معالم المنهج التربوي للإخوان المسلمين في الاهتمام بالمرأة

 

إعداد/ عبده مصطفى دسوقي

لقد حفظ الإسلام حق المرأة الشخصية والمدنية وغيرها من الحقوق، وأعلى شأنها، فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وقد كرمها طفلة وزوجة وأمًا تُربي أجيالا، تعمل على إصلاح المجتمع.

ومن هذا المنطلق اعتنى الإخوان المسلمون بالمرأة كونها الشق الثاني في المجتمع، فاهتموا بتهذيب أخلاقها والاستفادة من دورها في الإصلاح، حتى أن الإمام البنا شكل قسما خاصا بها وأولاه اهتماما بالغا وهو قسم الأخوات المسلمات.

وفي دراسة خاصة (للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية) للباحث عبده دسوقي حول (معالم المنهج التربوي للإخوان المسلمين في الاهتمام بالمرأة) تناول فيها دور الإخوان التربوي تجاه المرأة والاهتمام بها والعمل على إعلاء شأنها ومكانتها، وتخليصها من أدران الأفكار الفاسدة والسلوكيات الفاحشة؛ وأبرز فيها دور العديد من النساء اللواتي عشن بهذه التربية فكانت آثارهن في المجتمع يُضرب بها المثل.

حرص الإخوان على إعطاء المرأة حريتها الكاملة التي كفلها لها الإسلام والدين الحنيف، وفي ذلك يقول الإمام حسن البنا: «نحب من كل قلوبنا أن تبلغ المرأة الشرقية أقصى حدود الكمال الممكن، وأن ترقى إلى أوسع مدى تطمح إليه، ونعتقد أن النهضة الصحيحة إنما تتدعم على أسس قوية من نفسية المرأة وروحها، وما تبثه فى نفوس أبنائها -وهم الجيل الجديد- من مبادئ وأخلاق.. ولكن حذار حذار فإن الموقف دقيق، حذار فإن المرأة التى تصلح الأمة بصلاحها، هى المرأة التى تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال إذا فسدت».

 

المرأة في الإسلام

إن الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام من أهم ما ينبغي أن تنصرف الاهتمامات إليه، ومن أعظم ما ينبغي التركيز عليه، وذلك أن المجتمع الإسلامي يقوم على الأسر، ويتكون منها، والأسر تقوم على المرأة، ويتخرج أفرادها على يديها، ويتلقون مبادئهم عنها، فهي محور ارتكازه، وعمود بنائه، وأساس أركانه، وبدونها لا يكون أبدًا، بل لا يتصور في ذهنٍ أن يقوم مجتمع بدون المرأة، المرأة التي بنيت بناء صالحًا، وأعدت لتقوم بدور بناء المجتمع، وتخريج أفراده ليقوم كل منهم بما يجب عليه حتى يكون مجتمعًا صالحًا.

إن الحديث في بيان مكانة المرأة في الإسلام ليس بدعًا من القول، بل هذا كتاب ربنا سبحانه وتعالى ليس فيه سورة، بل ولا آية، إلا وللمرأة فيها نصيب، إما بالاتعاظ وأخذ العبرة منها، أو بمشاطرة الرجل أحكامها وتوجيهاتها، بل قد تنفرد عنه في كثير منها، حتى جعل الله عز وجل للنساء سورة في كتابه، هي من أطول سور القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن حصره من الأحاديث الخاصة بالمرأة، أمرًا وتوجيهًا وإرشادًا وبيانًا لمكانتها.

بعث رسول الهدى صلوات ربي وسلامه عليه والمرأة تعاني هضمًا لحقوقها، وإجحافًا في معاملتها، واستخفافًا بشأنها، بل وتشكيكًا في إنسانيتها، وإن كان ثم نوع مراعاة لها عند بعض الأمم، فلا تعدو أن تكون في أمور شكلية، ورثها أهلها من بقايا ملة نبي بعثه الله تعالى، أو خلق كريم، لم ينطمس مع ما انطمس من الفطر، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).

ويقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «النساء شقائق الرجال» ( أخرجه الإمام أحمد)، ومسئولية المرأة الإيمانية كالرجل سواء بسواء، فهي مسئولة عن تصديقها وإيمانها بالله والرسول، وإن خالفها أقرب الناس من أبٍ أو أخٍ أو زوجٍ في ذلك.

 

مرحلة الإعداد

من المعروف أن مصر والعالم الإسلامي انقض عليه المستعمر الغربي بهدف سرق خيراته ومحاولة طمس الهوية الإسلامية ونشر التنصير وسط عموم الشعوب الإسلامية أو إخراجها من الإسلام وعمد بكل الطرق لذلك وحاول استغلال المرأة في هذا المضمار فزين لهن كل جديد وأغراهن بكل حضاري وعاب عليها تمسكها بتعاليم وعفة دينها فانساق وراء ذلك بعض النساء والرجال الذين فتنوا ببريق حضارته الزائفة، وأصبحوا معول تدمير في يدي المستعمر، وزاد الأمر حينما انقضوا على الخلافة الإسلامية فنقضوا عراها.

في هذا الجو الملبد بالغيوم نشأت جماعة الإخوان المسلمين والتي وضعت على رأس هرم أولوياتها تربية وتهذيب المرأة المسلمة.

ولذا ما إن نشئت جماعة الإخوان المسلمين إلا وكانت قضية المرأة في صدر أولوياتها، فمنذ السنوات الأولى للدعوة في الإسماعيلية أنشأ الإمام الشهيد مدرسة أمهات المؤمنين للبنات في مقابل معهد حراء للبنين، ثم أنشأ بيتًا للتائبات لينقذ المرأة المسلمة من عار البغاء، ويساعدها على الحياة الكريمة، ثم تكونت أول فرقة نسائية للأخوات المسلمات في الإسماعيلية في 26 أبريل 1933م، ثم حرص مكتب الإرشاد على تعميم هذه الفرقة في باقي الشعب.

وبعد مجلس الشورى الثاني للإخوان المسلمين عام 1934 قرر مكتب الإرشاد تكوين فرقة للأخوات المسلمات تتبع المركز العام وتشرف على جميع فرق الأخوات في القطر المصري، واختار الإمام الشهيد لرئاسة هذه الفرقة السيدة/ لبيبة هانم أحمد، وكان من أهداف القسم أيضا تخريج طبقة من فتيات الأخوات وسيداتهن المثقفات ليكن واعظات ومعلمات يحملن عبء الدعوة في محيط السيدات عن الرجال بالتدريج.

 

جهود عملية

وضع الإخوان بذرة قسم يهتم بشئون المرأة المسلمة وتشكل له هيكل ووضع له برامج تربوية ودعوية وقام بأنشطة عملية على أرض الواقع فنراهم:

1- أنشأوا قسمًا للمرأة المسلمة ووضعوا له اللوائح التي تنظم آلية عمل هذا القسم وتساعده على الاستمرارية.

2- اهتموا بإنشاء مدارس خاصة بالفتيات، مثل مدرسة أمهات المؤمنين ووضع خطة لإنشاء فروع في شبين الكوم وبور سعيد وأسيوط وباقي الفروع().

كما كان من آثار نشاط قسم الأخوات إنشاء أول مؤسسة اجتماعية لهم وهي (دار التربية الإسلامية للفتاة) وكان مقرها شارع قنطرة السكرة بالمنيرة، والتي تهدف إلى تربية الفتيات الفقيرات تربية إسلامية صالحة وإعدادهن إعدادا إسلاميا صحيحا ليواجهن الحياة العملية.

وتذكر الحاجة فاطمة عبدالهادي نشاط المدرسة متمثلا في:

  • مساعدة أسر الفتيات وبعض العائلات الفقيرة من كساء وعلاج وتقديم إعانات مالية.
  • إطعام الفقراء في شهر رمضان.
  • توزيع أغطية ملابس على العائلات الفقيرة في الشتاء وفي المواسم والأعياد.
  • المساهمة في الإرشاد الاجتماعي والوعظ عن طريق المحاضرات.
  • القيام بالإصلاح بين السيدات في البيوت.
  • وهذا بجانب مهمتها الأولى الرئيسية وهي تنشئة جيل يربى تربية عملية إسلامية صحيحة.
  • كما كانت المدرسة تقدم بعمل المعارض التي تشمل على الملابس والأدوات المنزلية وغيرها من منتجات المدرسة.

3- في وقت أباحت فيه الحكومة المصرية الزنا بقانون نزولا على رغبة المحتل الانجليزي سعى الإخوان على نشر الفضيلة وبذر النواة وسط الناس فأنشأوا دار التائبات ورغبهن في التوبة بل وساعدهن على إيجاد عمل أو أزواج لمن رغبت في الزواج والاستقرار.

  4- كان هدف التبشير هي الفتاة المسلمة خاصة الفقيرات الصغيرات فكوَّن الإخوان لجانًا لمجابهة حملات التنصير وكتبوا يحثون شيخ الآزهر ووزير الداخلية على التصدي لما يقوم به المنصرون وسط الناس، بل كتبوا يكشفون حقائق المدارس الأجنبية وما تقوم به من تنصيير للفتيات ونقلهن للأديرة في أماكن لا يعرفها أحد، ويوضح أحد الخطابات بعض هذه الجهود العملية حيث جاء بتاريخ 12 شوال سنة 1351هـ، خطاب مرسل للمرشد العام الأستاذ حسن البنا: وبعد، فقد سبق في الرقيم أعلاه أن كتبنا للأخ نائب جمعية الإخوان المسلمين ببور سعيد عن القيام بما يؤدي إلى إنقاذ الفتاة (أفكار منصور) الموجودة بمدرسة جمعية التبشير البروتستانتي (السلام) بالمنزلة وقد تحرينا عن التلميذات البورسعيديات، أفكار منصور سنها 23سنة (أمها متزوجة الأسطى حسين علي بمنشية الثلج بقسم ثاني بحي العرب)، ناظلة أحمد الخولي سنها 14سنة (كان والدها صيادًا والآن مريض)، زكية محمد سنها 12سنة (غير معروف لها أهل)، سيدة عبده الريان سنها 13سنة (يتيمة وبدون عائلة)، عطيات محمد زقزوق سنها 7 سنوات (لا تعرف أمها إلا بعلامة في وجهها).

ذلك بيان بأسماء التلميذات البورسعيديات الموجودات بمدرسة المنزلة وإنا حيال ذلك نلتمس من فضيلتكم التنبيه على الإخوان ببور سعيد وجميع الجهات التي بها فروع للجمعية المباركة، والتي يوجد بها مدارس كهذه كي يتخذ كل ما يوصل إلى إنقاذ الفتيات المسلمات حيث ذلك يجعلنا جميعًا نضع أيدينا على موضع الداء.

بل وضع الإخوان بعض الأفكار العملية التي تحركوا بها على أرض الواقع ومنها:

أولًا: عمل نداء للأهليين ببيان أخطار المبشرين وتحذيرهم من الوقوع في شراكهم.

ثانيًا: تشجيع مدرسة أمهات المؤمنين ومعه حراء الإسلامي بإيواء بنات المسلمين والحيلولة بينهن وبين مدارس التبشير.

ثالثًا: تكوين لجنة من فرقة الأخوات المسلمات المتعلمات للاتصال بالسيدات في بيوتهن، وإفهامهن خطر التبشير والمبشرات الجوالات.

رابعًا: العمل على إنشاء ملجأ لإيواء البائسين والبائسات ومنعهن من الارتماء في أحضان المبشرين.

5- إقامة المحاضرات والندوات لتعريف المرأة بدينها والمخاطر التي تحاك بها وتكوين المكتبات.

فقد ذكرت صحيفة الإخوان أن دروس السيدات انتظمت في دار الإخوان بالعتبة الخضراء وخصص لها عصر كل جمعة بين الساعة الرابعة والسادسة والنصف، فتخلو الدار للعابدات الصالحات، ولقد حفل درس الجمعة بعدد كبير جدًا خطبهن كل من حضرات أصحاب الفضيلة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي، والشيخ يس، والشيخ محمد حرب، من علماء الإخوان والآنسة زينب الغزالي.

كما عمدوا إلى إنشاء مكتبات جمعوا فيها كثيرًا من الكتب الهامة التي تخص المرأة والأسرة المسلمة وكثيرًا من الكتب الدينية والعامة مثل المكتبة العامة بإحدى دور الأخوات، الكائنة بمدرسة أمير الصعيد الابتدائية للبنات

6- محاربة البغاء والسفور وكل ما يشين المرأة.

لقد حارب الإخوان مظاهر انحلال المجتمع وعلى رأسها انتشار البغاء ومظاهره والسفور والعري وامتهان المرأة على صفحات الصحف، حتى أن تقرير الأمم المتحدة في صيف 1927م جاء فيه: (لقد ثبت أن الديار المصرية عبارة عن سوق بغاء عظيمة للنساء والفتيات من جميع الأجناس، ولا سيما موسم السياحة (في وقت الشتاء)(). فاهتم الإخوان بذلك وكونوا اللجان التي انتشرت في كل مكان تحذر الناس من مخاطر البغاء وأثره الأليم على الأسرة والمجتمع ولم يتوان الإخوان عن ذلك.

7- الاهتمام الإعلامي

برزت بعض الأخوات في الكتابة والاهتمام بالجانب الإعلامي، والذين عمدوا على نشر الأخلاق وتوجيه الأخوات من خلال هذه الكتابة، ونشر المبادئ الإسلامية أوساط أقرانهن ومن أمثال من كتب أمينة الجوهري (سكرتيرة لجنة الإرشاد)، وكتبت تحت عنوان (المرأة والمولد النبوي الكريم)، وفاطمة البدري، كتبت تحت عنوان (السعادة الزوجية كيف تكون؟) واعتدال عبد الفتاح (نقيبة الأخوات بأسيوط) كتبت تحت عنوان (مشاكلنا الاجتماعية)، كما خصصت جريدة الإخوان اليومية ركنًا للمرأة سمى بركن الأخوات تنوعت فيه الكتابة والكتاب().

وفي يوم الأربعاء 9 من المحرم 1368 الموافق 10 من نوفمبر 1948م افتتح المعرض السنوي الخيري لقسم الأخوات المسلمات والذي استمر أسبوعا وخصص إيراده لتنفيذ أغراض الدار الخيرية.

8- الاهتمام الطبي

قام قسم الأخوات بافتتاح مستوصف للولادة ورعاية الطفل بدار القسم بـ17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة، وذلك في يوم الأحد 29 من جمادى الآخرة 1364هـ الموافق 10 من يونيو 1945م، وقد حضر الاحتفال الإمام الشهيد، وألقى فيه كلمة، كما حضره الشيخ عبد اللطيف الشعشاعى ولفيف من الإخوان.

9- قضية مصر وفلسطين

لم يقتصر دور المرأة في الإخوان على العمل الدعوي وفقط، بل وتربية جيل يحمل هم القضية الفلسطينية والقضية المصرية، ومن ذلك التوعية بالقضية الفلسطينية بل والتبرع لها، بل أكثر من ذلك أنه حينما أراد الإخوان شراء دار جديدة، وفتحوا باب التبرع لم تجد إحدى الأخوات إلا قرطها فتبرعت به من أجل أن يكون للإخوان مركز عام كبير.

وفي حرب فلسطين 1948م فقدت إحدى الأخوات ولديها في ميدان المعركة بفلسطين، فذهبت إحدى الأخوات لمواساتها، فقالت لها: «لقد شرفنا الله بشهادتهما ونحن مستعدون لإرسال أخيهم الثالث ليلحق بهما وينال ما نالا من كرامة()».

كما قاموا بإرسال برقيات إلى الملك وإلى رئيس الوزراء وإلى السفارة البريطانية والمفوضية الأمريكية وأمانة الجماعة العربية، يستنكرون فيها محاولات اليهود الاستيلاء على فلسطين، وإقامة وطن لهم بها، كما كانوا يطالبن بعودة المبعدين من الفلسطينيين إلى أراضيهم وعلى رأسهم سماحة مفتى القدس الحاج محمد أمين الحسينى وكانوا يؤيدن القرارات التي أصدرها الإخوان المسلمون حول القضية الفلسطينية.

10- المحنة ودور المرأة المسلمة

بطبيعة الحال، مرت الدعوة بمحن عدة فكان للأخوات دور مهم فيها سواء في محنة 1948م و1954م و1965م وغيرها، يذكر الأستاذ فؤاد الهجرسي: أنه حينما صدر قرار بحل جماعة الإخوان قامت الأخوات بالتطواف على مؤسسات الحكومة -سرايا الملك، ومجالس الوزراء، والشيوخ، والنواب– لإبلاغها بعريضة احتجاج على هذا الظلم الواقع على الإخوان، كما التقت الأخوات بوصيفات الملكة بسرايا عابدين فتركن أثرا طيبا في نفوسهن، ووعدت الوصيفات بإبلاغ هذه العريضة للملكة حتى ترفعها للملك، وفي أثناء الجولة دخلت الأخوات مكتب أحد مسئولي الحزب السعدي فثار ضدهن فقلن له: «نحن نقيم عليك الحجة وأنت وشأنك»().

 

أثر التربية على الأسرة والمجتمع

لقد قام الإخوان بدور هام نحو المرأة لتكريمها في نفسها وبيتها ومجتمعها، ولقد أتت ثمار هذه التربية فظهرت أثرها على الأسرة والمجتمع وتحقق للبنا أحد أهداف الجماعة وهي تكوين البيت المسلم فما نكاد ننظر حولنا إلا ووجدنا كثيرًا من البيوت المسلمة التي تربت في أحضان حركة الإخوان المسلمين وقد أصبحوا شامة وسط مجتمعهم ومن يحيطون بهم بأخلاقهم وأفعالهم وحسن عشرتهم وتعاونهم وحبهم الخيرَ للجميع، وليس ذلك فحسب بل جاءت بآثار إيجابية ومنها:

1- دحر البغاء والتعرف على مخاطره

كان لجهودهم في ذلك الأثر الكبير حتى أن الإمام البنا تنازل عن الترشح لمجلس النواب عام 1942م نظير إلغاء البغاء والخمر وبالفعل استجاب النحاس باشا فألغى البغاء في الريف وتواصلت الجهود حتى صدر تشريع يحرم التصريح للبغاء عام 1956م.

2- انتشار الحجاب والزى الإسلامي

كان لاهتمام الإخوان بالمرأة وشئونها أن حافظت المرأة على عفتها وحجابها فلم تنكسر أمام موجات التغريب بل نشط قسم الأخوات في ذلك وبذل جهود عظيمة أمام ما كانت تقوم به حركات التحرر النسائي، لكن ما إن غيبت جماعة الإخوان في السجون حتى تحررت المرأة فلا تكاد ترى الحجاب على رؤوس النساء إلا شاذا بسبب السياسة التي انتهجها الحكام، لكن ما كادت جماعة الإخوان تعود في السبعينات إلا وقد ظهر الحجاب مرة أخرى ينتشر وسط الجامعات ووسط المجتمع.

3- وسط المحنة كنساء الصحابيات

برزت بشدة أثر التربية التي تربت عليها المرأة على يد الإخوان المسلمين أثناء المحن التي تعرضت لها البلاد سواء في مصر أو غيرها، فما أن تم حلّ الجماعة عام 1948م إلا وقد شكل الأخوات لجنتان لمساندة الإخوان المعتقلين وأسرهم، اللجنة الأولى ومهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون وكانت المسؤولية عن هذه اللجنة الأخت الكريمة (زهرة السنانيري). واللجنة الثانية ومهمتها زيارة أسر الإخوان المسجونين بصفة مستمرة وتقديم كل ما تحتاجه كل هذه الأسر ماديا وأدبيا بالإضافة إلى القيام بتقديم الشكاوي والاحتجاجات إلى الجهات المسئولة عن الظلم الفادح الواقع على الإخوان المسلمين والأخوات المسلمات وأسرهم().

بعد تعرض الإخوان للمحنة عام 1954م، ودخول كثير منهم السجن، أخذت الأخوات على عاتقهن رعاية أبناء الشهداء والإنفاق على بيوت المعتقلين من الإخوان، أمثال السيدة نعيمة خطاب زوجة المستشار الهضيبي وابنتها خالدة، والسيدة زينب الغزالي، والسيدة أم أحمد وأمينة علي وغيرهن، ونشطت الأخوات في رعاية أسر المعتقلين، ونشط معهن بعض الإخوة الشباب، حتى تم اكتشاف ما سمى بتنظيم التمويل في يناير ومارس ويونيو من عام 1955م().

برزت التربية على أوجها حينما حدثت محنة 1965م وتم اعتقال العديد من الأخوات وتعرضهن للتعذيب الشديد من أمثال الحاجة زينب الغزالي وحميدة قطب وغادة عمار زوجة الطيار يحيى حسين، وأم مجدي زوجة الحاج عباس السيسي، وبنات الشيخ محمد عبد المقصود الأودن وزوجة وبنات المستشار حسن الهضيبي وآمال العشماوي بنت الوزير العشماوي وزوجة منير الدلة، وفاطمة عبد الهادي زوجة الشهيد محمد يوسف هواش وغيرهن الكثير من الأخوات اللاتي اعتقلن وقضين في السجن ستة أشهر وأكثر قبل أن يخرجن ويعُدن لأولادهن محملين بالمآسي، وليس ما يحدث الآن أكبر دليل على أثر هذه التربية وسط المرأة المسلمة.

4- التربية السياسية

استعدت المرأة المسلمة مسلحة بكل أسلحتها لتظل على عفافها وتبرز بهذه المعاني وسط مجتمع غلفه سوء الخلق وانتشار الفاحشة والرذيلة، فنجد المرأة المسلمة وقد غزت البرلمان في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي وكان لها الأثر الطيب كزهرة وسط حديقة جرداء، وقد رأينا السيدة جيهان الحلفاوي والحرب الضروس ضدها في الإسكندرية ومكارم الديري ومروة صفاء قاوقجي أول نائبة محجبة في تاريخ تركي وغيرهن الكثير.

وقد رأينا دور المرأة المسلمة في انتخابات 2000 و 2005 وما بعدها حتى أنها ارتمت على الصناديق متقبلة الموت في سبيل ربها على أن تزور إرادة الأمة بل كانت الفارسة بحق في عموم اللجان وفي كل الأوقات.

 

نماذج من نساء تربين داخل الدعوة:

1- نعيمة خطاب

ولدت نعيمة خطاب -والتي اشتهرت بأم أسامة- في بيت كان مثالًا للسكينة والرحمة، فهي ابنة الشيخ محمد خطاب أحد علماء الأزهر، حصلت على التعليم وأتقنت اللغة الفرنسية، وتزوجت من المستشار حسن الهضيبي ورزقها الله بخمسة من الأولاد هم: محمد المأمون وإسماعيل وخالدة وسعاد وعلية، وما أن التحق زوجها المستشار حسن الهضيبي بركب الإخوان في أول عام 1943م حتى كانت معه وقد حفظت سره من عام 1943 حتى تم اختياره مرشدا عاما عام 1951م كما أنها آزرت المجاهدين في نجدة فلسطين ووضعت البيت تحت تصرف الدعوة، وشاركت في العناية بأسر المعتقلين من الإخوان المسلمين، وتدعيم الثقة بالله في نفوسهم، وفي محنة عام 1965م اعتقلت مع ابنتها خالدة بعد اعتقال ابنتها علية، وسيقت إلى سجن القناطر الخيرية، كما ساقوا ابنتها علية إلى السجن الحربى -وكانت حاملًا- لتكون مع الحاجة زينب الغزالي وحميدة قطب وغادة عمار ثم أفرج عنها بعد ستة أشهر.

وحينما توسط الملك سعود بن عبد العزيز لدى عبد الناصر لتخفيف حكم الإعدام عن زوجها المرشد العام أرسلت السيدة أم أسامة خطابًا للملك موقع باسمها وأسماء بناتها قالت فيه: «يا جلالة الملك، إننا إذ نشكر كريم عاطفتك لكن نؤكد على أننا على عهد الدعوة وميثاق الجهاد، وسواء استشهد الهضيبي أم طالت به حياة فلن تقف عجلة الصراع، إنه في الواقع ليس صراعًا بين الهضيبي وعبد الناصر، ولا بين الإخوان والثورة، ولكنه الصراع الأزلي الأبدي بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، بين الهدى والضلال، بين جند الله وحزب الشيطان، وسيظل لواء الدعوة مرفوعًا وعملها موصولًا، ولو ذهب في سبيله آلاف الشهداء، من رجال ونساء، حتى تعلو كلمة الله، ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون».

وظلت كذلك حتى لقيت ربها راضية مرضية في 9مارس 1976م الموافق ربيع الأول 1396ﻫ

2- لطيفة حسين الصولي

نشأت السيدة الفاضلة لطيفة حسين الصولي في بيت تقوى وورع، وكان والدها أحد أعيان الإسماعيلية، ومن المحبين والمعجبين بالأستاذ البنا، وأحد الذين وقفوا بجواره في كل شئون الدعوة هو وأولاده الذين كانوا جميعًا ينتمون إلى دعوة الإخوان المسلمين.

تعرفت عليها والدة الشهيد البنا في إحدى زيارتها للإسماعيلية وخطبتها له وتزوجوا عام 1932م الموافق 1350هـ، وعاشت مع زوجها وهي تعلم من هو وطبيعة دعوته وعمله فكانت نعم المعين له على عقبات الطريق وكانت نعم الأم لأولادها وقت غياب زوجها.

وفي ليلة حزينة من ليالي هذه المحنة وبالتحديد في 12 فبراير 1949م جاءها خبر استشهاد زوجها، وفي وسط مظاهرة مسلحة من القتلة والسفاحين دفنت زوجها مع رجل عجوز هو والد الإمام الشهيد، وبعض النسوة اللاتي حملن النعش، وواروا الإمام في مثواه الأخير، في هذا المشهد المرير لم تجد الزوجة المكلومة إلا أن ترفع أكف الضراعة إلى الرحمن تحتسب زوجها وتدعو على الظالمين. وفرضت الحراسة على قبر الزوج الشهيد، وحرم على أسرته وأقاربه زيارته، ولم يسمح لأحد من أفراد الأسرة بالخروج من البيت، ولم يسمح لأحد بالاتصال بهم إلا عن طريق الشرطة، وقطع خط التليفون عنهم، وكان كل شيء حولهم مراقب حتى الأولاد كانوا يذهبون إلى مدارسهم تحت رقابة الشرطة، وظلت صابرة، ولم يكتفوا بذلك، بل أوعزوا إلى مصلحة التنظيم بإزالة البيت الذي كانت تسكن فيه الزوجة الثكلى وأبناؤها.. بحجة أن البيت الذي يسكنونه آيل للسقوط، برغم أن حالته كانت جيدة.

وعندما تم اعتقال ابنها أحمد سيف الإسلام في القضية التى لفقتها له مباحث عبد الناصر ظلت صابرة راضية محتسبة لله رب العالمين حتى تجمعت عليها الأمراض منذ عام 1965 م مما زاد من آلامها ومعاناتها حتى فاضت روحها الطاهرة في عام 1968م.

3- آمال محمد العشماوي

هي ابنة محمد العشماوي باشا وزير المعارف في فترات كثيرة، وهو رجل مشهود له بالغيرة على الإسلام، عمل على إصلاح التعليم في مصر، واعتقلته حكومة عبد الناصر عام 1954 بغير سبب بالرغم من تجاوزه الستين من عمره حتى يسلم ابنه حسن العشماوي نفسه.

ولدت آمال العشماوي في المنيا في بيئة ميسورة الحال، وكان بيت صلاح وتقوى يحب الخير لكل الناس، وكان دافعًا لها لحفظ كتاب الله، وتدرجت في مراحل التعليم المختلفة حتى تخرجت في كلية الحقوق فتزوجت من منير الدلة عام 1940م ثم التحقا بركب الإخوان سويا عام 1941م، ولقد تم اختيارها لتكون مسئولة عن قسم الأخوات منذ عام 1948م حتى اعتقالها عام 1965م فكانت أول سيدة تعتقل.

ساهمت في الكثير من أعمال الدعوة والتبرع وحماية أسر المعتقلين وكانت مصدر قلق لعبد الناصر وكان يتربص بها في كل وقت حتى انقضت عليها المباحث وذاقتها العذاب ألوانا ولم يفرج عنها إلا مع آخر دفعة من النساء وما كادت تخرج حتى فوجعت بوفاة زوجها ثم عاشت وحيدة دون ولد حتى توفاها الله عام 1995م().


 

 
.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم