Business

حقوق طفل ما قبل المدرسة وأثرها في بناء شخصيته

كفَل الإسلام للإنسان في كل مرحلة من مراحل حياته مجموعة من الحقوق التي تضمن له حياة كريمة، ومن أهم المراحل التي يمر بها الإنسان- مرحلة الطفولة، والتي هي المحور الأساس الذي تقوم عليه شخصية الإنسان، وقد أَولَى الإسلام هذه المرحلة من حياة الإنسان اهتمامًا كبيرًا، ووسمها علماء الشريعة بمرحلة ما قبل التمييز، والتي لا تنضبط بسن معينة، وغالبًا ما تبدأ بسن السابعة وتنتهي بالبلوغ، ويكون الصبي في هذه المرحلة غير عارف بما يدور حوله في هذه الحياة، وما يضره وما ينفعه منها، وتسمى مرحلة ما قبل المدرسة، والتي تبدأ من ميلاد الطفل وتنتهي في سن السابعة.

وفى دراسة بعنوان: «حقوق طفل ما قبل المدرسة وأثرها في بناء شخصيته»، للباحث عماد الشريفين، كلية الشريعة جامعه اليرموك بالمملكة الأردنية، يهدف إلى بيان نماذج حقوق طفل ما قبل المدرسة، والكشف عن أثرها في بناء شخصيته من منظور التربية الإسلامية، وانتهى البحث إلى أن الإسلام أقرّ لطفل ما قبل المدرسة مجموعةً من الحقوق، من أبرزها: حق الرضاع، وحق اللعب، وحق النفقة، وتعلم الآداب الاجتماعية، وجميع هذه الحقوق تسهم في البناء المتكامل لشخصية الطفل، من جوانبها: الجسمية، والعقلية، والنفسية، والأخلاقية، والاجتماعية، والدينية.

 

الحقوق الأساسية لطفل ما قبل المدرسة وأثرها في بناء شخصيته

  •  حق الرضاع الطبيعي للطفل وتأثيره في بناء شخصيته

جعل الإسلام الإرضاع حقًا للطفل، فهو ضرورة لحياة الطفل وبقائه، ويعدّ من الحقوق الأساسية للفرد يقول سبحانه وتعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}(البقرة: 233)، فلبن الأم غذاء غني بجميع العناصر الغذائية المناسبة لنمو الطفل وسلامته وقوته، وهو صحيحٌ خالٍ من الجراثيم التي تسبب مختلف الأمراض للأطفال، فخلال الأيام الأولى يكون غنيًا بالبروتين والمعادن بما يناسب النمو، فقيرًا للسكر والمواد الدسمة، ومجهزًا بأجسام مضادة تكسب الطفل المناعة ضد الأمراض، وهو مجهز بخمائر وإنزيمات تساعد المعدة على إفراز محتوياتها بعد أقل من ساعتين من الرضاع، ويساعد الأمعاء على الامتصاص بسهولة ويتمتع بدرجة حرارة ثابتة، وكذلك هو لبن معقم بطريقة ربانية تعجز أمامها جميع طرق التعقيم، ويتمتع بالزيادة والنقصان غريزيًا تبعًا لحاجة الطفل.

وكما تسهم الرضاعة الطبيعية في البناء الجسدي السليم لشخصية الطفل، فإنها تسهم وتؤثر في بناءه النفسي كذلك، فتنمي عواطف الوليد وشخصيته، فالأم تقدم لطفلها عصارة قلبها وجسمها وأعصابها مع اللبن، فعندما تحتضنه تمنحه الطمأنينة والارتياح، فيتكامل بذلك البناء الجسدي مع البناء النفسي لشخصية الطفل وينشأ خاليًا من الاضطرابات، فالرضاعة الطبيعية تشعر الرضيع بالعطف والحنان وتلبي حاجة الارتباط النفسي مع الأم، وتضمن له الاستقرار النفسي الذي يمكنه الحصول عليه بأي وقت، كما تقوي الرابطة العاطفية بين الأم وطفلها.

والرضاعة الطبيعية تؤثر في البناء الأخلاقي لشخصية الطفل؛ لذا ورد في الأثر: «لا تسترضعوا الوَرْهَاء» أي: المرأة الحمقاء، وفي هذا جاء توجيه عمر بن الخطاب في بيان تأثير اللبن في صفات الإنسان وإن على الإنسان أن يختار لابنه المرضعة التي جمعت الخلق والدين، فكان يقول: «فلا تَسْقِ من يهودية، ولا نصرانية، ولا زانية»، يقول الشيخ الصابوني: «... فالولد قد يكون من دمها في أحشائها، فلما برز إلى الوجود تحول الدم إلى لبن يتغذى منه، فهو اللبن الذي يلائمه ويناسبه لأنه قد انفصل من الأم.

وقد قضت الحكمة الإلهية أن تكون حالة لبن الأم في التغذية ملائمة لحال الطفل بحسب درجات سنه، فإذا أرضعته مرضع لضرورة وجب التدقيق في صحتها، ومعرفة أخلاقها وطبائعها؛ لأن لبنها يؤثر في جسم الطفل وأخلاقه وآدابه، إذ هو يخرج من دمها ويمتصه الولد فيكون دمًا له، ينمو به اللحم وينشز العظم، فيؤثر فيه جسميًا وخلقيًا، وقد لوحظ أن تأثير انفعالاتها النفسية والعقلية أشد من تأثير صفاتها البدنية فيه، فما بالك بآثار عقلها وشعورها وملكاتها النفسية...».

وعملية الرضاع تسهم في البناء الديني لشخصية الطفل؛ فعملية الرضاع التي تصاحبها النية الحسنة وابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، تؤتي أكلها في البناء الديني لشخصية الطفل بإذن الله، فقد روي عن عمرو بن عبد الله لامرأته التي ترضع ابنًا له قوله: «لا يكونن رضاعك لولدك كرضاع البهيمة ولدها، قد عطفت عليه من الرحمة بالرحم، ولكن أرضعيه تتوخين ابتغاء ثواب الله، وأن يحيا برضاعك خلق، عسى أن يوحد الله ويعبده».

 

  • حق ثبوت النسب وأثره في بناء الشخصية

يعدّ النسب من أهم الحقوق الأساسية للطفل، وتعريفه اللغوي: القرابة، وقيل هو في الآباء خاصة، وقيل النسب مصدر الانتساب، والنسب يكون بالآباء، ويكون إلى البلاد.

فالنسب من الحقوق التي يجب أن يحافظ عليها؛ لأنه يثبت حقوقًا كثيرة للطفل، مثل: حق الإرث، وحق الأبوة، والبنوة، والخؤولة، والعمومة، والاحتفاظ بهذا الحق وصونه إثبات لشخصية الإنسان، لذا ورد التشديد في من يضيع حق النسب، يقول عليه الصلاة والسلام: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ؛ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ».

وحرمت الشريعة الغراء العلاقات غير الشرعية بين الذكور والإناث وليس من حق أي شخص نفي النسب أو إثباته، إلا وفق شروط شرعية معينة، والنسب لا يقبل التنازل؛ لوجود حق الله تعالى فيه، ولا يكفي للطفل المسلم أن يعرف والديه ويتلقى رعايتهما، بل لا بد أن تكون نسبته إليهما نسبة لا تقبل التشكيك، وقد حذر الإسلام من التلاعب بالنسب، وجاء بالوعيد الشديد لمن يجحد ولده، كما توعد المرأة التي تخلط أنساب الناس ببعضها البعض.

يقول سبحانه وتعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}( الأحزاب: 5)، وعدم ثبوت نسب الأطفال يؤثر في البناء الاجتماعي لهم، فيميلون دائمًا إلى التخريب والاعتداء على ممتلكات الناس وسرقتها، وتغيب عنهم القيم الأخلاقية واحترام العادات والتقاليد، ويتأثر البناء المعرفي نتيجةً لغياب الاهتمام الأسري، ويتأثر البناء الجسمي نتيجة لضعف مناعة الجسم لديهم، وتدني مستوى التغذية، وعدم توافر الرعاية الصحية، ويتميزون بسرعة الغضب، وحدة المزاج، والانفعال السريع الحاد، ولا يثقون بأحد، ولا يحترمون الكبار بسهولة، ولديهم شعور بالدونية والضعف، أو النقمة على الظروف الحياتية والأسرية، ولديهم نظرة تشاؤمية إلى الحياة والناس، بالإضافة إلى ضعف تقدير الذات، ومفهومهم السلبي تجاه أنفسهم.

ويعود مناط اهتمام الشريعة بالنسب، إلى أن ضياعه يؤدي بالطفل إلى الانحراف والمهانة والذل والعار، وقد توعد الإسلام بمن ينكر نسب ولده بالعقاب الشديد، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اثنتانِ في الناسِ هما بهم كُفْرٌ: الطعنُ في النسبِ، والنِّياحةُ على الميتِ».

 

  • حق النفقة وتعلم الآداب الاجتماعية

حق الطفل في النفقة هو حقه في الغذاء المتوازن الذي ينمو به جسمه، والحصول على نفقات ملبسه وخدمته وتعليمه وعلاجه، لذا أوجب الإسلام نفقة الطفل على والده منذ انفصاله عن أمه، حتى لو كان الطفل في حضانة أمه، وفي حالة وفاة الوالد تصبح نفقته على الوارث، يقول سبحانه: {... وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة: 233)، ويقول سبحانه: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (النساء: 5).

فعلى الأب أن يتكفل بنفقات رضاعة الطفل وحضانته وتعليمه، ومما ورد في الحث على النفقة على الأولاد، ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: «أمر النبي ﷺ بالصدقة، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار؟ فقال: تصدق به على نفسك. قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك. قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على زوجتك ..»، وعن عليِّ بنَ أبي طالِبٍ: أنهُ دخلَ علَى فاطمَةَ، وحَسنٌ وحُسَيْنٌ يبكيانِ، فقالَ: ما يُبكيهما؟ قالت: الجوعُ، فخرَج عليٌّ فوجدَ دينارًا بالسُّوقِ، فجاءَ إلى فاطمةَ فأخبرَها، فقالَت: اذهَب إلى فلانٍ اليَهوديِّ فخُذ لَنا دقيقًا، فجاءَ اليَهوديَّ فاشترى بِهِ (أي وصل إلى اليهودي واشترى الدقيق منه) فقالَ اليَهوديُّ: أنتَ ختَنُ (أي زوج الابنة) هذا الَّذي يزعمُ أنَّهُ رسولُ اللَّهِ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فخُذ دينارَكَ ولَكَ الدَّقيقُ، فخرجَ عليٌّ حتَّى جاءَ بِهِ فاطمةَ فأخبرَها، فقالت: اذهَب إلى فلانٍ الجزَّارِ فخذ لَنا بدرهمٍ لحمًا، فذَهَبَ فرَهَنَ الدِّينارَ بدرهَمِ لحمٍ، فجاءَ بِهِ (يعني إلى فاطمة) فعجَنتْ ونصَبتْ وخبزَتْ، وأرسلَت إلى أبيها فجاءَهُم، فقالَت: يا رسولَ اللَّهِ أذكُرُ لَكَ (أي أحكي لك قصة هذا الطعام) فإن رأيتَهُ لَنا حلالًا أَكَلناهُ وأَكَلتَ معَنا، مِن شأنِهِ كذا وَكَذا (أي شأن الطعام وقصته كذا وكذا) فقالَ: كلوا باسمِ اللَّهِ، فأَكَلوا، فبينَما هُم مَكانَهُم إذا غلامٌ ينشُدُ اللَّهَ والإسلامَ الدِّينارَ (أي يبحث عن الدينار ويقول: أناشدكم بالله وبالإسلام هل رأيتم دينارًا؟) فأمرَ رسولُ اللَّهِ ﷺ فدُعِيَ لَهُ (يعني أتوا بالغلام إليه) فسألَهُ، فقالَ: سقَطَ منِّي في السُّوقِ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: يا عليُّ، اذهب إلى الجزَّارِ فقل لَهُ: إنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ لَكَ أرسل إليَّ بالدِّينارِ، ودرهمُكَ عليَّ، فأرسلَ بِهِ، فدفعَهُ رسولُ اللَّهِ ﷺ إليهِ (يعني أرسل الجزارُ الدينار إلى النبي ﷺ، فأعطاه للغلام).

إن تأمين النفقة للطفل يؤثر في مختلف مظاهر بناء شخصية الطفل، ومن أهم مظاهر البناء التي تتأثر بالنفقة البناء الجسدي لشخصية الطفل، فسوء التغذية يؤثر في البناء الجسدي للطفل، فمثلًا: نقص الغذاء في مرحلة الحمل يؤدي إلى تعطيل انقسام الخلية، ويؤثر سلبًا على خلايا الدماغ التي تؤدي إلى التشوه الخَلْقِي للجنين، وإذا حدث بعد الولادة مباشرة ترتب عليه بطء في نمو الجهاز العصبي والعيون والعضلات والعظام، والأطفال الذين يعانون من نقص البروتين تكون مهارتهم فقيرة، ونموهم الجسدي محدودًا مع اضطرابات جلدية.

 

  • حق الاسم الحسن

إن أول ما يتوجب على الأهل فعله عند قدوم المولود = اختيار اسم جميل له يدعى به بين الناس، يميزه عن غيره، ويكون هذا الاسم مثار إيحاء للمعاني الخيرة، فتنطبع به آثار هذه المعاني الطيبة حتى تصبح خلقًا يتخلق بها، فالإنسان يعتز ويفخر إذا كان الاسم الذي يحمله حسنًا له معنى طيب، ويحزن ويتكدر إذا كان اسمه قبيحًا، على اعتبار أن الاسم لصيق بشخصية الإنسان إلى أن يموت.

والاسم الجميل يسهم في البناء النفسي والأخلاقي والاجتماعي لشخصية الطفل، فهو من العوامل التي تكوّن الشعور الحسن بالذات وتبعده عن سخرية الآخرين واستهزائهم، وقد أوصى النبي ﷺ بحسن اختيار اسم المولود؛ لأن اسم المولود قرين بآماله وطموحاته وسلوكه، وكان تعليم الرسول لأصحابه في تسمية المولود نهجًا تربويًا سليمًا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن». وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن ابنةٌ لعمر َكان يُقال لها: (عاصية)، فسماها رسول الله ﷺ (جميلة).

وإذا أراد الإنسان أن يعرف تأثير الأسماء في مسمياتها فليتأمل حديث سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن جده، قال: أتيت النبي ﷺ فقال: «ما اسمك» قلت: حَزَن، فقال: «أنت سهل؟» قال: لا أغير اسمًا سَمَّانِيه أبي، قال ابن المسيب، فما زالت الحُزونة فينا بعد، فالاسم الحسن للطفل له أثر في البناء النفسي للشخصية، وكذلك يوحي بالمعاني الخيرة التي تنطبع في أخلاق من يحمله وصفاته، لذا نرى النبي ﷺ كان يغير الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة، لتأثيرها النفسي والأخلاقي والاجتماعي على الشخص الذي يحملها، فالإنسان يفرح إذا ناديته باسم حسن، ويزداد فرحًا إذا ناديته بأحب الأسماء إليه.

والاسم القبيح يمس كرامة الإنسان، ويكون مدعاة للسخرية والاستهزاء، بل وينمي شعور الذل والاحتقار والحقد، ويوتر العلاقة مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، مما يؤدي إلى عزلة الإنسان عن هذا المحيط بنفسه أو ابتعاد الناس عنه. فالطفل الذي يُسْتَهْزَأُ به من قِبل أقرانه؛ لاسمه المستهجن أو القبيح يخسر كثيرًا من مشاعره الطيبة، ويسير دومًا إلى اضمحلال وانهيار، بالإضافة إلى إصابته بالعزلة والانطوائية، وتوليد الأحقاد والعقد النفسية التي لا يحمد عقباها.

 

  • حق الختان

يقول: ﷺ: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط» والختان: إزالة القطعة من الجلد التي تغطي رأس القضيب، والختان يساعد على البناء الجسمي السليم، لأن فيه نظافة وبُعدًا عن الأمراض المختلفة التي تسببها بقايا البول والعرق وغيرها.

ويؤدي إلى عدم تراكم المفرزات العَرقية والدهنية ما بين الحشفة وجلد القضيب، التي تؤدي إلى التهابات جلدية وتحسسية، وعدم تراكم آثار المفرزات المنوية وبالتالي عودتها من جديد إلى الإحليل، مما يسبب التهابات إحليلية قد تسبب تضيقًا في مجرى البول أو التهابات تناسلية، وهذه الأمراض تعتري غير المختونين بينما لا نشاهد منها مطلقًا عند المختونين.

ويسهم الختان في البناء الديني لشخصية الطفل، فالختان عملية تميز المسلم عن غيره، وهي التزام بالحنيفية السمحة التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- على لسان إبراهيم الخليل، وفي الختان إشارة إلى التزام الطفل عند البلوغ بمنهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من حيث الخضوع والطاعة لله سبحانه وتعالى، وفيها دعوة إلى وجوب تميزه عن الآخرين: فكرًا، وسلوكًا.

 

  • حق اللعب

اللعب والحركة صنوان لا يمكن أن ينفصلا عند القيام بأي نشاط، سواء أكان اللعب مع الحركة الشديدة أم الخفيفة، هذا ويعدّ اللعب من المصادر الرئيسة في بناء الشخصية، ولنا في رسول الله القدوة الحسنة، فقد كان يلاعب الحسن والحسين، وأطفال المسلمين، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصنعون اللعب لأطفالهم، ففي حديث الربيع بنت معوذ قالت: «فكنا نَصُومُه- أي عاشوراء- ونُصَوِّمُ صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العِهْن- أي الصوف-؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام؛ أعطيناه ذلك- أي اللعبة- حتى يكون عند الإفطار».

وقد أقر الرسول لعب الأطفال، فعن يَعْلى العامريِّ أنَّه خرَج مع رسولِ اللهِ ﷺ إلى طعامٍ دُعوا له، فإذا حُسَيْنٌ مع الصِّبيانِ يلعَبُ، فاستقبَل أمامَ القومِ ثمَّ بسَط يدَه، فجعَل الصَّبيُّ يفِرُّ ها هنا مرَّةً وها هنا مرَّةً، وجعَل رسولُ اللهِ ﷺ يُضاحِكُه، حتَّى أخَذه رسولُ اللهِ ﷺ فجعَل إحدى يدَيْهِ تحتَ ذقنِه والأخرى تحتَ قفاه، ثمَّ قنَّع رأسَه فوضَع فاه على فِيهِ فقبَّله، وقال: «حُسَيْنٌ منِّي وأنا مِن حُسَيْنٍ، أحَبَّ اللهُ مَن أحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِن الأسباطِ» (صحيح ابن حبان).

فاللعب من أهم وسائل الطفل في تفهمه للعالم من حوله، وهو إحدى الوسائل التي يعبر بها عن نفسه، فاللعب يفيد في البناء الجسدي ويطلق الطاقة العصبية التي إذا لم تصرف تجعله متوترًا ومتهيجًا، كما أنه يساعد في البناء الاجتماعي لشخصية الطفل ويسهم في إشباع حاجات الطفل النفسية، وقد يعبر الطفل باللعب عن مشكلاته وإحباطاته، ويُعدُّ أداة علاجية نفسية مهمة للأطفال المصابين باضطرابات نفسية، ويمكن إيجاز وظائف اللعب في النقاط الآتية:

  1. يساعد الأطفال في السيطرة على القلق والمخاوف، والصراعات النفسية.
  2. يساعد الأطفال في تنمية المشاركة الاجتماعية، والتفاعل مع الآخرين.
  3. يساعد الأطفال في تنمية المهارات الحركية، والبناء الجسمي.
  4. يساعد الأطفال في استثارة القدرات العقلية، وتنميتها.
  5. يساعد على تنمية مدركات الأطفال، وتنمية تفكيرهم، وحلهم للمشكلات.
  6. يساعد الأطفال في التعرف على أنفسهم، وكشف إمكاناتهم.
  7. يساعد الأطفال في عمليات التعلم.

 

 

الحقوق الثانوية لطفل ما قبل المدرسة وأثرها في بناء شخصيته

  • الحقوق المتعلقة باستقبال الطفل عند الولادة

أ- حقه في التأذين في أذنيه:

فعن أبي رافع- مولى رسول الله ﷺ- قال: «رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ أذَّنَ في أُذُنِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ- حِينَ ولَدْتُه فاطِمةُ- بِالصَّلاة» (صحيح الترمذي).

والآذان في أذن الطفل يدل على اهتمام الإسلام ببناء شخصية الطفل أخلاقيًا ودينيًا، يقول ابن قيم الجوزية: «وسر التأذين- والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعارَ الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به، وإن لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهو هروب الشيطان من كلمات الآذان، وكان يرصد حتى يولد، فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها، فيستمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر، وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ...».

ب- حقه في التحنيك:

عن أبي موسى الأشعري قال: «ولد لي غلام، فأتيت به النبي ﷺ؛ فسماه إبراهيم، وحَنَّكَهُ بتمرة».

والتحنيك هو مضغ التمرة ودلك حنك المولود بها، بوضع جزء من الممضوغ على الإصبع، وإدخال الإصبع في فم المولود، ثم تحريكه يمينًا وشمالًا، بحركة لطيفة حتى يبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة.

يُعدُّ التحنيك بكل المقاييس معجزة نبوية مكثت البشرية أربعة عشر قرنًا حتى عرفت الهدف والحكمة من ورائها، فقد تبين للأطباء أن التحنيك ينقذ حياة الأطفال، فكل الأطفال الصغار معرضون للموت لو حدث لهم أحد أمرين: إذا نقصت كمية السكر في الدم بالجوع، أو انخفضت درجة حرارة الأجسام، وهذان ما يمنع التحنيك حدوثهما، والتحنيك يقوي عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين بالتَّلَمُّظِ؛ حتى يتهيأ المولود للقم الثدي وامتصاص اللبن بشكل قوي وطبيعي، إضافة إلى فائدة النمو في عملية الهضم، الأمر الذي يسرع البناء الجسدي للطفل في هذه المرحلة.

ج- حقه في حلق رأسه والعقيقة:

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الغلامُ مرتهنٌ بعقيقته، يُذبح عنه يوم السابع، ويُسمى ويُحلق رأسُه»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «عقَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ عنِ الحسنِ والحُسَيْنِ يومَ السَّابعِ، وسمَّاهُما، وأمرَ أن يُماطَ عن رؤوسِهما الأذَى».

وفي حلق رأس المولود إسهام في البناء الجسمي للطفل، فهو إماطة للأذى وإزالة للشعر الضعيف؛ لينبت مكانه شعر أقوى وأمكن منه وأنفع للرأس، وفتح مسام الرأس؛ ليخرج منها البخار بيسر، وتقوية للحواس مثل البصر والشم السمع.

وفي التصدق بوزن الشعر ذهبًا أو فضة = رمز لشكر الوالدين لمن وهبهم الغلام، فتعود دعوات الفقراء عليهم بالخير والبركة، فالتصدق بوزن الشعر يسهم في التكافل الاجتماعي والقضاء على الفقر، بل ويصبح موضع محبة من يحيطون به وتقديرهم، لأنه كان سببًا في سد حوائجهم، وبالتالي ينشأ في بيئة تحبه وتعطف عليه في نمو الطفل، ويكون اتجاهات سليمة نحو المؤسسات الاجتماعية بممارسات سليمة نحو المجتمع الذي يعيش فيه واحترام حقوقه والتعاون معه.

 

  • الحق في أداء بعض العبادات وعدم أداء أخرى

من آكد حقوق الطفل في هذه المرحلة = تلقين الطفل حقائق الإيمان؛ وللوالدين والأسرة التأثير العظيم في أمور الدين، لاسيما في هذه المرحلة، يقول ﷺ: «كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء».

وأول حقائق بناء شخصية الطفل الدينية التي يتعلمها الطفل = تلقينه كلمة التوحيد؛ فالعقيدة منطلق بناء الشخصية، وهي الأساس الأول الذي يجب على كل والد أو والده أو مربٍ أن يَغْرِسَهُ أولًا، ثم ينطلق منه إلى سائر العبادات والمعاملات والأخلاق، فلا قيمة لأي منهج فكري أو تربوي إلا إذا انطلق من العقيدة، ولا وزن لأي خطط وبرامج إلا إذا كانت منطلقة من العقيدة التي تشكل الشخصية بكل جوانبها.

أما ما يتعلق بحقوق العبادات الأخرى لطفل ما قبل المدرسة (غير المميز) فليس بمكلَّف؛ لضعف بنيته وقصور عقله عن فهم خطاب الشارع، فهو غير مكلف بالعبادات لتنافيها مع صفة الصغر، ولعدم إدراكه لمعاني هذه الأمور، لأن الغرض من التكليف هو اختبار مدى طاعة الإنسان وامتثاله لأمر الشارع أو مخالفته وعصيانه له، استدلالًا بقول الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (هود: 7).

فحكم الفقهاء مثلًا بعدم صحة صوم الطفل (وهذا لا يعني بطلان الصوم) غير المميز = يشير إلى أهمية تلبية حاجته إلى الغذاء في هذه المرحلة العمرية، كون الغذاء من الحاجات الجسمية الفسيولوجية الضرورية لبناء شخصية الطفل، وإكسابه كثيرًا من السلوكيات والأنشطة المهمة في حياته، وأن إشباع هذه الحاجة بطريقة ناجحة وفعالة = من أهم الضروريات لتكوين شخصيته تكوينًا متكاملًا.

وتؤثر الزكاة في بناء شخصية الطفل وتسهم فيه، وقد اختلف الفقهاء في زكاة أموال الصبي بين الوجوب وعدمه، واستدل القائلون بعدم وجوب الزكاة على مال الصغير بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة: 103)، فوجوب الزكاة معلل بالتطهر، ولا يكون التطهر إلا لمن عليه ذنب، والصغير لا ذنب عليه، لأنه غير مكلف فلا يحتاج للتطهير. وأما القائلون بوجوب الزكاة على مال الصغير فقالوا: إن الآيات والأحاديث جاءت عامة شاملة لجميع المسلمين، وليس هناك دليل على إخراج الصبي من هذا العموم.

وعليه فإن أداء الصغير للزكاة يساهم في بناء شخصية الطفل الدينية والاجتماعية، فينظر إليه الآخرون نظرة احترام وتقدير، لأنه ساهم في سد حاجة المحتاجين، حيث يوضع له القبول بين الناس، فالطفل يبدأ حياته كائنًا بيولوجيًا يقضي معظم وقته بين الأكل والنوم، فأول علاقاته الاجتماعية تبدأ مع أمه التي هي مصدر إشباع حاجاته الجسمية والنفسية، وتزداد علاقاته لتشمل الأب والإخوة والجيران، وأداء الطفل للزكاة يوسع علاقاته الاجتماعية، ويكون قادرًا على تبادل العلاقات فتنمو الألفة وتزداد المشاركة الاجتماعية ويتعلم الطفل المعايير الاجتماعية والدينية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم