Business

من أدوار المُربّين في العشر الأوائل من ذي الحجة

على الآباء والمربين استغلال مواسم الطاعات والقربات من الله -سبحانه وتعالى- في توجيه أبنائهم نحو الخير والصلاح، مع تقديم القدوة من أنفسهم في الأخلاق والمعاملات، وعشر ذي الحجة هي أفضل أيام الدنيا، وإن من نجح في استغلالها والاستفادة منها وتربية أبناءه فيها لهو الفائز بحق.

وفى دراسة بعنوان: «العشر من ذي الحجة... مدرسة إيمانية»، للدكتور خالد رُوشه، يرى أن المنهج الإسلامي التربوي جعل من استغلال تلك الأيام وسيلة ناجعة لتربية إيمانية موجهة، ودفعة قلبية روحانية صالحة، تختصر على المربين مسافات طويلة في طريق التربية، إذا استغلوا هذه الأيام في الارتقاء بأنفسهم وأهليهم.

 

اجتماع الخير في هذه الأيام

لقد جمعت تلك الأيام العشر الخير من أطرافه، فهي خير الأيام وأعلاها مقامًا، فقد أقسم بها الله سبحانه في كتابه بقوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، إذ يقول جمهور المفسرين: إن مقصودها عشر ذي الحجة، ورفع النبي ﷺ من شأن العمل الصالح فيها أيما رفعة، حين قال: «ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام- يعني أيَّامَ العشرِ-، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ».

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم التاسع من ذي الحجة، وأمر بصيام يوم عرفة، فقال: «يكفر السنة الماضية والباقية».

يقول الإمام ابن حجر في فتح الباري: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لِمَكَانِ اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره».

 

المربون والأيام العشر

تعد أيام العشر الأوائل من ذي الحجة فرصةً تربوية يستطيع كل مربٍّ أن يستغلها في التوجيه إلى معالي الفضائل والأخلاق، كما يستطيع أن يجعلها منطلقًا صحيحًا لتجديدٍ نفسيٍّ سنويٍّ لمتربيه ومتعلميه على مستوى الإيمان والتوبة والعمل الصالح، ويكون ذلك من خلال:

 أولا: صناعة البيئة الإيمانية:

فالمنهج الإسلامي يساعد المربي في تلك الأيام على تهيئة البيئة الإيمانية، وصناعة الجو الإيماني العام المؤثر على الأفراد المراد توجيههم؛

فالصيام، والتكبير والذكر، وعدم الأخذ من الشعر أو الأظفار للمضحين، وارتفاع أصوات التلبية من الحجيج في شتى الأماكن تنقلها الإذاعات ووسائل الإعلام، وشراء الأضاحي والاستعداد ليوم النحر، كل ذلك يساعد المربي على إكمال الجو الإيماني المطلوب.

ودور المربي هنا هو استغلال ذلك بأعمال دعوية تُكَوِّن ذلك الجو الإيماني الصالح، فيدعو متربيه إلى لزوم المساجد لأوقات قد تطول بعض الشيء وينتظرون من خلالها الصلاة بعد الصلاة، ويتلون من خلالها القرآن، ويتحينون الفرصة عند الإفطار في كل يوم للدعاء الصالح والمناجاة.

كما يمكن المشاركة في بعض الأعمال الجماعية التي تنشئ روح التضحية والبذل، كالاجتماع على صناعة طعام للصائمين، ودعوة الفقراء لذلك الطعام الذي قد أعدوه بأنفسهم، وتعبوا في إعداده وتعاونوا على الإنفاق عليه من أموالهم الخاصة.

كما يمكنه أن يجتمع بهم، فيتلوا عليهم آيات وأحاديث تأمر بالصدقة والبذل والعطاء، وسير الصالحين في التصدق في سبيل الله، ثم يأمرهم بالخروج للتصدق (كلٌّ على حدة) ويذكرهم باستحضار النية الصالحة وإخفاء الصدقة.

ثانيًا: الدعوة لتغيير النفس:

تناسب هذه الأيام أن يجدد المربي دعوته لمتربيه أن يقوموا بعملية تغيرية لأنفسهم وأخلاقهم السيئة أو السلبية وعاداتهم المرفوضة، إلى نفوس نقية للخلق جميعًا، وأخلاق تتشبه بأخلاق نبيهم ﷺ وعادات إيمانية طيبة، خالعين أخلاق وعادات الجاهلية والنفعية، وما يتعلق بحب النفس والرغبة في العلو على الآخرين.

وينبغي أن يوجه المربي من يربيهم نحو ذم خلق الكبر والعجب، مُذكِّرًا إياهم كيف أمر الشرع أن يستوي الناس في الحج في ثيابهم وسلوكهم وكلامهم وأهدافهم، وأن يتركوا الدنيا والعلو فيها.

وكيف يستوون في الرغبة فيما عند الله يوم عرفة؛ فلا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما يوجههم نحو السيطرة على النفس وعلى شهواتها ورغباتها، وترك الترفه والتنعم ما استطاعوا إلى ذلك والاخشوشان؛ تشبهًا بالمحرمين الذين لا يجوز لهم الترفه بحال ولا التنعم بشيء من المتاع الممنوع منه المحرم، بل ضبط للنفس ورباطة للجأش وبعد عن شهوات الفرج والجنوح نحو المعاصي: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة: 197).

 ثالثًا: التوجيه نحو التعاون والاعتصام:

ففي العشر من ذي الحجة تظهر معاني الاعتصام بحبل الله -تعالى- وعدم التفرق، فالمسلمون جميعهم كل عام يرغبون في حج بيت الله الحرام، والحجيج يمثلون أعظم الصور الواقعية من التعاون والاعتصام بذات المنهج وذات الهدف في مشارق الأرض ومغاربها، أما الذين لم يقدر الله لهم الحج لهذا العام فهو يشارك الحجيج مشاعرهم القلبية، وترفرف روحه من حولهم داعيًا ربه أن يلحقه بهم في قابل.

والمربي ههنا يدعو متربيه لنبذ الخلاف والتفرق والسعي للوحدة وعدم استحقار العمل الصالح من أحد أيًّا كان، ورؤية العاملين لله جميعهم على ثغور مستهدفة، فيدعو لهم، ويرجو لهم النصرة، ولا يخذلهم ولا يُسْلِمهم، بل يدعو لهم وينصرهم بما استطاع، ويناصحهم فيما رآه خطأ منهم، ويوجههم بالحسنى فيما خفي عنهم.

إنها أيام صالحات مباركات، ينتظرها المؤمنون الصالحون؛ ليخلعوا ارتباطهم بالدنيا، ويتحرروا من قيد الشهوة وقيد الأماني البالية، ويسطروا سجلًا من نور، فلا مادية تكسر حاجز الشفافية، ولا معصية تدنس الطاعة، بل ذكر وخشوع وتوبة وبكاء، فيرون الكون كله حبور وشفافية، ويمتزج النور بالسعادة، والأمل بمعنى الصدق، وتصبح الجنة هي المطلب والإخلاص هو المرتجى، وحسن الظن بالله هو كهف الأمنيات.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم