يتمتع كل إنسان بمجموعة من الصفات المهمّة التي تُنظّم أفعاله، وتضيف لها الجمال والوقار، وصفة الذوق هي واحدة من تلك الخصائص المحبب توفرها لدى الإنسان عند تعامله مع نفسه ومع الآخرين.
غير أن الواقع الآن يجعل العيون تبكي دمًا، والقلوب تفطر لغياب هذه الصفة وسط الأجيال، التي تتعمد أن تتناسى حديث رسول الله ﷺ: «ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويعرف لعالمنا حقه» (أخرجه البزار عن عبد الله بن عباس)، حتى غابت معاني التربية وسط كثير منهم، فأصبح كثيرٌ منهم لا يحترمون كبيرًا ولا يوقرون شيخًا، وأخاف أن أصف ذلك بالظاهرة التي انتشرت وسط شبابنا وأبنائنا، ليس في وطن واحد بل أصبحت في العديد من الأوطان الإسلامية.
لقد أصبحنا الشاب يمد رجله في وجه أباه، أو يحدثه وهو مضجع، أو يضع رجلًا على الأخرى أمام الكبار، أو يسرع ليتقدم أمام الكبار أو يستأثر بالمقاعد في المواصلات دون المرضى والنساء كبار السن، أو أو أو ...
إن العالم الإسلامي يعيش أوضاعًا تكاد تكون التربية فيها في ذيل الاهتمامات، حتى داخل الأسرة، فالأب كل مهامه أن يوفر الطعام والشراب والملبس للأولاد، والأم أصبحت منشغله بين مشاغل البيت والحياة والسوشيال ميديا، والأبناء تحولوا لأسرى للهواتف ومواقع السوشيال ميديا، وأصبحت الأسر متقطعة الأوصال كل في وادٍ.
إن مثل تلك السلوكيات، لم تعد فردية، بل أصبحت ظاهرة اجتماعية، استمرأها بعض البشر ممن تخلفوا عن ركب الأخلاق الحميدة، والذوق السليم واعتقدوا خطأً بسلامة سلوكهم المشين.
مظاهر الذوق العام
للذوق العام مظاهر كثير يجب على أبنائنا وبناتنا وشبابنا أن يحرصوا على الالتزام بها، كما يجب على الآباء والأمهات الاهتمام بغرسها فيهم، بل وتدريبهم عمليًا عليها، ومن هذه المظاهر التي يجب أن نحرص على غرسها فيهم: الاستئذان، والقصد في المشي، والخفض من الصوت، واحترام الكبير ورحمة الصغير، وعدم الرد على السفيه والشاتم، ومناداة الناس بأحب أسمائهم، وغيرها من المظاهر... إلخ.
أسباب ضعف الذوق
لن نستطيع حصر الأسباب؛ فهي تختلف باختلاف البيئات، إلا أن الثوابت فيها تتمثل في:
- غياب التربية الصحيحة عند الكثير من الأبناء والبنات.
- ضعف المؤسسات التعليمية والثقافية وسلبياتها.
- قلة وجود القدوة الحسنة.
- ضعف التناصح، وعدم الاهتمام بتنمية الذوق العام.
- تقديم رسائل وإرشادات مخالفة للدين، وضارة بالأخلاق، من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية.
وغير هذا من الأسباب الكثير التي يجب أن يحرص الآباء والمؤسسات على علاجها في شبابنا وبناتنا وأبنائنا.
خطوة نحو العلاج
ليس من سبيل لتصحيح تلك السلوكيات إلا بتضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتربية النشء على الأخلاق الإسلامية الكريمة، لإنقاذ الأجيال القادمة من تدهور خطير في أساسيات العلاقات الاجتماعية التي تحكم تصرفات الفرد تجاه غيره، ونشر ثقافة الذوق العام، واحترام الناس، والتعامل الإنساني الرفيع عن طريق القنوات الإعلامية.
ومن السبل للتغلب على هذه المعضلة التي تضرب جنبات العواصم الإسلامية في مقتل:
- إعلاء الوازع الديني، والخشية من الله، والحرص على احترام النفس.
- الرقابة التربوية من قِبل الآباء والأمهات على سلوكيات الأبناء.
- تفعيل المعالجات التربوية من قبل المؤسسات التعليمية، ولا يكن جل همهم التعليم دون التربية.
- تشجيع الأبناء على احترام الكبار، والتأدب بالخلق الحسن في المعاملات مع الآخرين والأهل.
- استخدام أسلوب لائق في التناصح مع الأبناء، حتى لا يثبتوا على مواقفهم الخاطئة.
- مطالعة القرآن الكريم ومدارسته، ومطالعة سير النبي ﷺ وسنته، وصحابته والصالحين مع الأبناء.
- عمل وعرض لقطات وفيديوهات قصيرة تعالج انعدام الذوق.
- العناية بالأطفال منذ الصغر، وتنشئتهم على هذه السلوكيات.
يجب على كل بيت أن يبدأ بنفسه؛ فيحمل الأبناء بالحسنى على التحلي بالذوق العام الحسن، ويجب على الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة أمام أبنائهم، كما يجب على المعلمين أن يُعلوا شأن هذا السلوك لدى الأبناء والأطفال؛ حتى تظهر هذه السلوكيات وسط الشباب.
.