أقام الله تعالى لهذه الأمة من يقوم بتربية الناس وتعليمهم وتذكيرهم سنن المرسلين، كل فترة من الزمن، واختص هذه الأمة بأنه لا تزال طائفة فيها على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، يدعون الناس ويعرفونهم على الله ويدلونهم إليه، ويبذلون كل ما يستطيعون ليعلموهم الخير والهدى، فهم أحسن الناس هديًا وسمتًا، وأقومهم فعلًا وقِيلًا.

وهذه الدراسة التي أعدها الدكتور حاتم عبد الله سعد الحصيني، دكتوراة أصول تربية من جامعة أم القرى- مكة المكرمة، تبحث عن فكر الإمام محمد ابن مفلح الحنبلي وآرائه التربوية التي سطرتها كلماته، وعن بعض الآداب الشرعية التي ذكرها الإمام سواء في مجال الأدب مع الله، أو مع النبي ﷺ، أو في مجال الأدب مع الناس، وكيف نطبق هذه الآراء والأفكار التربوية في حياتنا المعاصرة.

التعريف بالإمام محمد بن مفلح الحنبلي

هو الإمام العلامة الفقيه المتفنن أبو عبد الله شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد المقدسي ثم الصالحي- نسبة إلى الصالحية من قرى دمشق- الحنبلي، وُلد سنة عشر وسبعمئة للهجرة، ونشأ في أسرة عريقة اشتهرت بالعلم والفضل، حفظ القرآن وهو صغير، ثم أخذ يتلقى العلم على العلماء العاملين في فنون مختلفة، فنشأ محبًا للعلم بارعًا فيه، لاسيما في علم الفقه، وكان مبدعًا فيه، وعَلَمًا من أعلام مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

العوامل المؤثرة في فكر الإمام

1. نشأته في بيت دين وعلم: فمن أجداده شيخ الإسلام البرهان ابن مفلح.
2. ملازمته العلماء الكبار أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الذهبي.
3. تمكنه من مذهب الإمام أحمد، فقد ذُكر أنه أصبح علامة الشام في المذهب الحنبلي، وألّف فيه كتاب «الفروع».
4. تأثره بالحالة العلمية في عصره؛ لأن الشام أصبحت في عصره مركزًا جيدًا من مراكز الحياة العلمية.

آراؤه التربوية

• من الناحية الإيمانية:

1. إصلاح السريرة وتحقيق الإخلاص والحب لله.
2. الخوف من سوء الخاتمة.
3. الحذر من الدنيا فإنها تغر الإنسان، وأخذ ما يقرب منها إلى الله.
4. تقديم النية الصالحة والحذر الحذر من الرياء.
5. أهمية قيام الليل. 
6. كراهية الشكوى من المرض والضير.
7. ذم الاعتراض على الله وعلى قدره.
8. التسليم المطلق لله حقيقة العبودية.
9. الاستماع للقرآن والإنصات له من أعظم الأدب مع الله.

• من الناحية العلمية:

1. القرآن أولًا يا طالب العلم.
2. العلم أعظم مطلوب وأغلى مقصود. 
3. العلم مواهب من الله يؤتيها من يشاء، يُنال بالتقوى والعمل لا بالحَسَب.
4. إن هذا العلم الشرعي دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
5. العلم أصل كل خير، ومعدنه أخلاق الرسول ﷺ.
6. تقبيل يد العالم ورأسه؛ فلا بد أن يكون للعالم مزية عن غيره.
7. كثرة مخالطة العلماء ومصاحبتهم.
8. غض الصوت عند المعلم وكل من يُحترم، وقُبح رفعه.

• من الناحية الاجتماعية: 

1. إحسان الظن بأهل الدين.
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس حفظ المجتمع.
3. تخول الناس بالموعظة خشية الملل.
4. آداب اجتماعية: كعيادة المريض، وتشميت العاطس.
5. الإحسان إلى الجار ومعرفة حق الجوار.
6. مخاطبة الناس على قدر عقولهم.
7. الإذن في الأكل من بيوت الأقربين والأصدقاء ولو عُرفًا.
8. الكف عن مساوئ الناس واستحباب مودتهم.

• من الناحية الأخلاقية: 

1. العفو عن زلات الناس ومداراتهم صدقة. 
2. مكارم الأخلاق من شيم الرجال: كالأدب، والتواضع، ومكارم الأخلاق.
3. أهمية خُلق الحياء، فهو خلق الإسلام.
4. ذم البخل والشح، وفضيلة السخاء.

التطبيقات التربوية لآرائه

في الأسرة:

1. تربية الأولاد على حسن العمل، والحذر من سوء الخاتمة.
2. تذكيرهم باستحضار الإخلاص في القول والعمل.
3. تدريبهم على الصلاة بالليل واستحضار الخشوع في الصلاة.
4. تربيتهم على الصلاة على النبي ﷺ إذا ذُكر.
5. تربيتهم على القناعة، والرضا بما قسمه الله لهم.
6. الحرص على الأمور التي تؤدي إلى محبة الله، من صلاة وقراءة القرآن وذكرٍ لله.
7. تعويد الأبناء يوم الجمعة على تقليم الأظافر وحلق الشعر الزائد.
8. حثهم على بر الوالدين.
9. مداعبة الزوجة والأولاد.
10. درس أسبوعي للأولاد يتعلمون فيه ما يعود عليهم من خير وفائدة.
11. تربية الأولاد على حب العلم والعلماء والتأدب للعلم.

ثانيًا: في المؤسسات التعليمية:

1. حث الطلاب على الصلاة، واستشعارهم معاملة الإنسان مع ربه ورقابته له.
2. تربيتهم على حب العلم واحترام الكتب الدراسية.
3. الاهتمام بحصة القرآن والتأدب معه.
4. فتح باب إعارة الكتب للطلاب وحثهم على كثرة القراءة.
5. غرس الآداب المختلفة: من عفو، وحسن ظن، وإحسان، في نفوس الطلاب.

ثالثا: في المجتمع:

1. فتح حلقات لتحفيظ القرآن الكريم.
2. تخول الناس بالموعظة.
3. اصطحاب الأبناء إلى المسجد.
4. إحسان الظن بالناس.
5. مساعدة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
6. عيادة المريض.
7. العفو عن زلات الناس ومداراتهم.
8. الحذر من الإسراف وأن يقدم الباقي من الطعام للمحتاجين.
9. الإحسان إلى الجار.