تزداد أهمية الاتصال على اختلاف أنواعه يومًا بعد يوم، نظرًا لأهميته في دينامكية وسيرورة المجتمع ومساهمته في نقل المعارف وتسيير التفاهم بين أفراد المجتمع بواسطة مختلف وسائل الإعلام، والدور الذي يلعبه هذا الاتصال في تعديل السلوكيات أو تغيير المواقف وترويج القيم، وأصبح الأمر يشير إلى أهمية الاتصال التربوي الذي أصبح أداة جديدة للدول، عن طريقه تتمكن من مكافحة الأمراض والآفات الاجتماعية التي تتخبط فيها المجتمعات، فتكرس القيم والأفكار اللازمة لذلك.
وفى دراسة بعنوان: «الأساليب العلمية للاتصال التربوي»، للدكتورة أمال عميرات، الأستاذة بجامعة الجزائر، ترى أن الطفل من أكثر الفئات الاجتماعية حاجة إلى الاتصال من أجل تكيفه وتفاعله الثقافي الاجتماعي، وإشباع رغاباته من خلال الرسائل الاتصالية التي تبثها الوسائل الخاصة به، والتى تمكن الطفل من الاتصال والمشاركة مع الآخرين لاكتساب المعارف والآراء والقيم والخبرات، التي يحتاج إليها لكي ينمو عقليًا ووجدانيًا ويكون شخصية سوية.
أهمية الاتصال التربوي في المجتمع
إن الإنسان يعبر لكي يقنع، ويعدل الآراء، والمواقف الخاصة بالآخرين، وعندما يكون هذا التعديل لصالح المجتمع ككل ويستجيب لتطلعات أفراده ولفائدتهم؛ فإن هذا الاتصال يصبح اتصالًا اجتماعيًا، يسمح بإقحام أكبر حجم لإنجاز مهمة مشتركة ذات فائدة على المجتمع، ويجعل كل فرد يأخذ نصيبه من المسؤولية، فيفتح المجال الواسع للوقاية من الأمراض والحوادث والآفات، وترويج القيم المختلفة، وتطوير المشاركة في القرارات العمومية.
فالاتصال التربوي ذو الميزة الاجتماعية هو اتصال بيداغوجي واتصال تضامن مشترك، يستهدف التأثير على الآراء والمواقف للاتجاه المرغوب فيه، حيث يكون منظمًا علميًا، ومصممًا كوسيلة مفضلة لتعديل السلوكات، انطلاقًا من مبدأ العيش الأفضل فرديًا وجماعيًا. فهو استراتيجيًا يذلل الصعوبات، ويسمح بالوعي، وذلك على المدى البعيد في الحياة الاجتماعية، وهو بذلك يدعو إلى التحلي باليقضة من أجل التقليل من النفقات التي تنجر إذا حدث عكس ذلك، فهي سياسة لبقة تتفادى التبذير، فهو إذن ليس ذو بُعد اجتماعي فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى أبعاد اقتصادية وسياسة بل واستراتيجية، مستمدًا شرعيته من كونه اتصالًا يهدف للمصلحة العامة.
إن الاتصال التربوي مسؤولية السلطات العمومية التي لا يجب أن تكتفي بالإعلام، بل يجب عليها تحسيس وتحفيز المواطن حول جميع المواضيع الخاصة بالمصلحة العامة؛ حتى يصبح هذا الاتصال اتصالًا مدنيًا، ونتيجته النهائية لا تُرى ولا يمكن ملاحظتها فورًا؛ لأنها تعمل على المدى البعيد، لتضمن النوعية واشتراك المواطن في الأمر، وهو ما يضمن وعيه إزاء المسائل والمشاكل الخاصة بالمجتمع، فيتصرف بمدنية وحضارة بإقحام وسائل الإعلام والاتصال الجديرة بالإقناع، من أجل تحسين المواقف كأداة بيداغوجية.
فهذا الاتصال الاجتماعي يحرص على استقرار المجتمع، بتكريس قيم وسلوكيات إيجابية خاصة لدى الطفل الذي تعود التمركز على ذاته، والاعتماد على غيره بإشباع حاجاته الفسيولوجية، فيمكنه هذا النوع من الاتصال من النضج وإدراك المسؤولية الاجتماعية وسلك السلوك الصحيح، وهذا الاتصال لا يتم بطريقة عشوائية وإنما على أساس معايير وقيم وأنماط ثقافية وتربية تضبط وتكف الطفل عن الكثير مما قد يضر بالمجتمع مستقبلًا، وفي الوقت نفسه تشجعه على تعلم الكثير مما يريده، وبذلك ينمي الاتصال الاجتماعي بذور سلطة داخلية في الفرد منذ طفولته، هي الضمير الذي ينمو ويقوى ويتدرج مع نمو الطفل الاجتماعي.
وليحقق الاتصال التربوي أهدافه السامية والتي تنصب لصالح المجتمع ككل، لا بد من وجود قنوات لإرسال هذه الرسائل الاتصالية التربوية والتي من أهمها:
- اللغة: عامل أساسي للاتصال لأنها 90% من نجاحه، كما يجب أن يشكل العنوانُ في النص الصورةَ المشكلة له، حيث يجب أن يكون استثنائيًا يمكن قراءته عشر مرات أكثر من النصوص الباقية، كما يجب أن يكون مثيرًا للانتباه يجذب القارئ ويشده، فيعطي القيمة الكاملة لمضمون ولب النص.كما يجب أن يختصر في ستة كلمات إذا كان يلخص وإذا كان يعلم أو يعلم، فالضعف وكل الحلول ممكنة (كالتجديد والتضاد...) المهم أن يشكل الإبداع نجاحًا.
- الصورة: قد تعوض النص أو ترافقه، كما أن الصورة أحسن من الرسم، فاستعمال الألون الساخنة يعبر عن الفرح والسعادة، والأسود عن العكس. فقد أعطت الصورة لنفسها مكانة وحضورًا وسلطة يجب أخذها بعين الاعتبار، خاصة في مجال التربية؛ لأن الطفل يتأثر بها، لذلك لا يمكن للتربويين تجاهلها، فهي مصدر حقيقي للإثراء، لكنها ليست قطعة سحرية ولا دواءً سحريًا ولا موضة، بل يجب أخذها بجد سواء كانت متحركة أو ثابتة أو ملحق بها نص مكتوب، لذلك يجب إنجاز صورة ذات نوعية تأخذ بعين الاعتبار أن طفل اليوم هو رجل الغد، فلا يجب أن ترى وتقبل لأنها موجودة، بل يجب أن تتمكن من المرور لما سُطر لها بدون أن تفلت من الهدف.
- النص: ممثل الفكرة بنوعيته، فالإنسان حساس لكل اهتمام نخصه به، لذلك يجب البحث عن ربطه بالاتصال، باستعمال نصوص بدون جمل طويلة، فبضعة كلمات تكفي، كما يجب استعمال فقرات متساوية، وكتابة واضحة، وسهلة القراءة، وفكرة بعد فكرة، بلغة سهلة وبسيطة، والمهم يقال في البداية والنصيحة تذكر مرارًا من أجل جذب الانتباه، مع تأطيره واستعمال أنماط مختلفة في الكتابة لتفادي الرتابة. فالنص يجب أن يحمل الحلول للمشكلة؛ لأن التوعية بآفة ما دون إعطاء حلٍّ لها قد يطورها، لذلك فأي نص موجه يجب أن يحمل رسالة واضحة، سهلة الفهم، تجلب الانتباه، ترسخ في الذهن، وتقنع بحججها مع مراعاة الجدية والمصداقية، لأن فعالية الاتصال الهادف للإقناع يكون مرهونًا بالدرجة الأولى بالثقة الممنوحة لمصدر الرسالة.
- الشعار: في الاتصال التربوي يستجيب لنفس أهداف الاتصال عامة، فهو يختصر في جملة واحدة هدف العملية الاتصالية، لأنه إنتاج فكري يتطلب بحث وتطبيق القواعد الأساسية للإقناع، حيث يتميز بــ:
- الاختصار: ليسهل تلقيه وإدراكه.
- إعطاء النٌصيحة: بالدعوة إلى تعديل المواقف، بجلب الاهتمام، فالشعار الذي يصرح بفكرة دون ربطها بنتيجتها هو شعار ذاتي لا تؤدي الهدف.
- شعار واحد لكل فكرة: فتقبل نصيحة واحدة صعب التحقيق، فكيف الحال إذا كانت نصائح عديدة تقحم في شعار واحد، فالعقل يرفض الإقحام، والاكتفاء بشعار واحد لكل نصيحة مهم من أجل ترسيخها، فـالـشـعـار إذن تـحـفـة فـنـيـة يلخص المشكلة في بضعة كلمات، ليكون حاضرًا في كل مكان. مثلًا شعار: «12% من الأطفال الأقل من عشر سنوات يدخنون، هذا مؤلم» هو شعار مصمم كحقيقة تشد من البداية إلى النهاية.
ومهما تعددت قنوات الاتصال الاجتماعي الموجهة للطفل خاصة فإنها كلها تتجه إليه، من أجل التأثير عليه بهدف إعداد الطفل للمستقبل، وجعله مواطنًا أو فردًا صالحًا نفسيًا واجتماعيًا في مجتمعه، من خلال تعليمه وتربيته بالاتصال الاجتماعي، عن طريق هذه القنوات المختلفة، وحتى القائم بالاتصال يجب أن يكون قدوة حسنة ونموذجًا جيدًا للخلق الرفيع؛ لأن أساس التربية والتعليم الخلق الحسن.
ويجمع أخصائيو التربية، أن التربية الخلقية تبدأ من سن مبكرة، لذلك ينصحون بالبدء في تكوين العادات والسلوك الحسن والصحيح عند الأطفال منذ الثالثة من أعمارهم؛ لإدراكهم أهمية الدور الذي تؤديه هذه العادات والسلوكيات في حياة الفرد والمجتمع كذلك، لذلك على القائم بالاتصال في هذا المجال أن يحرص على تكوين العادات والسلوكيات الصحيحة والإيجابية قبل أن تستفحل في الطفل العادات المذمومة والخاطئة، لأن الطفل بطبيعته مولع بالتقليد والمحاكاة، لذلك يجب توجيهه نحو الصواب بالتربية والتعليم عبر مختلف قنوات الاتصال الاجتماعي.
الأساليب التربوية العلمية لفاعلية الاتصال التربوي
- أسلوب الحكمة: وهي معرفة الدين الصحيح، والعمل به، ويتضمن التمييز بين المأمور والمحظور، وبين الأعمال الحسنة والقبيحة، وبين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وتعلم الحق دون الباطل.
- أسلوب الموعظة الحسنة: وبها يوجه القائم بالاتصال أولئك الذين يؤمنون بالعقيدة الصحيحة ولكن لا يمارسونها.
- أسلوب الحوار والجدال الحسن: وبه يربي القائم بالاتصال الذين لا يؤمنون بالعقيدة الصحيحة ولا يمارسونها.
وهذه الأساليب الثلاثة هي التي أمر معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم أن يُدعى بها إلى سبيل ربه، وهي أساليب نافعة في العلم والعمل.
أساليب تربية الإرادة
- الفهم: الذي يزيل الشبهات والشهوات من خلال ما يرد فيه من العلم والحكمة والموعظة، فهو رادع لكل إرادة فاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها.
- الإحساس بالآخرين: لتدريب الطفل على تحمل المسؤولية.
- ترك مسببات الآفات والمفاسد: لأنها تسيء لصاحبها قبل أن تسيء لمن حوله.
- الالتزام: تعليم الطفل وتربيته على الالتزام بالسلوكيات الإيجابية التي تنظم علاقات الإنسان وتوجهها، وهي كل مستحب من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة: كصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الآخرين.
وعليه فان تأصيل السلوك الصحيح في المجتمع والذي هو غاية الاتصال الاجتماعي- يبدأ من الطفولة بالتربية الخلقية والاعتماد على القدوة الحسنة، والتقليد، والإيحاء بالسلوك الإيجابي، وتشجيع الطفل وترغيبه في اتباع السلوك الصحيح والحميد، حيث الجبر والعقاب هو الوسيلة الأخيرة في تأديب الطفل.
أساليب لتنمية الإحساس بالمسؤولية عند الطفل وتكريس التربية الخلقية
أسلوب الممارسة: أي التربية من خلال العمل، وهو أكثر الأساليب فاعلية؛ لأن التربية تكون فعالة إذا ارتبطت بأنماط سلوكية يمارسها الطفل، فالتربية الخلقية توجه الطفل نحو الأهداف السامية.
- أسلوب التذكير: يستند هذا الأسلوب على مسؤولية الفرد تجاه الآخر، في تذكيره ونصحه بفعل كل ما هو خير، واجتناب العكس.
- استخدام الأساليب الحسية: فضرب الأمثلة الحسية يساعد في إيضاح المعاني والرموز وتقريبها إلى الأذهان.
- أسلوب الاستجواب والحوار: وهو عبارة عن توجيه عدد من الأسئلة للمخاطب تقوده إلى أن يتوصل للحقيقة.
- التربية بالقدوة: القدوة الصالحة لها أهمية كبرى في تربية الأطفال وتنشئة الأجيال على أساس سليم من الإيمان والتقوى. وهي أفضل الوسائل وأقربها إلى النجاح، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم أفضل قدوة للبشرية في تاريخها الطويل.
- أسلوب الترغيب والترهيب: إن الثواب والعقاب من الأساليب التي تستند إليها التربية في كل زمان ومكان، فالإنسان يتحكم في سلوكه ويعدل قراره بمقدار معرفته بالنتائج الضارة والنافعة المترتبة على عمله وسلوكه.
- التربية باستغلال الأحداث: فالإنسان في تفاعل دائم مع الأحداث، والمربي أو القائم بالاتصال لا يترك الأحداث تذهب سدى بغير عبرة وبغير توجيه، وإنما يستغلها في تربية النفوس وتهذيبها.
- الأسلوب القصصي: عندما يجد الطفل نفسه بطلًا في القصة التي تدور حولها الأحداث الواقعية- يتحرر من دافعه وحدوده التي يعيش فيها إلى عالم واسع فسيح يعيش فيه مع قدوته، بما فيه من تربية وتعليم وقيم، إلى جانب المتعة والراحة النفسية.
.