لقد أنزل الله تعالى كتابه العظيم على نبيه الكريم، هدى ورحمة للعالمين، وأكرمه بالحكمة، وآتاه البصيرة، فكان سراجًا منيرًا للإنسانية، وهاديًا للبشرية؛ وأنعم عليه بصحاب كرام، وزوجات عاليات في المقام، كن خير الأنام، نبعت قلوبهم بحبه، وفاضت عقولهم إيمانًا وتصديقًا برسالته، فحفظوا عنه القرآن، وحملوا عنه السنة، وفهموا مقاصد الشريعة وأهدافها، فكانوا سراجًا لمن بعدهم، ونبعًا صافيًا جاريًا يروي الظمآن، ويغيث اللهفان.
وتوضح هذه الدراسة التي أعدتها الباحثة منال صالح عبد رب النبي السليماني، بعض التوجيهات والمواقف التربوية من حياة الرسول ﷺ والسيدة عائشة، وسيرته العملية، وإبراز الملامح البشرية في حياته، وكيفية تعامله مع زوجته في أحلك ظرف يمكن أن يمر به أي زوجين من خلال حادثة الإفك، فترك لنا نموذجًا تربويًا رائعًا يبقي إلى يوم الدين، والذي كان سببًا في إيجاد التشريعات وعقوبات رادعة للذين يعبثون بأعراض المسلمين، وإيجاد مسلك للوقاية من هذه الأمراض الاجتماعية، من خلال تشريعات وقائية بينت الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع.
التوجيهات التربوية في حفظ الأعراض على ضوء الهدي النبوي
كشف المنافقين وبيان خطرهم
يسعي المنافقين جاهدين في كل وقت لإثارة الفتن وإشعال نارها وإذكاء جذوتها كل ذلك من أجل هزيمة المسلمين، وإنزال النكاية بهم والقضاء على هذا الدين، ويخبرنا عنهم الله تعالى في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}، إذن فهم ليسوا فردًا أو أفرادًا، إنما هم عصبة متجمعة ذات هدف واحد، ولم يكن عبد الله بن أبي سلول وحده هو الذي أطلق الإفك وإنما هو الذي تولى معظمه، وهو يمثل عصبة اليهود والمنافقين الذين عجزوا عن حرب الإسلام علانية، فتواروا خلف ستار الإسلام ليكيدوا للإسلام خفية، وكان حديث الإفك أحد مكائدهم القاتلة، ثم خدع فيها بعض المسلمون فخاض منهم من خاض.
التثبت قبل نقل الأخبار وإصدار الأحكام
هذه الحادثة تطلق إنذار تحذيري من الخوض في أعراض المسلمين بغير حجة وبرهان، أو إشاعة الأخبار غير الموثقة في المجتمع، فكان من التعليمات التي وجهها الله إلى أفراد المجتمع الإسلامي أن لا يقبلوا من كل أحد قوله بدون روية إذا كان يرمي غيره بما لا يرونه فيه ولا يشيعوه في المجتمع.
الصبر على الابتلاء والاستعانة بالله
ولقد ضرب لنا رسول الله ﷺ أروع مثال في الثبات والصبر هو وزوجته الطاهرة العفيفة، وأسرتها الكريمة أبو بكر الصديق وزوجته أم رومان، والصحابي الجليل صفوان ابن المعطل وهو الذي رمي بخيانته لبيت النبوة دونًا عن سائر الناس، جميعهم عانوا الكثير من الألم والحزن في هذه الحادثة حتى تفطرت قلوبهم إلا أنهم واجهوها بكل صبر وثبات وقوة وإيمان وثقة بالله عز وجل لا تهزها أو تزحزحها رياح المنافقين.
حكمة الابتلاء
قدّر الله في هذه الدنيا على المؤمنين نصيب من الابتلاء، ويطلعنا الله تعالى على سبب ابتلائه لهم، وبأنه ليس بالضروري أن يكون شرًا أو عقابًا لذنب اقترفوه، إنه يخبرنا عن حكمة بالغة أراداها من هذا الابتلاء العظيم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، هو خير لأنه يكشف عن الكائدين للإسلام في شخص رسول الله ﷺ وأهل بيته، ويكشف للجماعة المسلمة عن ضرورة تحريم القذف وأخذ القاذفين بالحد الذي فرضه الله.
الدفاع عن عرض المسلم
يبين لنا الله تعالى قانون المجتمع المسلم في مثل هذه المواقف الأليمة وما ينبغي عليه اتباعه من سلوك، إذ الدفاع عن عرض المسلم واجب في حال تعرض الى ما يسيء له أو قيل عنه، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}.
كان أول من فعلها أسامة حيث سأله رسول الله ﷺ في ذلك فقال: «أهلُك ولا نعلم إلا خيرًا»، ثم كان قدوتنا فيما فعله النبي ﷺ رغم حرج موقفه إلا أنه ما وقف متفرجًا أمام من نال من عرضه، فقام يذب عن أهله وعن المؤمنين وذكر قائلًا: «يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما يدخل على أهلي إلا معي».
قضايا القذف
حركت هذه القضية جانب مهم في الحياة البشرية، وكانت سبب في وضع قواعد عظيمة في القانون الإسلامي وأحكامه في الحياة الاجتماعية، بحيث إذا عمل بها المسلمون سلم مجتمعهم من نشوء المنكرات والفواحش، ومن هذه القواعد والخطوات التي وردت في المنهج القرآني:
الخطوة الأولى: خطوة الدليل الوجداني، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (النور: 12).
الخطوة الثانية: هي طلب الدليل الخارجي والبرهان الواقعي، قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النور: 13).
الخطوة الثالثة: تطبيق حد القذف، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 4) وهكذا طبقها الرسول ﷺ فور نزول آيات البراءة.
الوعي بالحملات المغرضة المستهدفة لرموز الأمة الإسلامية
ولعل ما تفعله تلك الحملات المغرضة للطعن في الإسلام بحرابهم ورمي القرآن الكريم وتحريفه والتعدي على شخصية الرسول الله ﷺ وزوجاته الطاهرات وصحابه الكرام، والطعن في العلماء أو الدعاة أو المتمسكين بالدين، بتلفيق التهم ضدهم ورميهم في أعراضهم وفي أنفسهم، وإحيائهم لقضية الإفك وإطلاق سهامهم للنيل من زوجة الرسول ﷺ، كل ذلك وسائل مبتكرة هدفها الأوحد القضاء على الدين الإسلامي.
تثبيت عقيدة الولاء والبراء
الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة، وشرط من شروط الإيمان، تغافل عنه كثير من الناس، وأهمله البعض، فاختلطت الأمور، وكثر المفرطون، إن معنى الولاء: هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم؛ أما البراء: هو بغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتعدين.
.