وإيراد هذه الدروس التربوية باختصار على النحو التالي:
- حال حصول الخطأ من المخطئ: يجب على المربي أن يفرق بين الخطأ والمخطئ، فعندما يقع طفلك في خطأ، فلا تقل له: «إني أكرهك»، فهذه عبارة مدمرة للطفل تسلبه أهم شيء وهو الأمن النفسي المتمثل في حب الوالدين، ولكن خاطبه بقولك: «إني أكره تصرفك الفلاني»، وهو يعني ضرورة الفصل والتمييز بين رفضنا للقول، مع تقديرنا للقائل.
- لا توبة إلا من خطأ: هذا الدرس من أعظم الدروس المستنبطة من معرفتنا بأن الخطأ صفة بشرية، الأمر الذي يتطلب من المربي أن يعطي المخطئ فرصة للتوبة من خطئه، فحينما يعرف الإنسان أنه وقع في الخطأ، فليس أمامه إلا أن يتوب منه ويقلع عنه، أو يصر عليه ويستمر فيه، فالموقف الأول يبرر أنه وقع منه الخطأ دون قصد وأقلع عنه، والثاني يعني أن الخطأ وقع تحت القصد والعمد ويجب أن يعاقب عليه.
- من الدروس التربوية المستفادة لكي ينظر المربي بعين الرحمة لسلوك المخطئ أن يطبق قاعدة: ماذا لو كنت مكانه كيف أحب أن أعامَل من قبل الآخرين؟ فينبغي لمن اهتدى أن يتذكر منة الله عليه بالهداية، فلا يغتر بهدايته؛ فيسخر من العصاة والمخالفين؛ بل مع نصحه لهم يرحمهم، ويود لهم الخير، ويتلطف بالخطاب، ويتحلى بالآداب، فهذه سبيل عظيمة لهدايتهم وانتفاعهم.
.