Business

أهداف التربية الإسلامية عند ماجد الكيلاني

إعداد: م أحمد شوشة

التربية عملية متكاملة تحتوي على أسس نظرية علمية بفلسفة وموضوع ومنهج وفروع. ولعل من أهم الأسس النظرية لعملية التربية هي تحديد الأهداف بمستوياتها ومراحلها وأدوارها المختلفة، والتي ينبني عليها الكثير من النظرية التربوية.

ويتناول د ماجد عرسان الكيلاني في بحثه الهام "أهداف التربية الإسلامية..دراسة مقارنة بين أهداف التربية الإسلامية، والأهداف التربوية المعاصرة" هذه الأهداف وأهميتها ودورها وضوابطها وغيرها من العناصر الضرورية اللازمة لتحقيق غاية الأهداف في العملية التربوية.

 

دور الأهداف في العملية التربوية

التربية عملية هادفة مقصودة لابد من تحديد أهدافها وإلا صارت بغير وعي ولا رشاد.

وتنقسم الأهداف التربوية إلى قسمين رئيسيين:

 الأهداف الأغراض: المقاصد النهائية على مستويات الفردية والاجتماعية والعالمية.

الأهداف الوســائل: الوسائل والأدوات الفعالة لتحقيق الأهداف الأغراض.

الاتفاق في التربية الحديثة قائم حول "الأهداف الوسائل" ولكنه غير قائم في "الأهداف الأغراض". وهذه المشكلة لا توجد في التربية الإسلامية، فالأهداف في التربية الإسلامية حلقات في سلسلة متدرجة من الأهداف الوسائل حتى ينتهي التدرج إلى "الأهداف الأغراض.

فمثلًا في الآية الكريمة:" اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "(الجاثية :12)؛ نحن أمام سلسلة متدرجة متناسقة من أهداف التسخير؛ "فجريان الفلك" هدف "لتسخير البحر"، وهذا "التسخير" هو وسيلة لتحقيق هدف يليه وهو " الابتغاء من فضل الله"، وهذا الهدف الثاني وسيلة لتحقيق الهدف النهائي وهو" شكر الناس لله عز وجل".

وهكذا في جميع الأهداف التي تنبثق من مختلف مكونات " فلسفة التربية الإسلامية "، فهي مهما تفرعت وتعددت فإنها تنتهي إلى هدف نهائي واحد هو " شكر الله وعبادته؛ أي محبته وطاعته " وبسبب هذه الوحدة في الهدف التربوي النهائي كان وصف العقيدة الإسلامية بالتوحيد.

وهناك من يطلق على "الأهداف الأغراض" اسم "الأهداف التربوية" ويطلق على " الأهداف الوسائل" اسم "الأهداف التعليمية"؛ و "الأهداف التربوية" توجه "الأهداف التعليمية" وتمنحها الشرعية اللازمة، بينما تعمل "الأهداف التعليمية "على تجسيد الغايات التي تتضمنها" الأهداف التربوية" في ممارسات عملية. و"الأهداف التعليمية " تبرر" وقائع التعليم والتعلم" وتمنحها الشرعية، بينما تقوم "وقائع التعليم والتعلم" بتحقيق "الأهداف التعليمية" وتحويله إلى واقع.

ويجب أن نلاحظ أن "شبكة العلاقات التربوية" تتفاعل مع إطار أوسع يؤثر في العملية التربوية بشكل كبير. ويتألف هذا الإطار من المؤسسة التربوية، والبيئة الصفية، والهيئة العاملة بها، والأحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للطلاب، وميزانية التعليم، والبناء المدرسي، وغير ذلك؛ كل هذا الإطار الوسع يمكن أن تخدم كأمور مساعدة لتحقيق الأهداف التربوية أو إعاقة تحقيقها.

 

خصائص الأهداف التربوية

١-أن تكون الأهداف التربوية؛ متفقة مع الطبيعة الإنسانية، مراعية لحاجاتها، قابلة لإطلاق قدراتها الإبداعية.

٢-أن تحدد أهداف التربية العلاقة بين الفرد والمجتمع، ثم بينه وبين التراث الاجتماعي من عقائد وقيم وعادات وتقاليد ومشكلات.

٣-أن تلبي حاجات المجتمع الحاضرة وتعالج مشكلاته.

٤-ان تكون مرنة قابلة للتغير حسب ما يتطلبه التطور الجاري والمعارف المتجددة.

٥-أن ترشد الأهداف العاملين في التربية ما يجب أن يعملوه، وأن تساعدهم على تحديد الطرق اللازمة في التربية والتعليم والأدوات اللازمة لقياس نتائج العملية التربوية وتقويمها. 

6-أن توضح هذه الأهداف نوع المعارف والمهارات والمواقف والاتجاهات والعادات التي يراد تنميتها في شخصية المتعلم.

٧-أن تكون شاملة متكاملة في ضوء العلاقات التي تحدد نشأة الإنسان ومصيره وعلاقاته بالكون والانسان والحياة من حوله.

 

أزمة التربية الحديثة في ميدان الأهداف التربوية

تعاني التربية من أزمة في ميدان الأهداف التربوية، وهي أزمة نابعة من الأصل الذي يسبق الأهداف التربوية في دورة العملية التربوية -أي أزمة فلسفة التربية -التي استعرضنا مظاهرها في كتاب " فلسفة التربية الإسلامية ".

ما زال الجدال يدور حول ما هية أهداف التربية وتصنيفها، ويتخذ هذا الجدل مظاهر ثلاثة:

الأول: ما هي الأهداف التربوية التي يجب تحديدها؟

الثاني: هل تتصل هذه الأهداف بغايات الحياة الرئيسية أم يجب الاقتصار على بلورة أهداف سلوكية عملية تنحصر في موضوع دراسي محدد أو موقف تعليمي محدد؟

الثالث: هل هذه الأهداف ضرورية للتربية أم هي غير ضرورية أصلًا؟

ولو نظرنا في كل من الاتجاهات الثلاثة لوجدنا أن جوهر الخلاف حول تحديد الأهداف يتركز في أمور ثلاثة هي:

الأول: أن الصعوبة الشديدة في الاتفاق على أهداف عامة للتربية سببها عدم الاتفاق على " فلسفة التربية " محددة تنبثق منها أهداف محددة كذلك.

الثاني: أن الذين يرون عدم الاشتغال بتحديد أهداف التربية هم ناس سئموا الخلاف المزمن حول هذا الموضوع، وسئموا من عقم البحث فيه. والذين يصرون على استمرار البحث فيه هم أناس ترعبهم نتائج العملية التربوية في ميادين الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية وما يرونه من إخراج التربية الحديثة لنماذج إنسانية آلية لا أهداف عليا لها في الحياة إلا الإنتاج والاستهلاك، او نماذج إنسانية منقسمة على أنفسها، أو مغتربة عن الحياة كلها.

الثالث: أن الذين يدعون إلى الاكتفاء بتحديد أهداف سلوكية عملية مشتقة بشكل مباشر من موضوعات التعليم -كأن تكون هناك أهداف للحساب واخري للجغرافيا وهكذا -هم أناس سئموا عدم التوصل إلى تحقيق الإنسجام بين الأهداف التعليمية العامة والأهداف التعليمية الخاصة. والذين يصرون على عدم الاكتفاء بالأهداف التعليمية الخاصة " السلوكية " هم أناس يضيقون بهذا النوع من الأهداف التي تحصر الانسان في إتقان مهارات العمل والإنتاج ولا تتسع للقيم العليا والتطلعات الإنسانية الرفيعة.

فالمشكلة إذن هي كيفية صياغة كل من الأهداف التربوية العامة والأهداف التربوية الخاصة "السلوكية " بطريقة تحقق التوافق المنطقي بينهما، لتشكل جميعها قائمة الأهداف التي تبدأ بالفرد وتنتهي بالإنسانية، وتتسع لتشمل المهارات العملية والأخلاق الفردية، ولا تضيق بالأخلاق الإجتماعية والقيم والتطلعات العليا للإنسان.

وإبراز مثل هذه الأهداف يحتاج إلى أصول محددة تتمثل في فلسفة تربوية شاملة واضحة تنبثق عن فلسفة كلية للإنسان والكون والحياة والمنشأ والمصير.

بسبب هذا الخلاف حول تحديد الأهداف التربوية وتصنيفها تنوعت هذه الأهداف إلى ما لا نهاية من الآراء.

قبل المضي في هذا البحث أود أن أشيد بروح المثابرة والجد التي تتصف بها الهيئات التربوية العاملة في أمريكا وأوروبا، وأن أغبط المختصين على الروح الجماعية والشغف العلمي اللذين يتصف بهما البحث التربوي هناك، وأن أقدر للمجتمعات هناك المكانة التي أعطتها للتربية والمربين. ولكن هذه الجهود المتواصلة والتضحيات الجسيمة لا تمنع من القول: أن البحث التربوي لم يصل بعد إلى حل جذري لأزمة الأهداف التربوية، وأن مضاعفات هذه الأزمة ما زالت تتفاعل على أماكن التطبيق التربوي والمجتمعات الفسيحة. والسبب هو الأزمة القائمة في ميدان فلسفة التربية؛ الأم المباشرة المولدة للأهداف التربوية، وهي أزمة نابعة من الفراغ العقائدي عامة

ولو أننا اعتمدنا المقياس الذي طرحه "جون وايت" حول إعتبار أهداف التربية كامنة في النفس، وان الذين يستطيعون كشف هذه الأهداف هم الخبراء بهذه النفس؛ لوضعنا أيدينا على جذور الأزمة، وهي أن المرجع الأول لمعرفة النفس الإنسانية هو "خالق النفس" الذي أودع بها قدراتها وخصائصها، وإلى هذا المنهج يوجه القرآن في أول آية ابتدأ بها الوحي: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"(العلق).

صحيح أن لعلم النفس دورًا اساسيًا في البحث عن أهداف التربية في النفس الإنسانية، ولكن علم النفس نفسه وصل أخيرًا إلى القول الراسخ وهو إدراك الأثر العميق لفعل الله في النفس الإنسانية، وضرورة الاسترشاد بالوحي الصحيح في توجيه النفس وإرشادها.

 

حاجة المؤسسات التربوية العربية والإسلامية إلى أهداف تربوية إسلامية

هناك ضرورة ملحة إلى بلورة أهداف تربوية محددة تتصف بالأصالة والمعاصرة على سواء، فما زالت النظم والمؤسسات التربوية القائمة في الأقطار العربية والإسلامية تعاني في هذا المجال من أمرين:

الأول: أن النظم والمؤسسات التربوية التي أنشئت في هذه الأقطار على النمط الأوروبي والأمريكي مازالت مغتربة ثقافيًا وتربويًا في هاتين القارتين، وفي هذا الاغتراب والتقليد تحتفظ دائمًا بفجوة تربوية واسعة بينها وبين النظم التي تقلدها. وهذا أمر كامن في طبيعة التقليد نفسه؛ إذ لا يمكن للمقلد أن يلحق بمن قلده أو يتساوى معه ماديًا ونفسيًا وعقليًا. ففي الوقت الحاضر تراجع الدوائر التربوية في أمريكا وأوروبا تراث أمثال "ديوي وسكنر وفرويد" مراجعة جذرية شجاعة، ولكن المؤسسات التربوية في الأقطار العربية الإسلامية مازالت تعتمد على الترجمات التي نقلت عن هذا التراث قبل عشرين سنة أو ثلاثين أو أكثر.

الثاني: أن المؤسسات والإدارات التربوية القائمة في الأقطار العربية والإسلامية تلقن هذه الأهداف التربوية المستوردة تلقينا يشبه تلقين النصوص المقدسة ويتجاهل الظروف الاجتماعية والعلمية والمرحلة الحضارية التي صاحبت هذه الأهداف والنتائج التي تولدت عن هذا الاستيراد، ولا تدري شيئا عن المراجعات الجارية لهذه الاهداف عند أهلها وواضعيها. ومن الطريف أن الذين يقومون بمهمة النقد والتحليل للأثار المترتبة على استيراد الاهداف المذكورة هم من خارج الأقطار العربية والإسلامية، بل هم من أمريكا وأوروبا مثل أبحاث " التربية كأداة للاستعمار الثقافي" تأليف  مارتن كارنوي، و"المساعدات الخيرية والاستعمار الثقافي" تأليف روبرت ف. آر نوف.

 لقد حاولت القوى الاستعمارية من خلال المدارس تدريب المُستعمَرين على القيام بالأدوار التي تناسب المُستعمِر. وحين انحسر الاستعمار ظلت الأنظمة التربوية كما كانت عليه إلى حد كبير. يقول " كارنوي ": أفرزت (تلك السياسات الاستعمارية) نتائج وثمرات أهمها:

  1.  انتشار البطالة بين الخرجين؛ إذا لم يتيسر لهم عمل في الأدوار التي حددها لهم التعليم.
  2. أصبح المحور الأساسي للحياة الإجتماعية هو الإغتراب الثقافي.
  3. ازدواج شخصية الفرد في اللغة والثقافة تنتهي به إلى الدمار الثقافي.
  4. تشويه شخصية الشعوب والتمزق الاجتماعي.
  5.  أفرزت نخب حاكمة تقوم بدور الوكلاء والوسطاء للمستعمرين.

 

ضوابط التفاعل مع ثقافات العالم

إن شهود التيارات الثقافية من خلال الاطلاع على ثقافات العالم ودراسة اللغات الأجنبية هو أمر لابد منه للمشاركة في الحضارة العلمية وحمل الرسالة ومقتضيات التنمية والتقدم. ولكن ضوابط هذا التفاعل الثقافي يتمثل في امور ثلاثة هي:

الأول: اصطفاء الذين يختارون؛ الذكاء، والقدرات العالية، إحساس عميق بما يجري في العالم، لهم انتماء قوي، لهم شغف بالبحث والاطلاع، لهم قدرة على هضم ما يشاهدونه وعلى تحليله وتقيمه وكيفية التعامل معه والاستفادة منه.

الثاني: العمر؛ فلعل من المناسب أن يكون في مرحلة ما بعد الخامسة والعشرين أو الثلاثين، أي في مرحلة الدراسات العليا، وتظهر عليه شارات النضج الفكري والاجتماعي والقدرة على التفاعل مع الثقافات الآخري باستقلال وانفتاح.

الثالث: المكان الذي يجري فيه عملية الإعداد؛ فلابد أن يكون -أساسا-في البلد الأصلي الذي ينتمي إليه الدارس لا خارجه شريطة أن يصحب ذلك فترات من السير في الأرض لينظر كيف بدأ خلق الظواهر الحضارية التي يقوم بدراستها والتخصص فيها. ولو نظرنا؛ لوجدنا أن كل أمة تتولي تربية أبنائها وإعدادهم علميا داخل إطارها الثقافي والاجتماعي وتستورد لهم كل ما يجري في العالم من نشاطات ثقافية وعلمية، حتى إذا نضجوا واشتدت أعوادهم لم يخش عليهم من أن يتفعلوا مع الآخرين في أي مكان على الأرض.

 

ملاحظات

  • إن الأمة يجب أن تتولى تخطيط نظم التربية فيها وتحديد فلسفتها وأهدافها، ولا تتركها لأقلية من البيروقراطية التربوية التي تتلاعب بتشكيل أجيال الأمة طبقا للأهواء الحزبية والمصالح الشخصية والولاءات الثقافية المغتربة المضطربة.
  • إن المؤسسات التربوية في الأقطار العربية والإسلامية التي انحدرت عن الطراز الإسلامي القديم ما زالت غائبة عن مفهوم الأهداف التربوية وعن علاقته بالعمل التربوي ومناهجه وتطبيقاته ونتائجه. ولا شك أن تخلف المفاهيم التربوية في المعاهد والمؤسسات الإسلامية وغياب مفاهيم الأهداف والمناهج وغيرها من تنظيماتها وأنشطتها؛ هما المسؤولان عن استمرار الازدواجية في نظم التربية القائمة وعن استمرار النتائج السلبية التي تحدث عنها " مارتن كارنوي".

وسنستكمل عرض باقي أجزاء البحث في حلقات قادمة..

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم