أدى تفشى وباء كورونا في العال كله إلى عزلة المجتمعات والأفراد داخل محيط بيوتهم لا يكادون يغادرونه إلا للضرورة القصوى خوفا من أن يصيبهم الوباء القاتل، وهي العزلة التي أحدثت صدى كبيرًا داخل كل بيت على وجه الأرض لإحداث مستجدات لم تتعود عليها بيوتنا وهي أن يجلس الجميع على مدار الـ24 ساعة داخل البيت مما سببت الكثير من المشاكل في كثير من البيوت التي لم تستطع أن تتكيف مع الوضع الجديد، حتى وصل الحال بعجوز إيطالي للخروج في الشوارع معلنا للشرطة أن زوجته أسوء من كورونا.

لكننا لو نظرنا إلى الجوانب الإيجابية لهذه العزلة لوجدناها كثيرة يستطيع كل إنسان أن يتعرف عليها ويكتشف مكنون نفسه خلال هذه الفترة، ولذا فالعزلة فرصة عظيمة للإنسان لاكتشاف ذاته، في عالم صارت فيه عزلة الإنسان لحظة نادرة يطحنها صخب الحياة.

فلقد رأينا كثيرا من الكتاب والمبدعين ظهرت مواهبهم أثناء عزلتهم مثل ابن الطفيل الأندلسي الذي أخرج قصته (حي بن يقظان)، وأيضا عباس العقاد الذي ترك صخب باريس وأضواء القاهرة وعمل كنائب في الأرياف فكان من ثمرة عزلته كتاب (يوميات نائب في الأرياف).

والكتابة لا تحتاج إلى أقلام وأوراق مثل الماضي، فالآن ممكن كل واحد يجلس خلف هاتفه ويسطر ذكرياته ومذكراته ويومياته وأفكاره ويضع خريطة للتعامل مع الأزمات واستراتيجية تحدد طبيعة حياته فيما بعد.

إن عزلة كورونا عزلة إجبارية لا مناص منها، ولذا فعلى الكل التعامل معها، كما لابد أن على كل واحد أن ينفرد بنفسه، ويعيد حساباته من جديد، كما عليه أن يعيد تقييم الأمور والحياة، وأن يتحدث مع نفسه، وتفهم ما الذي تريده بالضبط، تتقبلها وتتصالح معها.

فوائد العزلة

• التخطيط

العزلة مهمة جدا لبدء التخطيط الجيد لحياتك ومستقبلك، فأنت تحتاج أن تكون وحيدا بعيد عن أي ضغوط، فإذا أردت التخطيط لحياتك بأفضل شكل ممكن؛ فانعزل قليلًا عن كل شيء.

• الهدوء النفسي

تساعدك العزلة على الهدوء النفسي، فأن تجلس بمفردك، في انعزال تام عن البشر وعن حتى الأشياء والماديات، في علم النفس تعتبر العزلة وسيلة تفريغ، وطريقة فعالة جدًا للتصالح مع الذات، ولتسوية كافة الخلافات والمشاكل، كما تتيح المساحة للتفرغ للعبادة، والاستئناس بمناجاة الله سبحانه.

• الإبداع

تساعد العزلة على إخراج طاقتك المدفونة وإبداعك الداخلي، فطالما كان الإبداع مقترن بالعزلة، فإنه نتيجة حتمية لها، فالحياة للأسف تؤثر فينا سلبًا بسبب الضغوطات والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا، لا وقت لدينا للإبداع هنا، فقليل من العزلة، ننشط الإبداع نبث الحياة فيه من جديد، ستجد أكثر الناس معرفة بهذه الفكرة هم المبدعون، يدركون أهمية العزلة، تجدهم يتعاملون معها بامتنان حقيقي.

• التصالح مع الحياة

تساعدك العزلة على التصالح مع الحياة أيضا، وليس فقط مع ذاتك، فعندما تتصالح مع ذاتك، أنت تتصالح مع كل شيء حولك، مع الآخرين الذين لطالما شكوت منهم، تتصالح حتى مع ظروفك ومشاكلك، يغدو كل شيء أسهل من ذي قبل، الحياة برمتها تصبح أخف وأبسط.

• الصحة العقلية

الخط بين العزلة المفيدة والانعزال الضار عن الآخرين يمكن أن يكون غير واضح تماماً. ويقول فيست: «كل الأشياء تقريبًا يمكن أن تكون قابلةً للتكيف والتماثل إلى حد كبير»، كما تقول كريستين روو.

إن العزلة التي فرضها وباء كورونا ليس شرا في مجملة لكن نجتهد أن نجعلها تهذيب وإصلاح للنفس، كما أنها توضح لكل واحد حصار نفسه في قيود وهمية.

إن القليل من الوقت وحدك ليست بالضرورة فكرة سيئة، إنه يعطينا وقتًا لإعادة التجديد، كما يجعلنا نقدّر أصدقاءنا وعائلتنا أكثر قليلًا.

طالع بيانات وزارة الصحة العالمية حول فيروس كورونا (كوفيد 19) المستجد: https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses